الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسبعين ومائة، والثانى هو هرثمة بن نصر هذا. وكان هرثمة أميرا جليلا عاقلا مدبّرا سيوسا. وتولّى مصر من بعده ابنه حاتم بن هرثمة باستخلافه له، فأقرّه الخليفة.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 233]
السنة التى حكم فيها هرثمة بن نصر على مصر وهى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين- فيها كانت زلزلة عظيمة بدمشق سقط منها شرفات الجامع الأموىّ وانصدع حائط المحراب وسقطت منارته، وهلك خلق تحت الرّدم، وهرب الناس الى المصلّى باكين متضرّعين الى الله، وبقيت ثلاث ساعات ثم سكنت.
وقال القاضى أحمد بن كامل فى تاريخه: رأى بعض أهل دير مرّان «1» دمشق تنخفض وترتفع مرارا، فمات تحت الرّذم معظم أهلها- هكذا قال ولم يقل بعض أهلها- ثم قال: وكانت الحيطان تنفصل حجارتها من بعضها مع كون الحائط عرض سبعة أذرع، ثم امتدّت هذه الزّلزلة الى أنطاكية فهدمتها، ثم الى الجزيرة فأخربتها، ثم الى الموصل. يقال: إنّ الموصل هلك من أهله خمسون ألفا، ومن أهل أنطاكية عشرون ألفا.
وفيها أصاب القاضى أحمد بن أبى دواد فالج عظيم وبطلت حركته حتى صار كالحجر الملقى. وأحمد هذا هو القائل بخلق القرآن، يأتى ذكره عند وفاته فى هذا الكتاب فى محلّه إن شاء الله تعالى.
وفيها فى شهر رمضان ولّى الخليفة المتوكّل على الله ابنه محمدا المنتصر الحرمين والطائف.
وفيها عزل المتوكل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج وولّاه الفتح بن خاقان. وفيها غضب المتوكّل على عمر بن الفرج وصادره.
وفيها قدم يحيى بن هرثمة بن أعين- وكان ولى طريق مكّة- بالشّريف علىّ بن محمد بن علىّ الرّضى العلوىّ من المدينة، وكان قد بلغ المتوكّل عنه شىء.
وفيها توفى بهلول بن صالح أبو الحسن التّجيبىّ، كان إماما حافظا، قدم بغداد وحدّث بها، ومن رواياته عن ابن عباس رسالة زياد بن أنعم.
وفيها توفّى محمد بن سماعة بن عبيد «1» الله بن هلال بن وكيع بن بشر أبو عبد الله القاضى الحنفىّ التّيمى، ولد سنة ثلاثين ومائة، وكان إماما عالما صالحا بارعا صاحب اختيارات وأقوال فى المذهب، وله المصنّفات «2» الحسان، وهو من الحفّاظ الثّقات؛ ولى القضاء وحمدت سيرته، ولم يزل به الى أن ضعف نظره واستعفى، وكان يصلّى كل يوم مائتى ركعة. قال: مكثت أربعين سنة لم تفتنى التكبيرة الأولى فى جماعة إلا يوما واحدا ماتت فيه أمّى فقاتتنى صلاة واحدة، وصلّيت خمسا «3» وعشرين صلاة رحمه الله تعالى.
وفيها توفّى محمد بن عبد الملك بن أبان بن أبى حمزة «4» الزيّات الوزير أبو يعقوب وقيل: أبو جعفر أصله من جيل «5» (قرية تحت بغداد) . قلت: ومنها كان أصل الشيخ عبد القادر الكيلانى. وكان أبو محمد هذا تاجرا وانتمى هو للحسن بن سهل
فنوّه بذكره؛ حتى اتصل بعده بالمعتصم، ثم استوزره الواثق. وكان أديبا فاضلا شاعرا عارفا بالنّحو واللغة جوادا ممدّحا، ومن شعره على ما قيل قوله:
فإن سرت بالجثمان عنكم فإنّنى
…
أخّلف قلبى عندكم وأسير
فكونوا عليه مشفقين فإنّه
…
رهين لديكم فى الهوى وأسير
قلت: وما أحسن قول القاضى ناصح الدّين الأرّجانىّ فى هذا المعنى:
لم يبكنى إلا حديث فراقهم
…
لمّا أسرّ به إلىّ مودّعى
هو ذلك الدرّ الذي أودعتم
…
فى مسمعى أجريته من مدمعى
قلت: وهذا مثل قول الزمخشرىّ فى قوله لمّا رثى شيخه أبا مضر- والله أعلم من السابق لهذا المعنى لأنهما كانا متعاصرين-:
وقائلة ما هذه الدّرر التى
…
تساقط من عينيك سمطين سمطين
فقلت لها الدّرّ الذي كان قد حشا
…
أبو مضر أذنى تساقط من عينى
وفيها توفى الإمام الحافظ الحجة يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام- وقيل: غياث بدل عون- أبو زكريا المرّىّ (مرّة بن غطفان مولاهم) البغدادىّ الحافظ المشهور، كان إمام عصره فى الجرح والتّعديل وإليه المرجع فى ذلك، وكان يتفقّه بمذهب الإمام أبى حنيفة.
قال الإمام محمد بن إسماعيل البخارىّ: ما استصغرت نفسى إلّا عند يحيى بن معين. ومولده فى سنة ثمان وخمسين ومائة، فهو أسنّ من علىّ بن المدينىّ، وأحمد بن حنبل، وأبى بكر بن أبى شيبة، وإسحاق بن راهويه، وكانوا يتأدّبون معه ويعرفون له فضله، وروى عنه خلائق لا تحصى كثرة.
قال أبو حاتم: يحيى بن معين إمام. وقال النّسائىّ: هو أبو زكريا الثقة المأمون أحد الأئمة فى الحديث. وقال علىّ بن المدينىّ: لا نعلم أحدا من لدن آدم كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين. وعن يحيى بن معين قال: كتبت «1» بيدى ألف ألف حديث.
وقال علىّ بن المدينىّ: انتهى علم الناس الى يحيى بن معين. وقال القواريرىّ: قال لى يحيى القطّان: ما قدم علينا أحد مثل هذين الرجلين: مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. وقال أحمد بن حنبل: كان يحيى بن معين أعلمنا بالرجال. وعن أبى سعيد الحدّاد قال: الناس عيال فى الحديث على يحيى بن معين. وقال محمد بن هارون الفلّاس: اذا رأيت الرجل ينتقص يحيى بن معين فاعرف أنّه كذّاب.
وكانت وفاة يحيى بن معين لسبع بقين من ذى القعدة بالمدينة، ودفن بالبقيع.
قال الذّهبىّ: وقال حبيش بن المبشّر وهو ثقة: رأيت يحيى بن معين فى النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: أعطانى وحبانى «2» وزوّجنى ثلثمائة حوراء، ومهّد لى بين البابين.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى أحمد بن عبد الله ابن أبى شعيب الحرّانى، وابراهيم بن الحجّاج السّامى، واسحاق بن سعيد بن الأركون الدّمشقى، وحبّان بن موسى المروزىّ، وسليمان بن عبد الرحمن بن بنت شرحبيل، وداهر بن نوح الأهوازىّ، وروح بن صلاح المصرىّ، وسهل بن عثمان العسكرىّ، وعبد الجبّار بن عاصم النّسائى، وعقبة بن مكرم الضّبّى، ومحمد بن سماعة القاضى،