الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د -
الْعُشُورُ:
8 -
الْعُشُورُ فِي الاِصْطِلَاحِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: عُشُورُ الزَّكَاةِ وَهِيَ مَا يُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي بَابِهِ، وَالثَّانِي: مَا يُفْرَضُ عَلَى الْكُفَّارِ فِي أَمْوَالِهِمُ الْمُعَدَّةِ لِلتِّجَارَةِ إِذَا انْتَقَلُوا بِهَا مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِ الْمَأْخُوذِ عُشْرًا، أَوْ مُضَافًا إِلَى الْعُشْرِ: كَنِصْفِ الْعُشْرِ.
وَوَجْهُ الصِّلَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجِزْيَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ وَأَهْل الْحَرْبِ الْمُسْتَأْمَنِينَ، وَيُصْرَفُ فِي مَصَارِفِ الْفَيْءِ (1) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعُشُورِ وَالْجِزْيَةِ أَنَّ الْجِزْيَةَ عَلَى الرُّءُوسِ وَهِيَ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ لَا يَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ الشَّخْصِ، وَالْعُشْرُ عَلَى الْمَال.
تَارِيخُ تَشْرِيعِ الْجِزْيَةِ فِي الإِْسْلَامِ:
9 -
بَعْدَ أَنْ تَمَّ فَتْحُ مَكَّةَ فِي أَوَاخِرِ السَّنَةِ الثَّامِنَةِ لِلْهِجْرَةِ، وَدَخَل النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَاسْتَقَرَّتِ الْجَزِيرَةُ الْعَرَبِيَّةُ عَلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى أَمَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى رَسُولَهُ الْكَرِيمَ بِمُجَاهَدَةِ أَهْل الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ
(1) الفتاوى الهندية 1 / 183، والكافي لابن عبد البر في فقه أهل المدينة - 1 / 480، مكتبة الرياض الحديثة بالرياض - ط 2 - 1400 هـ. والمغني 8 / 516.
الآْخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (1) } وَلِهَذَا جَهَّزَ (2) رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقِتَال الرُّومِ وَدَعَا الْمُسْلِمِينَ إِلَى ذَلِكَ، وَنَدَبَ الأَْعْرَابَ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ حَوْل الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ إِلَى قِتَالِهِمْ، فَأَوْعَبُوا مَعَهُ وَاجْتَمَعَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ نَحْوُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَتَخَلَّفَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَهْل الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ. وَخَرَجَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ يُرِيدُ الشَّامَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِلْهِجْرَةِ، فَبَلَغَ تَبُوكَ وَنَزَل بِهَا، وَأَقَامَ فِيهَا نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا، يُبَايِعُ الْقَبَائِل الْعَرَبِيَّةَ عَلَى الإِْسْلَامِ، وَيَعْقِدُ الْمُعَاهَدَاتِ مَعَ الْقَبَائِل الأُْخْرَى عَلَى الْجِزْيَةِ إِلَى أَنْ تَمَّ خُضُوعُ تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ لِحُكْمِ الإِْسْلَامِ. قَال الطَّبَرِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ آيَةِ الْجِزْيَةِ:" نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِهِ بِحَرْبِ الرُّومِ، فَغَزَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ نُزُولِهَا غَزْوَةَ تَبُوكَ ". ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْقَوْل مَرْوِيٌّ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ (3) .
بِهَذِهِ الآْيَةِ تَمَّ تَشْرِيعُ الْجِزْيَةِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ
(1) سورة التوبة / 29.
(2)
حديث: " تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم. . . " أخرجه ابن إسحاق (سيرة ابن هشام 4 / 159 ط مصطفى الحلبي) عن الزهري وغيره مرسلا. وأصله في الصحيحين.
(3)
جامع البيان في تفسير آي القرآن 10 / 77، والهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره وأحكامه - مخطوطة الخزانة العامة بالرياض.
الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ تَشْرِيعِهَا تَبَعًا لاِخْتِلَافِهِمْ فِي وَقْتِ نُزُول الآْيَةِ.
فَذَهَبَ ابْنُ الْقَيِّمِ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَاّ بَعْدَ نُزُول آيَةِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَذَهَبَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَى أَنَّ آيَةَ الْجِزْيَةِ نَزَلَتْ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِلْهِجْرَةِ، حَيْثُ قَال عِنْدَ تَفْسِيرِهِ لِلآْيَةِ: هَذِهِ الآْيَةُ الْكَرِيمَةُ أَوَّل الأَْمْرِ بِقِتَال أَهْل الْكِتَابِ بَعْدَمَا تَمَهَّدَتْ أُمُورُ الْمُشْرِكِينَ وَدَخَل النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَاسْتَقَامَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ، أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِقِتَال أَهْل الْكِتَابَيْنِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ (1) .
هَذَا وَلَمْ يَأْخُذْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِزْيَةً مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ قَبْل نُزُول آيَةِ الْجِزْيَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَخَذَهَا مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَمَجُوسِ هَجَرَ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ أَهْل أَيْلَةَ، وَأَذْرُحَ، وَأَهْل أَذْرِعَاتٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْقَبَائِل النَّصْرَانِيَّةِ الَّتِي تَعِيشُ فِي أَطْرَافِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ (2) .
رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ - بِسَنَدِهِ - إِلَى ابْنِ شِهَابٍ
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 2 / 88 - دار إحياء التراث العربي ببيروت، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2 / 347 - دار المعرفة ببيروت.
(2)
نجران (بفتح النون وسكون الجيم وفتح الراء) : بلدة ما بين مكة واليمن على نحو سبع مراحل من مكة (تهذيب الأسماء واللغات للنووي 3 / 176) .
