الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
***
[ما وقع من الحوادث سنة 215]
السنة التى حكم فيها عبدويه بن جبلة على مصر وهى سنة خمس عشرة ومائتين- فيها وصل أبو إسحاق المعتصم من مصر الى الموصل واجتمع بأخيه الخليفة عبد الله المأمون وعرّفه ما فعل بمصر فشكره على ذلك. وفيها سار المأمون من الموصل الى غزو دابق «1» وأنطاكية فغزاهما وتوجّه إلى الشأم ودخلها وأقام بها، وكتب الى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم أن يأخذ الجند بالتكبير اذا صلّوا الجمعة، وبعد الصلوات الخمس اذا قضوا الصلاة أن يصيحوا قياما ويكبّروا ثلاث تكبيرات، ففعل ذلك فى شهر رمضان فقال الناس: هذه بدعة ثالثة.
قلت: البدعة الأولى لبس الخضرة وتقريب للعلويّة وإبعاد بنى العباس؛ والثانية القول بخلق القرآن وهى المصيبة العظمى؛ والثالثة هذه. ثم فيها أباح المأمون أيضا المتعة فقال الناس: هذه بدعة رابعة. وفيها غضب المأمون على الأمير علىّ بن هشام وبعث اليه عجيفا «2» وأحمد بن هشام لقبض أمواله.
وفيها توفّى الأمير إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علىّ بن عبد الله بن العباس أبو الحسن الهاشمىّ العباسىّ، كان من أعيان بنى العباس وأفاضلهم، وولى الأعمال الجليلة بعدّة بلاد.
وفيها توفيت زبيدة بنت جعفر بن أبى جعفر المنصور بن محمد بن علىّ بن عبد الله ابن العباس، أم جعفر الهاشمية العبّاسيّة، واسمها أمة العزيز زوجة هارون الرشيد
وبنت عمّه وأمّ ولده الأمين محمد المقتول بيد طاهر بن الحسين بسيف المأمون، وقد تقدّم ذكر ذلك كلّه. وماتت زبيدة وهى أعظم نساء عصرها دينا وأصلا وجمالا وصيانة ومعروفا، أحصى ما أنفقته فى حجّة واحدة فكان ألفى ألف دينار، قاله أبو المظفّر فى مرآة الزمان.
قلت: ولعلّها عمّرت فى هذه الحجّة المصانع التى بطريق الحجاز أو بعضها اهـ.
وكان فى قصر زبيدة مائة جارية تقرأ القرآن. فكان يسمع من قصرها دوىّ كدوىّ النّحل من القراءة، ولم تزل زبيدة فى حشمها أيام زوجها الرشيد وفى أيام ولدها محمد الأمين وفى أيام ابن زوجها عبد الله المأمون، لم يتغيّر من حالها شىء الى أن ماتت فى هذه السنة؛ وقيل فى سنة ستّ عشرة ومائتين وهو الأشهر. وأما ما فعلته من المآثر والمصانع بالحجاز وغيره فهو معروف لا يحتاج إلى ذكره هنا، وكانت مع هذا الجمال والحشمة فصيحة لبيبة عاقلة مدبّرة؛ قيل: إنّ المأمون دخل اليها بعد قتل ابنها الأمين يعتذر اليها ويعزّيها فيه ويسكّن ما بها من الحزن، فقال لها: يا ستّاه، لا تأسفى «1» عليه فإنى عوضه لك؛ فقالت: يا أمير المؤمنين، كيف لا آسف «2» على ولد خلّف أخا مثلك! ثم بكت وأبكت المأمون حتى غشى عليه.
قلت: ولم يكن قتل الأمين بإرادة أخيه المأمون وانما اقتحمه طاهر بن الحسين وقتله من غير إذن المأمون، وحقد المأمون عليه لذلك ولم يسعه الا السكوت.