الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثمانية أصابع، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وعشرون إصبعا.
ذكر ولاية إسحاق بن يحيى على مصر
هو إسحاق بن يحيى بن معاذ بن مسلم الختلىّ، أمير مصر، أصله من قرية ختلان (بلدة عند سمرقند) ، ولى مصر بعد عزل علىّ بن يحيى الأرمنىّ، فى ذى الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين، ولّاه المنتصر بن المتوكّل على مصر وجمع له صلاتها وخراجها معا، وقدم الى مصر لإحدى عشرة خلت من ذى الحجّة من سنة خمس وثلاثين ومائتين المذكورة. وقال صاحب «البغية والاغتباط» : إنّه وصل الى مصر لإحدى عشرة خلت من ذى القعدة وذكر السنة، فخالف فى الشهر ووافق فى السنة وغيرها. ولما قدم مصر سكن المعسكر، وجعل على الشّرطة الهيّاجىّ، وعلى المظالم عيسى بن لهيعة الحضرمىّ. وكان إسحاق هذا قد ولى إمرة دمشق فى أيام المأمون، ثم فى أيام أخيه المعتصم ثانيا مدّة طويلة، ثم ولى دمشق ثالثا فى أيام الخليفة هارون الواثق ودام بها الى أن نقله المنتصر لما ولّاه أبوه المتوكّل إمرة مصر، حسبما تقدّم ذكره. وكان إسحاق بن يحيى هذا من أجلّ الأمراء، كان جوادا ممدّحا شجاعا عاقلا مدبرّا سيوسا محبّا للشعر وأهله، وقصده كثير من الشعراء ومدحوه بغرر من المدائح وأجازهم الجوائز السنيّة. وكان فيه رفق بالرّعيّة وعدل وإنصاف؛ رفق بالناس فى أيام ولايته بدمشق عند ما ورد كتاب المعتصم بامتحان الرعيّة بالقول بخلق القرآن؛ وأيضا لمّا ولى مصر ورد عليه بعد مدّة من ولايته كتاب المنتصر وأبيه الخليفة المتوكّل بإخراج الأشراف العلويّين من مصر الى العراق فأخرجوا؛ وذلك بعد أن أمر المتوكّل بهدم قبر الحسين بن علىّ رضى الله عنهما وقبور العلويّين. وكان هذا وقع من المتوكّل فى سنة ستّ وثلاثين ومائتين وقيل قبلها.
وكان سبب بغضه فى علىّ بن أبى طالب وذرّيته أمر يطول شرحه وقفت عليه فى تاريخ الإسعردىّ «1» ، محصوله: أنّ المتوكّل كان له مغنّية تسمى أمّ الفضل، وكان يسامرها قبل الخلافة وبعدها، وطلبها فى بعض الأيّام فلم يجدها، ودام طلبه لها أيّاما وهو لا يجدها، ثم بعد أيّام حضرت وفى وجهها أثر شمس؛ فقال لها: أين كنت؟
فقالت: فى الحجّ؛ فقال: ويحك! هذا ليس من أيام الحجّ! فقالت: لم أرد الحجّ لبيت الله الحرام، وإنّما أردت الحجّ لمشهد علىّ؛ فقال المتوكّل: وبلغ أمر الشيعة الى أن جعلوا مشهد علىّ مقام الحجّ الذي فرضه الله تعالى! فنهى الناس عن التوجّه الى المشهد المذكور من غير أن يتعرّض الى ذكر علىّ رضى الله عنه؛ فثارت الرافضة عليه وكتبوا سبّه على الحيطان، فحنق من ذلك وأمر بألّا يتوجّه أحد لزيارة قبر من قبور العلويّين؛ فثاروا عليه أيضا، فتزايد غضبه منهم فوقع منه ما وقع. وحكاياته فى ذلك مشهورة لا يعجبنى ذكرها، إجلالا للإمام علىّ رضى الله عنه. ولما عظم الأمر أمر بهدم قبر الحسين رضى الله عنه وهدم ما حوله من الدور، وأن يعمل ذلك كلّه مزارع. فتألم المسلمون لذلك، وكتب أهل بغداد شتم المتوكّل على الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء دعبل وغيره، فصار كلّما يقع له ذلك يزيد ويفحش. وكان الأليق بالمتوكّل عدم هذه الفعلة، وبالناس أيضا ترك المخاصمة؛ لما قيل: يد الخلافة لا تطاولها يد.
وفى هذا المعنى، أعنى فى هدم قبور العلويّين، يقول يعقوب بن السّكّيت وقيل هى لعلىّ بن أحمد- وقد بقى إلى بعد الثلاثمائة وطال عمره:
تالله إن كانت أميّة قد أتت
…
قتل ابن بنت نبيّها مظلوما
وعدّة أبيات أخر «1» . وقيل: إن ابن السكيت المذكور قتل ظلما من المتوكّل، فإنّه قال له يوما: أيّما أحبّ إليك: ولداى المؤيد والمعتزّ أم الحسن والحسين أولاد علىّ؟
فقال ابن السكيت: والله إنّ قنبرا خادم علىّ خير منك ومن ولديك «2» ؛ فقال: سلّوا لسانه من قفاه، ففعلوا فمات من ساعته.
قلت: وفى هذه الحكاية نظر من وجوه عديدة. وقد طال الأمر وخرجنا عن المقصود، ونرجع الى ما نحن بصدده.
ولما ورد كتاب المنتصر الى إسحاق بن يحيى هذا بإخراج العلويّين من مصر، أخرجهم إسحاق من غير إفحاش فى أمرهم؛ فصرفه المنتصر بعد ذلك بمدّة يسيرة عن إمرة مصر، فى ذى القعدة من سنة ستّ وثلاثين ومائتين، بعبد الواحد بن يحيى.
فكانت ولاية إسحاق على مصر سنة واحدة تنقص عشرين يوما، ومات بعد ذلك بأشهر قليلة فى أوّل شهر ربيع الآخر من سنة سبع وثلاثين ومائتين بمصر، ودفن بالقرافة. ولما مات إسحاق رثاه بعض شعراء البصرة فقال من أبيات كثيرة:
سقى الله ما بين المقطّم والصّفا
…
صفا النّيل صوب المزن حيث يصوب
وما بى «3» أن يسقى البلاد وإنّما
…
مرادى أن يسقى هناك حبيب