قَال: " أَوَّل مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ أَهْل نَجْرَانَ وَكَانُوا نَصَارَى (1) ".
وَذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْجِزْيَةِ أَخَذَهَا - أَيْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَجُوسِ وَأَخَذَهَا مِنْ أَهْل الْكِتَابِ وَأَخَذَهَا مِنَ النَّصَارَى (2) . وَيَقْصِدُ مَجُوسَ الْبَحْرَيْنِ (3) أَوْ مَجُوسَ هَجَرَ (4) .
رَوَى الْبُخَارِيُّ - بِسَنَدِهِ - إِلَى الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَال: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ الأَْنْصَارِيَّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَة إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُول اللَّهِ هُوَ صَالَحَ أَهْل الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ (5) .
وَبَعْدَ أَنْ أَخَذَهَا صلى الله عليه وسلم مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ
(1) حديث: " أول من أعطى الجزية أهل نجران وكانوا نصارى " أخرجه أبو عبيد في الأموال (41 ط دار الفكر) مرسلا.
(2)
زاد المعاد 2 / 88.
(3)
كان المراد بالبحرين في ذلك العهد ما بين عمان إلى البصرة (معجم البلدان لياقوت 1 / 347، وتهذيب الأسماء 3 / 37، واللسان 1 / 66) .
(4)
هجر (بفتح الهاء والجيم) : اسم بلد بالبحرين، وتعتبر هجر قاعدة البحرين، وقيل: ناحية البحرين كلها هجر. (معجم البلدان 5 / 393) .
(5)
حديث: " كان رسول الله هو صالح أهل البحرين، وأمر عليهم العلاء الحضرمي ". أخرجه البخاري (4 / 117 ط عيسى صبيح) من حديث المسور بن مخرمة.
وَمَجُوسِ هَجَرَ أَخَذَهَا مِنْ بَعْضِ الْقَبَائِل الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّة فِي تَبُوكَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِلْهِجْرَةِ فَأَخَذَهَا مِنْ أَهْل أَيْلَةَ (1) حَيْثُ قَدِمَ يُوحَنَّا بْنُ رُؤْبَةَ عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَبُوكَ، وَصَالَحَهُ عَلَى كُل حَالِمٍ بَالِغٍ بِأَرْضِهِ فِي السَّنَةِ دِينَارٌ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ قِرَى مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا بِأَنْ يُحْفَظُوا وَيُمْنَعُوا (2) . وَأَخَذَهَا مِنْ أَهْل أَذْرُحَ (3) وَأَهْل الْجَرْبَاءِ (4) وَأَهْل تَبَالَةَ
(1) أيلة (بفتح الهمزة وإسكان الياء) : بلدة معروفة على ساحل البحر آخر الحجاز وأول الشام. وتعرف اليوم بالعقبة (معجم البلدان 1 / 292، وتهذيب الأسماء للنووي 1 / 19) .
(2)
حديث قدوم " يوحنة بن رؤبة على رسول الله في تبوك. . . " أخرجه ابن إسحاق في السيرة (4 / 169 ط مصطفى الحلبي) وفي سنده انقطاع. وأخرجه ابن سعد في الطبقات (1 / 290 ط دار بيروت) وفي سنده الواقدي وهو متكلم فيه. وانظر فتوح البلدان ص 71 - دار الكتب العلمية ببيروت، والطبقات 1 / 290، الواقدي: المغازي - عالم الكتب ببيروت 3 / 1031، والأموال لأبي عبيد ص 287، والأموال لابن زنجويه 2 / 463.
(3)
أذرح (بفتح الهمزة وسكون الذال وضم الراء) : اسم بلد من أطراف الشام من نواحي البلقاء. (معجم البلدان 1 / 129) .
(4)
الجرباء: قرية من قرى أذرح في أطراف الشام (معجم البلدان 2 / 118) .
وَجَرَشَ، وَأَهْل أَذْرِعَاتٍ (1) وَأَهْل مَقْنَا (2) ، وَكَانَ أَهْلُهَا يَهُودًا، فَصَالَحَهُمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رُبُعِ غُزُولِهِمْ وَثِمَارِهِمْ وَمَا يَصْطَادُونَ عَلَى الْعَرُوكِ (3) .
وَأَخَذَهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل الْيَمَنِ، حَيْثُ أَرْسَل مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَيْهِمْ. فَقَال مُعَاذٌ:" بَعَثَنِي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُل حَالِمٍ دِينَارًا (4) ".
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ كِتَابَ الرَّسُول إِلَى أَهْل الْيَمَنِ حَيْثُ جَاءَ فِيهِ: مِنْ مُحَمَّدٍ إِلَى أَهْل الْيَمَنِ. . وَأَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ،
(1) أذرعات (بالفتح ثم السكون وكسر الراء) : بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان. (معجم البلدان 1 / 130) .
(2)
مقنا: قرية قرب أيلة. (معجم البلدان 5 / 187) .
(3)
فتوح البلدان ص 71، والطبقات 1 / 290، والعروك: الخشب الذي يصطادون عليه. وحديث: " فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ربع غزولهم وثمارهم " أخرجه ابن سعد في الطبقات (1 / 290 ط دار بيروت) وفي سنده الواقدي وهو متكلم فيه.
(4)
حديث: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل حالم دينارا ". أخرجه أبو داود (2 / 234 ط عزت عبيد الدعاس)، والترمذي (3 / 11 ط مصطفى الحلبي) . وقال: حديث حسن. والنسائي (5 / 26 ط دار البشائر) من حديث معاذ، والحاكم (1 / 398 ط دار الكتاب العربي) . وقال صحيح على شرط الشيخين.