الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذى الحجّة من سنة ثلاث وسبعين ومائة؛ فكانت ولاية محمد بن زهير على إمرة مصر خمسة أشهر تنقص أياماً، وتوجه إلى الرشيد فزجره ثم جعله من جملة القواد وندبه للاستيلاء على مال محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بالبصرة بعد موته، وكانت تركة محمد بن سليمان عظيمة: من المال والمتاع والدواب، فحملوا منها ما يصلح للخلافة وتركوا ما لا يصلح؛ وكان من جملة ما أخذوا له ستون ألف ألف درهم؛ فلما قدموا بذلك على الرشيد أطلق منه للندماء والمغنين شيئاً كثيراً ورفع الباقي إلى خزانته.
وكان سبب أخذ الرشيد تركته أن أخاه جعفر بن سليمان كان يسعى به إلى الرشيد حسداً له ويقول: إنه لا مال له ولا ضيعة إلا وقد أخذ أكثر من ثمنها ليتقوى به على ما تحدثه به نفسه- يعني الخلافة- وأن أمواله حل طلق «1» لأمير المؤمنين. وكان الرشيد يأمر بالاحتفاظ بكتبه، فلما توفي محمد بن سليمان أخرجت الكتب الواردة من جعفر أخيه واحتج الرشيد عليه بها في أخذ أمواله ولم يكن له أخ لأبيه وأمه غيره، فأقر جعفر بالكتب، فأخذ الرشيد جميع المال ولم يعط جعفراً منها الدرهم الواحد.
قلت: انظر إلى شؤم الحسد وسوء عاقبته، ولله در القائل: الحاسد ظالم في صفة مظلوم، مبتلى غير مرحوم. ودام محمد بن زهير عند الرشيد إلى أن كان ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر ولاية داود بن يزيد على مصر
هو داود بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي أمير مصر، ولاه الخليفة هارون الرشيد على إمرة مصر على الصلاة بعد عزل محمد بن زهير الأزدي، فقدم مصر لأربع عشرة ليلة خلت من المحرم سنة أربع وسبعين ومائة،
وقدم معه إبراهيم بن صالح بن علي العباسىّ على الخراج؛ فدخلا مصر معا وسكن داود المعسكر على العادة وجعل على شرطته عمّار بن مسلم الطائي، ثم أخذ داود في إصلاح أمر مصر وأخرج الجند الذين كانوا ثاروا على عمر بن غيلان صاحب خراج مصر في أيام محمد بن زهير المعزول عن إمرة مصر إلى بلاد المغرب، وأخرج بعضهم أيضاً إلى بلاد المشرق وكانوا عدة كبيرة. ثم ورد عليه الأمر من الرشيد أن يأخذ المصريين ببيعة ابنه الأمير محمد بن زبيدة ففعل ذلك. وكان الرشيد عقد لابنه محمد المذكور بولاية العهد ولقبه بالأمين وأخذ له البيعة من الناس وعمره خمس سنين وكتب بذلك إلى الأقطار. وكان سبب البيعة للأمين أن خاله عيسى بن جعفر بن المنصور جاء إلى الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك وسأله في ذلك وقال له:
إنه ولدك وخلافته لك، وإن أختي زبيدة تسألك في ذلك، فوعده الفضل بذلك وسعى فيه عند الرشيد حتى بايع له الناس بولاية العهد وترك ولده المأمون وهو أسن من ولده محمد الأمين بشهر، ثم بعد ذلك عهد الرشيد للمأمون بولاية العهد بعد الأمين على ما سيأتي ذكره.
وأما جند مصر الذين أخرجوا من مصر فإنهم ساروا إلى المغرب في البحر فأسرهم الفرنج بعد حروب، وسكن الحال بديار مصر وأمن الناس، واستمر داود على إمرة مصر إلى أن صرفه الرشيد عنها بعيسى بن موسى بن عيسى العباسي المعزول عن إمرة مصر قديماً، وذلك لست خلون من المحرم سنة خمس وسبعين ومائة، فكانت ولايته على مصر سنة واحدة ونصف شهر.
وأما أمر الجند الذين أسرهم الفرنج فإن داود بن يزيد المذكور جهزهم نجدة إلى هشام بن عبد الرحمن الأموي فيما قيل، وسببه أن هشام بن عبد الرحمن صاحب الأندلس لما فرغ من حرب أخويه سليمان وعبد الله وأجلاهما عن الأندلس وخلا