الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لثمان بقين من شعبان، وسكن بالمعسكر حتى أصلح أحوال مصر؛ ثم خرج منها إلى الشأم في غرة المحرم سنة خمس عشرة ومائتين في أتراكه ومعه جمع كثير من الأسرى في ضر وجهد شديد مشاة حفاة أمام الخيالة.
قلت: وشجاعة المعتصم معروفة مشهورة تذكر في خلافته ووفاته، وهو الآن ولي عهد أخيه عبد الله المأمون؛ وقبل أن يخرج من مصر مهد أمورها وولى عليها عبدويه بن جبلة وعزل عيسى بن يزيد الجلودي صاحب الترجمة. فكانت ولاية عيسى هذه الثانية على مصر نحواً من ثمانية أشهر تنقص أيّاما.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 214]
السنة التى حكم فيها على مصر عمير بن الوليد ثم عيسى بن يزيد الجلودي ثانياً وهي سنة أربع عشرة ومائتين- فيها قتل الأمير محمد بن الحميد الطوسي في حرب كان «1» بينه وبين أصحاب بابك الخرمي. وفيها أيضاً قتل أبو الداري أمير اليمن. وفيها كانت قتلة عمير بن الوليد صاحب مصر المقدم ذكره. وفيها خرج بلال الشاري «2» وقويت شوكته، فندب الخليفة المأمون لحربه هارون بن أبي خلف فتوجه إليه وقاتله وظفر به وقتله. وفيها ولى المأمون أذربيجان وأصبهان والجبال وحرب بابك الخرّمىّ الأمير علي بن هشام، فتوجه علي المذكور بجيوشه وقاتل بابك وواقعه في هذه السنة غير مرّة.
قلت: وقد طال أمر بابك هذا على الناس وامتدت أيامه وحاربه جماعة كثيرة من أمراء المأمون وتعب الناس من أجله تعبا زائداً وهو لا يكل من الخروج والقتال إلى ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها توفي أحمد بن جعفر الحافظ أبو عبد الرحمن الوكيعي الضرير البغدادي، وسمي الوكيعي لملازمته وكيع بن الجراح المقدم ذكره.
قال إبراهيم الحربي: كان الوكيعي يحفظ مائة ألف حديث.
وفيها توفي الإمام أبو زيد النحوي البصري واسمه سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، كان إماماً في علم النحو واللغة والأشعار ومذاهب العرب وآبائهم وأيامهم، وكان ثقة حافظاً صدوقاً.
وفيها توفي قبيصة بن عقبة الحافظ أبو عامر السوائي هو من بنى عامر ابن صعصعة، كان إماماً حافظاً زاهداً قنوعاً أسند عن سفيان الثوري والحمادين وغيرهم، وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وغيره.
وفيها توفي الوليد بن أبان الكرابيسي المعتزلي، كان من كبار المعتزلة بالبصرة وله في الاعتزال مقالات معروفة يقوي بها مذاهب المعتزلة.
قلت: كان من كبار العلماء ذكره المسعودي وأثنى على علمه وفضله.
وفيها توفي أبو العتاهية الشاعر المشهور أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد ابن كيسان العنزي مولاهم الكوفي نزيل بغداد وأصله من سبي عين «1» التمر ولقبوه بأبي العتاهية لاضطراب «2» كان فيه.
وقيل: بل كان يحب الخلاعة فكنى بذلك. وهو أحد فحول الشعراء ونسك فى آخر عمره ومال «1» للزهد والوعظ. مات فى هذه السنة. وقيل: سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو الأقوى، وقيل: فى جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة ومائتين وهو الذي ذكره الذهبىّ. ومدح المهدىّ ومن بعده من الخلفاء، ومن مديحه:
إنّ المطايا تشتكيك لأنها
…
تطوى اليك سباسبا «2» ورمالا
فإذا رحلن بنا رحلن مخفّة
…
واذا رجعن بنا رجعن ثقالا
وله:
يا رب إن الناس لا ينصفوننى
…
فكيف إذا «3» أنصفتهم ظلمونى
وإن كان لى شىء تصدّوا لأخذه
…
وإن جئت أبغى سيبهم منعونى
وإن نالهم بذلى فلا شك عندهم
…
وإن أنا لم أبذل لهم شتمونى
وما أحسن قوله:
هب الدّنيا تساق إليك عفوا
…
أليس مصير ذاك الى زوال
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفى أحمد بن خالد الذّهبىّ «4» بحمص، وعبد الله بن عبد الحكم الفقيه بمصر، وسعيد بن سلّام العطّار بالبصرة، ومحمد بن الحميد الطّوسىّ الأمير قتل فى حرب الخرّميّة، وأبو الدّارىّ أمير اليمن قتل أيضا، وعمير الباذغيسىّ نائب مصر خلافة عن المعتصم، قتل فى الحوف فى حرب ابن الجليس وعبد السلام؛ فسار أبو إسحاق بنفسه اليهما فظفر بهما وقتلهما. انتهى كلام الذهبىّ.