الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، قال: وفيها توفي إسحاق بن مسور المرادي المصري، وجرير بن عبد الحميد الضبي، والحسين بن الحسن البصرىّ، وسليم ابن عيسى المقرئ، وعبد الملك بن ميسرة الصدفي، وعبدة بن سليمان الكوفي، وعتاب «1» بن بشير الحراني بخلف، وعقبة بن خالد السكوني، وعمر بن أيوب الموصلي، وعيسى بن يونس السبيعي، ومحمد بن يزيد الواسطي، ومعروف بن حسان الضبي، ومهران بن أبي عمر الرازي، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وعشرة أصابع.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 189]
السنة الثانية من ولاية أحمد بن إسماعيل على مصر وهي سنة تسع وثمانين ومائة- فيها سار الرشيد إلى الري بسبب شكوى أهل خراسان عاملهم علي بن عيسى بن ماهان، فقد «2» رموه بعظائم وذكروا أنه على نية الخروج عن طاعة الرشيد؛ فأقام الرشيد بالري أربعة أشهر حتى وافاه ابن عيسى بالأموال والجواهر والتحف للخليفة ولكبار القواد حتى رضي عنه الرشيد ورده إلى عمله، وخرج مشيعا له لما خرج إلى خراسان.
قلت: لله درّ القائل فى هذا المعنى:
بعثت في حاجتي رسولا
…
يكنى أبا درهم فتمت
ولو سواه بعثت فيها
…
لم تحظ نفسي بما تمنت
وفيها كان الفداء، حتى لم يبق بممالك الروم في الأسر مسلم. وفيها توفي العباس بن الأحنف بن الأسود بن طلحة أبو الفضل الشاعر المشهور حامل لواء
الشعراء في عصره، أصله من غرب خراسان ونشأ ببغداد وقال الشعر الفائق، وكان معظم شعره في الغزل والمديح، وله أخبار مع الخلفاء، وكان حلو المحاضرة مقبولاً عند الخاص والعام، وهو شاعر الرشيد، وخال إبراهيم بن العباس الصولي.
قال ابن خلكان: وحكى عمر بن شبة قال: مات إبراهيم الموصلي المعروف بالنديم سنة ثمان وثمانين ومائة، ومات في ذلك اليوم الكسائي النحوي، والعباس بن الأحنف، وهشيمة «1» الخمارة، فرفع ذلك إلى الرشيد فأمر المأمون أن يصلّى عليهم، فخرج فصفوا بين يديه فقال: من هذا الأول؟ فقالوا: إبراهيم الموصلي؛ فقال: أخروه وقدموا العباس بن الأحنف، فقدم فصلى عليه، فلما فرغ دنا منه هاشم بن عبد الله بن مالك الخزاعي، فقال: يا سيدي، كيف آثرت العباس بن الأحنف بالتقدمة على من حضر! فقال: لقوله:
وسعى «2» بها ناس وقالوا إنها
…
لهي التي تشقى بها وتكابد «3»
فجحدتهم ليكون غيرك ظنهم
…
إني ليعجبني المحب الجاحد
قلت: وفي موت الكسائىّ وابراهيم الموصلي والعباس بن الأحنف في يوم واحد نظر، والصحيح أن وفاة العباس هذا تأخرت عن وفاة هؤلاء المذكورين بمدة طويلة.
ومما يدل على ذلك ما حكاه المسعودي في تاريخه عن جماعة من أهل البصرة، قالوا:
خرجنا نريد الحج، فلما كنا ببعض الطريق إذا غلام واقف ينادي الناس: هل فيكم أحد من أهل البصرة؟ قالوا: فعدلنا إليه وقلنا: ما تريد؟ قال: إنّ مولاى يريد
أن يوصيكم؛ قالوا: فملنا معه وإذا شخص ملقى تحت شجرة لا يحير جواباً، فجلسنا حوله فأحس بنا فرفع طرفه وهو لا يكاد يرفعه ضعفا، وأنشأ يقول:
يا غريب الدار عن وطنه
…
مفرداً يبكي على شجنه
كلّما جدّ «1» البكاء؟؟؟ هـ
…
دبت الأسقام في بدنه
ثم أغمي عليه طويلاً، ونحن جلوس حوله إذ أقبل طائر فوقع على أعلى الشجرة وجعل يغرد، ففتح عينيه فسمع تغريده ثم قال:
ولقد زاد الفؤاد شجاً
…
طائر يبكي على فننه
شفه ما شفني فبكى
…
كلنا يبكي على سكنه
ثم تنفس تنفساً فاضت نفسه منه، فلم نبرح من عنده حتى غسلناه وكفناه وتولينا الصلاة عليه. فلما فرغنا من دفنه سألنا الغلام عنه، فقال: هذا العباس بن الأحنف رحمه الله.
وذكر «2» أبو علىّ الفالى في «كتاب الأمالي» : قال بشار بن برد: ما زال غلام من بني حنيفة (يعني العباس) يدخل نفسه فينا ويخرجها منا حتى قال:
أبكي الذين أذاقوني مودتهم
…
حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا
واستنهضوني فلما قمت منتصباً
…
بثقل ما حملوني منهم قعدوا
وقد خرجنا عن المقصود لطلب الفائدة، ونرجع الآن إلى ما نحن بصدده.
وفيها توفي علي بن حمزة «1» بن عبد الله بن بهمن بن فيروز مولى بني أسد، أبو الحسن المعروف بالكسائىّ النحوىّ المقرئ، وسمي بالكسائي لأنه أحرم في كساء. وهو معلم الرشيد وفقيهه وبعده لولديه الأمين والمأمون، وكان إماماً في فنون عديدة: النحو والعربية وأيام الناس، وقرأ القران على حمزة الزيات أربع مرات، واختار لنفسه قراءة صارت إحدى القراءات السبع، وتعلم النحو على كبر سنه، وخرج الى البصرة وجالس الخليل ابن أحمد. وذكر ابن الدورقي قال: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد، فحضرت العشاء فقدموا الكسائي فأرتج عليه [فى] قراءة (قل يأيّها الكافرون) ؛ فقال اليزيدي: قراءة هذه السورة يرتج [فيها] على قارئ أهل الكوفة!. قال:
فحضرت الصلاة فقدموا اليزيدي فارتج عليه في الحمد؛ فلما سلم قال:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى
…
إن البلاء موكل بالمنطق
وكان الكسائي عند الرشيد بمنزلة رفيعة، سار معه إلى الري فمرض ومات بقرية رنبويه «2» ، ثم مات مع الرشيد محمد بن الحسن الفقية صاحب أبي حنيفة فقال الرشيد لما رجع إلى العراق: [اليوم»
] دفنت الفقه والنحو برنبويه. وفيها توفي محمد بن الحسن الفقيه ابن فرقد الشيباني مولاهم الكوفي الفقيه العلامة شيخ الإسلام وأحد العلماء الأعلام مفتى العراقين أبو عبد الله، قيل: إن أصله من حرستا «4» من غوطة دمشق، ومولده بواسط ونشأ بالكوفة وتفقه بأبي يوسف ثم بأبي حنيفة وسمع مسعراً ومالك