الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالاستسقاء فى هذا اليوم المذكور. ودام يزيد بن عبد الله على إمرة مصر حتى خلع المستعين من الخلافة، بعد أمور وقعت له، فى المحرّم سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وبويع المعتزّ بن المتوكل بالخلافة؛ فعند ذلك أخيفت السّبل وتخلخل أمر الديار المصرية لاضطراب أمر الخلافة. وخرج جابر بن الوليد بالاسكندرية، فتجهّز يزيد بن عبد الله هذا لحربه، وجمع الجيوش وخرج من الديار المصرية والتقاه؛ فوقع له معه حروب ووقائع كان ابتداؤها من شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وخمسين ومائتين؛ وطال القتال بينهما وانكسر كلّ منهما غير مرّة وتراجع. فلما عجز يزيد بن عبد الله عن أخذ جابر بن الوليد المذكور، أرسل الى الخليفة فطلب منه نجدة لقتال جابر وغيره؛ فندب الخليفة الأمير مزاحم بن خاقان فى عسكر هائل الى التوجّه الى الديار المصرية، فخرج بمن معه من العراق حتى قدم مصر معينا ليزيد بن عبد الله المذكور لثلاث عشرة بقيت من شهر رجب من السنة المذكورة؛ وخرج يزيد بن عبد الله الى ملاقاته وأجلّه وأكرمه، وخرج الجميع وواقعوا جابر بن الوليد المذكور وقاتلوه حتى هزموه ثم ظفروا به واستباحوا عسكره، وكتبوا الى الخليفة بذلك؛ فورد عليهم الجواب بصرف يزيد ابن عبد الله هذا عن إمرة مصر وباستقرار مزاحم بن خاقان عليها عوضه، وذلك فى شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وخمسين ومائتين. فكانت مدّة ولاية يزيد بن عبد الله هذا على مصر عشر سنين وسبعة أشهر وعشرة أيام.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 243]
السنة الأولى من ولاية يزيد بن عبد الله التركىّ على مصر وهى سنة ثلاث وأربعين ومائتين- فيها حجّ بالناس عبد الصمد بن موسى، وسار بالحجّ من العراق جعفر ابن دينار. وفيها فى آخر السنة قدم المتوكّل إلى الشأم فأعجبته دمشق وأراد أن
يسكنها وبنى له القصر بداريّا «1» حتى كلّموه فى الرجوع إلى العراق وحسنوا له ذلك؛ فرجع بعد أن سمع بيتى «2» يزيد بن محمد المهلبىّ وهما:
أظنّ الشام تشمت «3» بالعراق
…
إذا عزم الإمام على انطلاق «4»
فإن يدع «5» العراق وساكنيه
…
فقد تبلى المليحة بالطّلاق
وفيها توفّى أبو إسحاق إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول تكين، الكاتب المعروف بالصّولىّ، الكاتب الشاعر المشهور؛ كان أحد الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر صغير الحجم ونثر بديع. وهو ابن أخت العباس بن الأحنف الشاعر، ونسبته الى جدّه صول تكين المذكور، وكان أحد ملوك خراسان، وأسلم على يد يزيد بن المهلّب ابن أبى صفرة. وقال الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السّهمىّ فى تاريخ جرجان:
الصّولىّ جرجانىّ الأصل، وصول: من بعض ضياع جرجان، وهو عمّ والد أبى بكر محمد ابن يحيى بن عبد الله بن العباس الصّولىّ صاحب كتاب الوزراء وغيره من المصنّفات، فإنهما مجتمعان فى العباس المذكور. ومن شعر الصّولىّ هذا قوله:
؟؟؟ دنت بأناس عن تناء زيارة
…
وشطّ بليلى عن دنوّ مزارها
وإنّ مقيمات بمنعرج اللّوى
…
لأقرب من ليلى وهاتيك دارها
وفيها توفّى الحارث بن أسد الحافظ أبو عبد الله المحاسبىّ، أصله من البصرة وسكن بغداد، وكان كبير الشأن فى الزهد والعلم، وله التصانيف المفيدة. وفيها توفّى الوليد بن شجاع بن الوليد بن قيس الشيخ الإمام أبو همّام السّكونىّ البغدادىّ، كان صالحا عفيفا ديّنا عابدا وتوفّى ببغداد. وفيها توفى هارون بن عبد الله بن مروان الحافظ أبو موسى البزّاز مات ببغداد فى شوّال، وأخرج عنه مسلم وغيره، وكان ثقة صدوقا. وفيها توفّى هنّاد بن السّرىّ الدّارمىّ الكوفىّ الزاهد الحافظ، كان يقال له راهب الكوفة، سمع وكيعا وطبقته، وروى عنه أبو حاتم الرّازىّ وغيره. وفيها توفّى القاضى يحيى بن أكثم ابن محمد بن قطن بن سمعان التّميمىّ الأسيّدىّ «1» ، أبو عبد الله، وقيل أبو زكريا، وقيل أبو محمد. ولى القضاء بالبصرة وبغداد والكوفة وسامرّا، وكان إماما عالما بارعا.
قال أبو بكر الخطيب فى تاريخه: كان أحد أعلام الدنيا ممّن اشتهر أمره وعرف خبره، ولم يستتر عن الكبير والصغير من الناس فضله وعلمه ورياسته وسياسته؛ وكان أمر الخلفاء والملوك لأمره، وكان واسع العلم والفقه والأدب اهـ.
قال الكوكبىّ: أخبرنا أبو علىّ محرز «2» بن أحمد الكاتب حدّثنى محمد بن مسلم البغدادىّ السّعدىّ قال: دخلت على يحيى بن أكثم فقال: افتح هذه القمطرة، ففتحتها، فاذا شىء قد خرج منها، ورأسه رأس إنسان ومن سرتّه الى أسفله خلقة زاغ «3» ، وفى ظهره سلعة «4» وفى صدره سلعة، فكبّرت وهلّلت ويحيى يضحك، ثم قال بلسان فصيح:
أنا الزّاغ أبو عجوه
…
أنا ابن اللّيث واللّبوه
أحبّ الرّاح والريحا
…
ن والنّشوة والقهوه
فلا عربدتى تخشى
…
ولا تحذر لى سطوه
ثم قال لى: يا كهل، أنشدنى شعرا غزلا؛ فقال لى يحيى بن أكثم: قد أنشدك فأنشده؛ فأنشدته:
أغرّك أن أذنبت ثم تتابعت
…
ذنوب فلم أهجرك ثم أتوب «1»
وأكثرت حتى قلت ليس بصارمى
…
وقد يصرم الإنسان «2» وهو حبيب
فصاح: زاغ «3» زاغ زاغ، وطار ثم سقط فى القمطرة؛ فقلت: أعزّ الله القاضى! وعاشق أيضا! فضحك؛ فقلت: ما هذا؟ فقال: هو ما ترى! وجّه به صاحب اليمن الى أمير المؤمنين وما رآه بعد اهـ. وقال أبو خازم القاضى: سمعت أبى يقول:
ولى يحيى بن أكثم قضاء البصرة وله عشرون سنة فاستصغروه، فقال أحدهم: كم سنّ القاضى؟ [فعلم «4» انه قد استصغر]، فقال: أنا أكبر من عتّاب الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة، وأكبر من معاذ الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على اليمن، وأكبر من كعب بن سور الذي وجّهه عمر قاضيا على البصرة [فجعل جوابه «5» احتجاجا] . وفيها توفى يعقوب بن إسحاق السّكّيت الإمام