الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ولاية الحسن بن البحباح «1» على مصر
هو الحسن بن البحباح أمير مصر، وليها بعد عزل مالك بن دلهم عنها في صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة. ولما ولاه الرشيد على إمرة مصر جمع له بين الصلاة والخراج، فأرسل الحسن هذا يستخلف على صلاة مصر العلاء بن عاصم الخولاني حتى قدم مصر يوم الاثنين لثلاث خلون من شهر ربيع الأوّل من السنة، وسكن المعسكر، وجعل على شرطته محمد بن خالد «2» مدة، ثم عزله بصالح بن عبد الكريم ثم عزل صالح المذكور بسليمان بن غالب بن جبريل، واستمر الحسن هذا على إمرة مصر إلى أن توفي الخليفة هارون الرشيد في جمادى الآخرة من السنة وولي الخلافة ابنه الأمين محمد بن زبيدة، فثار جند مصر على الحسن هذا وقاتلوه، فقتل من «3» الفريقين مقتلة عظيمة حتى سكن الأمر، وجمع مال الخراج بمصر وأرسله إلى الخليفة.
فوثب أهل الرملة «4» على أصحاب المال وأخذوا المال منهم. وبينما الحسن في ذلك ورد عليه الخبر بعزله عن مصر بحاتم بن هرثمة، فخرج من مصر بعد أن استخلف عوف ابن وهيب «5» على الصلاة، ومحمد بن زياد على الخراج، وسافر من طريق الحجاز لفساد طريق الشأم. وكان خروجه من مصر لثمان بقين من شهر ربيع الأول سنة أربع وتسعين ومائة. فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وشهرا وثمانية وعشرين يوما.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 193]
السنة التي حكم فيها الحسن بن البحباح على مصر وهي سنة ثلاث وتسعين ومائة- فيها وافى الرشيد جرجان، فأتته بها خزائن علي بن عيسى على ألف
وخمسمائة بعير، ثم رحل الرشيد منها في صفر وهو عليل إلى طوس فلم يزل بها إلى أن مات في ثالث جمادى الآخرة. وفيها كانت وقعة بين هرثمة وأصحاب رافع بن الليث فانتصر هرثمة وأسر أخا رافع وملك بخارا وقدم بأخي رافع إلى الرشيد فسبه ودعا بقصاب وقال: فصل أعضاءه، ففصله. وذكر بعضهم أن جبريل بن بختيشوع الحكيم غلط في مداواة الرشيد في علته التي مات فيها فهم الرشيد بأن يفصله كما فعل بأخي رافع ودعا به؛ فقال جبريل: أنظرني إلى غد يا أمير المؤمنين فإنك تصبح في عافية فأنظره فمات الرشيد في ذلك اليوم. وفيها قتل نقفور ملك الروم في حرب برجان «1» ، وكان له في المملكة تسع «2» سنين، وملك بعده ابنه استبراق شهرين وهلك فملك ميخائيل بن جورجس زوج أخته. وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين أبو جعفر هارون الرشيد بن الخليفة محمد المهدىّ بن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، العباسي الهاشمي البغدادي وهو الخامس من خلفاء بني العباس وأجلهم وأعظمهم، نال في الخلافة ما لم ينله خليفة قبله، استخلف بعهد من أبيه المهدي بعد وفاة أخيه موسى الهادي، فإن أباه المهدي كان جعله ولي عهده بعد أخيه الهادي، فلما مات الهادي حسبما تقدم ذكره ولي الرشيد بالعهد السابق من أبيه، وذلك في سنة سبعين ومائة، ومولده بالري لما كان أبوه أميراً عليها في أول يوم من محرم سنة ثمان وأربعين ومائة، ومات في ثالث جمادى الآخرة بطوس، وصلى عليه ابنه صالح ودفن بطوس؛ وأمه أم ولد تسمى الخيزران وهي أم أخيه الهادي أيضاً.
قال عبد الرزاق بن همام: كنت مع الفضيل بن عياض بمكة فمر هارون الرشيد، فقال الفضيل: الناس يكرهون هذا وما في الأرض أعز علي منه، لو مات لرأيت أموراً عظاماً. وقال الجاحظ: اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره: وزراؤه البرامكة، وقاضيه أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه العباس بن محمد عم أبيه، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأعظمهم، ومغنيه إبراهيم الموصلىّ، وزوجته زبيدة بنت عمه جعفر اهـ. وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين ونصفاً، وتولى الخلافة من بعده ابنه محمد الأمين بن زبيدة. ومات الرشيد وله خمس وأربعون سنة. وفيها نوفّى صالح [بن عمرو «1» ] بن محمد بن حبيب بن حسان، الحافظ أبو علي البغدادي مولى أسد بن خزيمة المعروف بجزرة (بجيم وزاي معجمة وراء مهملة)، لقب بجزرة لأنه قرأ على بعض مشايخ الشأم:«كان لأبي أمامة جزرة يرقي بها المرضى» ، فصحف خرزة جزرة فسمي بذلك «2» ؛ وكان إماماً عالماً حافظاً ثقة صدوقاً. وفيها توفي غندر «3» واسمه محمد أبو عبد الله البصري الحافظ، سمع الكثير وروى عنه خلائق، وكان فيه سلامة باطن. قال ابن معين: اشترى غندر سمكاً وقال لأهله: أصلحوه، فأصلحوه وهو نائم وأكلوا ولطخوا يده وفمه؛ فلما انتبه قال: قدموا السمك، فقالوا: قد أكلت، فقال: لا، قالوا: فشم يدك، ففعل فقال: صدقتم، ولكني ما شبعت.