الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه بالطاعة؛ ونزل الفضل بن يحيى بالطالقان بمكان يقال له: آشب «1» ؛ ووالى كتبه إلى يحيى بن عبد الله العلوي المذكور، حتى أجاب يحيى إلى الصلح على أن يكتب له الرشيد أمانا بخطه يشهد عليه فيه القضاة والفقهاء وجلة بني العباس ومشايخهم، منهم عبد الصمد بن علي؛ فأجاب الرشيد إلى ذلك وسرّبه وعظمت منزلة الفضل عنده، وسير الرشيد الأمان إلى يحيى بن عبد الله مع هدايا وتحف فقدم يحيى مع الفضل وعلي بن سليمان إلى بغداد، فلقيه الرشيد بما أحب وأمر له بمال كثير، ثم بعد مدة قبض عليه وحبسه حتى مات في الحبس؛ وكان الرشيد قد عرض كتاب أمان يحيى بن عبد الله المذكور على الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة وعلى أبي البختري «2» القاضي؛ فقال محمد بن الحسن: الأمان صحيح، فحاجه الرشيد وأغلظ له فلم يرجع حتى حنق منه الرشيد وكاد يسطو عليه. وقال أبو البختري: هذا أمان منتقض من وجه كذا، فمزقه الرشيد. واستمر علي بن سليمان معظماً إلى أن مات.
وتوفي بعد عزله عن مصر في سنة اثنتين وسبعين ومائة قاله الذهبي وقيل: سنة ثمان وسبعين ومائة.
[ما وقع من الحوادث سنة 170]
السنة التي حكم فيها علي بن سليمان على مصر وهي سنة سبعين ومائة- فيها توفي الخليفة موسى الهادي ابن الخليفة محمد المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس العباسي الهاشمي، أمير المؤمنين أبو جعفر وقيل أبو محمد، وقيل أبو موسى، الرابع من خلفاء بني العباس ببغداد، ولد سنة خمس
وأربعين ومائة، وقيل سنة ست وأربعين ومائة، وقيل سنة ثمان وأربعين ومائة؛ وأمه أم ولد تسمى الخيزران، وهي أم الرشيد أيضا؛ وكان موته من قرحة أصابته، وقيل: إن أمه الخيزران سمته لما أجمع على قتل أخيه هارون الرشيد، وكانت الخيزران مستبدة بالأمور الكبار حاكمة، وكانت المواكب تغدو إلى بابها فزجرهم الهادي ونهاهم عن ذلك وكلمها بكلام فج، وقال لها: متى وقف ببابك أمير ضربت عنقه، أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك، أو سبحة! فقامت الخيزران وهي ما تعقل من الغضب، وقيل: إنه بعث إليها بسم أو طعام مسموم فأطعمت الخيزران منه كلباً فمات من وقته فعملت على قتله حتى قتلته: وقيل في وفاته غير ذلك، وكانت وفاته في نصف شهر ربيع الأول من السنة المذكورة، فكانت خلافته سنة واحدة وثلاثة أشهر وقيل سنة وشهراً، وبويع أخوه هارون الرشيد بالخلافة. وكان الهادي طويلاً جسيماً أبيض، بشفته العليا تقلص، وكان أبوه قد وكل به في صغره خادماً، فكلما رآه مفتوح الفم قال: موسى أطبق، فيضيق على نفسه ويضم شفته.
حكى مصعب الزبيري عن أبيه قال: دخل مروان بن أبي حفصة شاعر وقته على الهادي فأنشد قصيدة فيها:
تشابه يوما بأسه ونواله
…
فما أحد يدري لأيهما الفضل
فقال له الهادي: أيما أحب إليك، ثلاثون ألفاً معجلة أو مائة ألف درهم تدون في الدواوين؟ قال: تعجل الثلاثون، وتدون المائة ألف؛ قال: بل تعجلان لك. وفيها ولد للرشيد ابنه الأمين محمد من بنت عمه زبيدة وابنه المأمون عبد الله وأمه أم ولد- يأتي ذكرها في ترجمته-، وفيها عزل الرشيد عمر بن عبد العزيز [العمرىّ]
عن إمرة المدينة وولاها لإسحاق بن سليمان بن علي العباسي. وفيها فوض الرشيد أمور الخلافة إلى يحيى بن خالد بن برمك وقال له: قد قلدتك أمور الرعية وأخرجتها من عنقي فول من رأيت وافعل ما تراه، وسلم إليه خاتم الخلافة وكان الهادي قد حجر على أمه الخيزران فردها الرشيد إلى ما كانت عليه وزادها، فكان يحيى بن خالد يشاورها في الأمور. وفيها فرق الرشيد في أعمامه وأهله أموالاً لم يفرقها أحد من الخلفاء قبله. وفيها خرج من الطالبيين إبراهيم بن إسماعيل ويقال له طباطبا؛ وخرج أيضاً على الرشيد علي بن الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن. وفيها حج الرشيد ماشيا كان يمشي على اللبود، كانت تبسط له من منزلة إلى منزلة؛ وسبب حجه ماشياً أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: يا هارون، إن هذا الأمر صائر إليك فحج ماشياً، واغز «1» ووسع على أهل الحرمين. فأنفق فيهم الرشيد أموالاً عظيمة ولم يحج خليفة قبله ولا بعده ماشياً رحمه الله، ولقد كان من أحاسن «2» الخلفاء. وفيها توفيت جوهرة العابدة «3» الزاهدة زوجة أبي عبد الله البراثي الزاهد، كان زوجها أبو عبد الله منقطعا بقرية براثى غربي بغداد. وفيها توفى فتح بن محمد ابن وشاح أبو محمد الأزدي الموصلي الزاهد العابد، كان صاحب كرامات وأحوال.
الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وتوفي إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي، وعبد الله بن جعفر المخرمي المدني، وجرير بن حازم البصرىّ، والربيع ابن يونس الحاجب، وسعيد بن حسين الأزدي، وعبد الله بن المسيب أبو السوار المدني- بمصر يروي عن عكرمة-، وعبد الله بن المؤمل المخزومي، وعبد الله