الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
***
[ما وقع من الحوادث سنة 235]
السنة التى حكم فيها علىّ بن يحيى الأرمنىّ فى ولايته الثانية على مصر وهى سنة خمس وثلاثين ومائتين- فيها ألزم الخليفة المتوكّل على الله النصارى بلبس العسلىّ.
وفيها ظهر رجل بسامرّاء يقال له محمود بن الفرج النّيسابورىّ، وزعم أنه ذو القرنين، وكان معه رجل شيخ يشهد أنّه نبىّ يوحى إليه، وكان معه كتاب كالمصحف، فقبض عليهما وعوقب محمود المذكور حتى مات تحت العقوبة، وتفرّق عنه أصحابه.
وفيها عقد المتوكّل لبنيه الثلاثة وقسم الدنيا بينهم، وكتب بذلك كتابا، كما فعل جدّه هارون الرشيد مع أولاده؛ فأعطى المتوكّل ابنه الأكبر محمّدا المنتصر من عريش مصر الى إفريقيّة المغرب كلّه الى حيث بلغ سلطانه، وأضاف اليه جند قنّسرين والعواصم والثغور الشاميّة والجزيرة وديار بكر وربيعة والموصل والفرات وهيت وعانة والخابور ودجلة والحرمين واليمن واليمامة وحضر موت والبحرين والسّند وكرمان وكور الأهواز وما سبذان ومهرجان وشهرزور وقمّ وقاشان وقزوين والجبال؛ وأعطى ابنه المعتزّ بالله- واسمه الزبير وقيل محمد- خراسان وطبرستان وما وراء النهر والشرق كلّه؛ وأعطى ابنه المؤيّد بالله إبراهيم إرمينية وأذربيجان وجند دمشق والأردنّ وفلسطين.
وفيها توفى إسحاق بن إبراهيم بن ميمون، أبو محمد التّميمىّ، ويعرف والده بالموصلىّ النديم، وقد تقدّم ذكره فى ولاية الرشيد هارون. وولد إسحاق هذا سنة خمسين ومائة، وكان إماما عالما فاضلا أديبا أخباريا؛ وكان بارعا فى ضرب العود وصنعة الغناء، فغلب عليه ذلك حتى عرف بإسحاق المغنّى، ونال بذلك عند الخلفاء من الرتبة ما لم ينله غيره، وهو مصنّف كتاب الأغانى «1» .
قال الذهبىّ: أبو محمد التميمىّ الموصلىّ النديم صاحب الغناء كان اليه المنتهى فى معرفة الموسيقى. قلت: لم يكن فى أيّام إسحاق الموسيقىّ ولا بعده بمدّة سنين مثله. اهـ. قال: وكان له أدب وافر وشعر رائق جزل، وكان عالما بالأخبار وأيّام الناس وغير ذلك من الفقه والحديث والأدب وفنون العلم. قال: وسمع من مالك وهشيم وسفيان بن عيينة والأصمعىّ وجماعة. اهـ.
وعن إسحاق قال: بقيت دهرا من عمرى أغلّس «1» كلّ يوم الى هشيم أو غيره من المحدّثين، ثم أصير الى الكسائىّ أو الفرّاء أو ابن غزالة فأقرأ عليه جزءا من القرآن، ثم أصير الى منصور المعروف بزلزل المغنّى فيضاربنى طريقين فى العود أو ثلاثة، ثم آتى عاتكة بنت شهدة فآخذ منها صوتا أو صوتين، ثم آتى الأصمعىّ وأبا عبيدة فأنشدهما [وأستفيد منهما «2» ]، فإذا كان العشاء رحت الى أمير المؤمنين الرشيد. ومن شعره:
هل إلى أن تنام عينى سبيل
…
إنّ عهدى بالنّوم عهد طويل
وكان إسحاق يكره أن ينسب الى الغناء. وقال المأمون: لولا شهرته بالغناء لولّيته القضاء. وفيها توفى سريج- بسين مهملة وجيم- بن يونس بن إبراهيم المروزىّ الزاهد العابد جدّ ابن سريج الفقيه الشافعىّ، كان سريج أعجميا فرأى فى منامه الحقّ جل جلاله، فقال له: يا سريج، طلب «3» كن، فقال سريج: يا خداى سر بسر. وهذا
اللفظ بالعجمىّ معناه أنه قال له: يا سريج، سل حاجتك؛ فقال: يا رب رأس برأس. وروى سريج عن ابن عيينة، وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل، وأخرج له البخارىّ ومسلم والنّسائىّ. وفيها توفى الطيّب بن إسماعيل بن إبراهيم الشيخ أبو محمد «1» الدؤلىّ، كان عابدا زاهدا يقصد الأماكن التى ليس فيها أحد؛ وكان يبيع اللآلئ والجواهر، وهو أحد القرّاء المشهورين وعباد الله الصالحين، وكان ثقة صدوقا، روى عن سفيان بن عيينة وغيره، وروى عنه البغوىّ وغيره. وفيها توفى عبد الله بن محمد بن إبراهيم الحافظ أبو بكر العبسىّ، ويعرف بابن أبى شيبة، كان أحد كبار الحفّاظ. وهو مصنّف المسند والتفسير والأحكام وغيرها، وقدم بغداد وحدّث بها.
قال أبو عبيد القاسم بن سلّام: انتهى علم الحديث الى أربعة: أحمد بن حنبل، وأبى بكر بن أبى شيبة، ويحيى بن معين، وعلىّ بن المدينىّ؛ فأحمد أفقههم فيه، وأبو بكر أسردهم، ويحيى أجمع له، وابن المدينىّ أعلمهم به.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: فيها توفى أحمد بن عمر الوكيعىّ، وإبراهيم بن العلاء [زبريق الحمصىّ «2» ] ، وإسحاق الموصلىّ النديم، وسريج بن يونس العابد، وإسحاق بن إبراهيم بن مصعب أمير بغداد، وشجاع بن مخلّد، وشيبان بن فرّوخ، وأبو بكر «3» بن أبى شيبة، وعبيد الله بن عمر القواريرىّ، ومحمد بن عبّاد المكىّ، ومحمد بن حاتم السّمين، ومعلّى بن مهدىّ الموصلىّ، ومنصور بن أبى مزاحم، وأبو الهذيل العلّاف شيخ المعتزلة.