الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعسكر على عادة أمراء مصر وجعل على شرطته هبيرة بن هاشم بن حديج، ولما بلغ الأمين ولاية عباد هذا على مصر كتب الى ربيعة بن قيس رئيس قيس الحوف بولاية مصر، وكتب أيضاً إلى جماعة من المصريين بإعانته؛ فلما بلغهم ذلك قاموا ببيعة الأمين وخلعوا المأمون وساروا لمحاربة عباد أمير مصر وأصحابه، فخندق عباد على الفسطاط «1» ؛ وكانت بينهم حروب ووقائع آخرها الوقعة التي مسك فيها عباد وحمل إلى الأمين فقتله الأمين في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة. فكانت ولايته على مصر سنة واحدة وسبعة أشهر. وتولى مصر من بعده المطلب بن عبد الله. وكان عباد هذا من أعيان القواد، قدمه هرثمة بن أعين حتى ولاه المأمون مصر، وكان فيه رفق بالرعية وعنده سياسة ومعرفة بالحروب. دخل مصر وغالب من بها ميله إلى الأمين فلا زال بهم حتى وافقه كثير منهم، وكاد أمره يتم لولا انتقاض أهل الحوف عليه وكثر جمعهم ووثبوا عليه، فجمع عباد عساكره وقاتلهم [من] عدة وجوه وهو في قلة إلى أن ظفروا به فلم يبق عليه الأمين وقال: هذا ناب من أنياب عساكر المأمون. ومع هذا كله ملكها المأمون وولى المأمون بها المطلب، ولم يقدر الأمين على أن يولي بها أحداً، وقتل بعد مدة يسيرة وتولّى المأمون الخلافة.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 197]
السنة التي حكم فيها عباد على مصر وهي سنة سبع وتسعين ومائة- فيها لحق القاسم الملقب بالمؤتمن بن الرشيد بأخيه المأمون، ومحبه عمه المنصور بن المهدي.
وفيها كانت وقائع بين عساكر الأمين والمأمون أسر في بعضها هرثمة بن أعين فحمل بعض أصحاب هرثمة على من أسره وضربه فقطع يده وخلص هرثمة هذا والحصار
عال «1» في بغداد في كل يوم نحو خمسة عشر شهراً، وكان المحاصر لها طاهر بن الحسين مقدم عساكر المأمون، والمأمون بالري، ومع طاهر بن الحسين الأمير هرثمة بن أعين وزهير بن المسيب. هذا والأمين ينفق الأموال على الجند وهو في غاية من الضيق والشدة، وقتل جماعة كبيرة من أهل بغداد، وخرج النساء من الخدور حاسرات، واشتدت شوكة المأمونية، وتفرق عن الأمين عساكره وأخذ أمره في إدبار إلى ما سيأتي ذكره. وفيها توفي بقية بن الوليد بن صاعد «2» بن كعب، أبو يحمد «3» الكلاعي «4» ، كان من أهل الشام، وكان ثقة في روايته عن الثقات ضعيفاً في غيرهم، مولده سنة عشر ومائة.
وفيها توفي شعيب بن حرب أبو صالح المدائني الزاهد، كان أصله من أبناء خراسان ثم من أهل بغداد فتحول إلى المدائن ثم إلى مكة ودام بها إلى أن مات. وكان له فضل ودين متين وزهد وورع. وفيها توفي عبد الله بن وهب بن مسلم، أبو محمد مولى قريش من أهل مصر؛ كان كثير العلم ثقة ولد سنة خمس وعشرين ومائة. وفيها توفي ورش المقرئ واسمه عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان. وقيل عثمان بن سعيد بن عدي بن غزوان بن داود بن سابق القبطي المصري، إمام القراء أبو سعيد ويقال: أبو عمرو ويقال: أبو القاسم. أصله من القيروان، وشيخه نافع وهو الذي لقبه ورشاً لشدة بياضه. والورش: شيء يصنع من اللبن، وقيل: بل لقبه ورشان، وهو طائر معروف، فكان يعجبه هذا اللقب ويقول: أستاذي نافع سماني به. وانتهت إليه رياسة القراء بالديار المصرية، وكان بصيراً بالعربية، وكان أبيض
أشقر أزرق سميناً مربوعاً ويلبس ثياباً قصاراً ومولده سنة عشر ومائة. وفيها توفي «1» أبو نواس الحسن بن هانئ، وقيل: الحسن بن وهب «2» ، الحكمي «3» الشاعر المشهور حامل لواء الشعراء في زمانه، كان إماماً عالماً فاضلاً غلب عليه الشعر؛ قال شيخه أبو عبيدة: أبو نواس للمحدثين مثل امرئ القيس للمتقدمين. ولقب بأبي نواس لذؤابتين كانتا تنوسان «4» على قفاه، وإنما كان لقبه أولاً أبا علي. وفي سنة وفاته اختلاف كبير، فأقرب من قال في هذه السنة، وأبعد من قال سنة خمس ومائتين؛ وأما شعره فكثير مشهور ونوادره فكثيرة أيضاً، وديوان شعره كبير بأيدي الناس في عدة مجلدات.
ومن أجود ما قال من الشعر قوله:
ومستطيل على الصهباء باكرها
…
في فتية باصطباح الراح حذاق
فكل شيء رآه ظنه قدحا
…
وكل شخص رآه ظنه الساقي
وله:
أذكى سراجاً وساقي الشر، يمزجها
…
فلاح في البيت كالمصباح مصباح
كدنا على علمنا والشك نسأله
…
أراحنا نارنا أم نارنا راح
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثمانية عشر إصبعا.