الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
***
[ما وقع من الحوادث سنة 247]
السنة الخامسة من ولاية يزيد بن عبد الله على مصر وهى سنة سبع وأربعين ومائتين- فيها قتل الخليفة المتوكّل على الله أمير المؤمنين أبو الفضل جعفر ابن الخليفة المعتصم بالله محمد ابن الخليفة الرشيد هارون ابن الخليفة محمد المهدىّ ابن الخليفة أبى جعفر المنصور بن محمد بن علىّ بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ البغدادىّ؛ ومولده سنة سبع «1» ومائتين، وقيل: فى سنة خمس ومائتين، وتولّى الخلافة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين بعد وفاة أخيه هارون الواثق؛ وأمّه أمّ ولد تسمّى شجاع تقدّم ذكرها فى السنة الخالية؛ وهو العاشر من خلفاء بنى العباس، قتله مماليكه الأتراك باتفاق ولده محمد المنتصر على ذلك، لأن المتوكّل كان أراد خلع ولده المنتصر المذكور من ولاية العهد وتقديم ابنه المعتزّ عليه، فأبى المنتصر ذلك؛ فصار المتوكّل يوبّخ ولده المنتصر محمدا فى الملأ ويسلّط عليه الأحداث؛ فحقد عليه المنتصر، واتفق مع وصيف وموسى بن بغا وباغر على قتله؛ فدخلوا عليه وقد أخذ منه الشّراب وعنده وزيره الفتح بن خاقان وهو نائم، فأوّل من ضربه بالسيف باغر ثم أخذته السيوف حتى هلك؛ فصاح وزيره: ويحكم أمير المؤمنين! فلما رآه قتيلا قال: ألحقونى «2» به، فقتلوه؛ ولفّ هو والفتح بن خاقان فى بساط ثم دفنا بدمائهما من غير تغسيل فى قبر واحد؛ وذلك فى ليلة الخميس خامس شوّال من هذه السنة. فكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وأياما. وبويع بالخلافة بعده ابنه المنتصر محمد، فلم يتهنّأ بها، ومات بعد ستة أشهر، حسبما يأتى ذكره فى السنة الآتية. وكان المتوكّل فيه كلّ الخصال الحسنة إلا ما كان فيه من الغضب. وقد افتتح خلافته بإظهار السّنّة ورفع
المحنة، وتكلّم بالسّنّة فى مجلسه؛ حتى قال إبراهيم بن محمد التّيمىّ قاضى البصرة: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصدّيق يوم الرّدّة، وعمر بن عبد العزيز فى ردّ مظالم بنى أميّة، والمتوكّل فى محو البدع وإظهار السنّة. وكان المتوكّل فاضلا فصيحا؛ قال علىّ بن الجهم: كان المتوكّل مشغوفا بقبيحة (يعنى أمّ ولده المعتزّ) لا يصبر عنها، فوقفت له يوما وقد كتبت على خدّيها بالمسك جعفرا؛ فتأمّلها ثم أنشد «1» يقول:
وكاتبة فى الخدّ بالمسك جعفرا
…
بنفسى مخطّ «2» المسك من حيث أثرا
لئن أودعت سطرا من المسك خدّها
…
لقد أودعت قلبى من الحبّ أسطرا
وكان المتوكّل كريما، قيل: ما أعطى خليفة شاعرا ما أعطاه المتوكّل. وفيه يقول مروان بن «3» أبى الجنوب:
فأمسك ندى كفّيك عنّى ولا تزد
…
فقد خفت أن أطغى وأن أتجبّرا
ويقال: إنه سلّم على المتوكّل بالخلافة ثمانية كلّ منهم أبوه خليفة، وهم: منصور ابن المهدىّ، والعباس بن الهادى، وأبو أحمد بن الرشيد، وعبد الله بن الأمين، وموسى ابن المأمون، وأحمد بن المعتصم، ومحمد بن الواثق، وابنه المنتصر محمد بن المتوكّل. وفيها قتل الفتح بن خاقان وزير المتوكّل، قتل معه على فراشه، كان أبوه خاقان معظّما عند المعتصم، وكان من أولاد الأتراك؛ فضمّ المعتصم الفتح هذا الى ابنه المتوكّل فنشأ معا، فلما تخلّف المتوكّل استوزره؛ وكان أهلا لذلك: كان أديبا فاضلا جوادا ممدّحا