الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ولاية إسماعيل بن صالح على مصر
هو إسماعيل بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشمي العباسي أمير مصر، ولاه الرشيد إمرة مصر على الصلاة في يوم الخميس لسبع خلون من شهر رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائة بعد عزل عبيد الله بن المهدي عنها، فاستخلف إسماعيل على صلاة مصر عوف بن وهب الخزاعىّ فصلّى المذكور بالناس إلى أن حضر إسماعيل بن صالح إلى مصر لخمس بقين من شهر رمضان المذكور، ولما قدم إلى مصر سكن بالمعسكر وجعل على الشرطة سليمان بن الصمة المهلبي مدة ثم صرفه «1» بزيد بن عبد العزيز الغساني وأخذ في إصلاح أمر الديار المصرية، وكان شجاعاً فصيحاً عاقلاً أديباً.
قال ابن عفير: ما رأيت على هذه الأعواد أخطب من إسماعيل بن صالح.
واستمر إسماعيل بن صالح على إمرة مصر إلى أن صرف عنها لأمر اقتضى ذلك بإسماعيل بن عيسى في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين ومائة.
وقال صاحب «البغية» : إنه عزل بالليث بن الفضل وأن الليث عزل باسماعيل المذكور وسماه إسماعيل بن علي. والأقوى أن إسماعيل هذا عزل باسماعيل الذي سميته، وعلى هذا الترتيب ساق غالب من ذكر أمراء مصر. وكانت مدته على إمرة مصر ثمانية أشهر وعدة أيام تقارب شهرا اهـ.
[ما وقع من الحوادث سنة 182]
السنة التي حكم فيها إسماعيل بن صالح على مصر، وهي سنة اثنتين وثمانين ومائة- فيها حجّ بالناس عيسى «2» بن موسى العباسي. وفيها أخذ الرشيد البيعة بولاية
العهد ثانياً من بعد ولده الأمين محمد لولده الآخر عبد الله المأمون، وكان ذلك بالرقة، فسيره الرشيد إلى بغداد وفي خدمته عم الرشيد جعفر بن أبي جعفر المنصور وعبد الملك ابن صالح وعلي بن عيسى، وولى المأمون ممالك خراسان بأسرها وهو يومئذ مراهق.
وفيها وثبت الروم على ملكهم قسطنطين فسملوه «1» وعقلوه وملكوا عليهم غيره. وفيها توفي عبد الله «2» بن عبد العزيز بن عبد الله [بن عبد «3» الله] بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الله العمري العدوي، كان إماماً عالماً عابداً ناسكاً ورعاً. وفيها توفي مروان بن سليمان بن يحيى ابن أبى حفصة أبو السّمط- وقيل: أبو الهندام- الشاعر المشهور. كان أبو حفصة جد أبيه مولى مروان بن الحكم أعتقه يوم الدار «4» لأنه أبلى بلاء حسنا في ذلك اليوم، يقال: إنه كان يهودياً فأسلم على يد مروان، وقيل غير ذلك. ومولد مروان هذا صاحب الترجمة سنة خمس ومائة، وكان شاعراً مجيداً، مدح غالب خلفاء بني أمية وغيرهم، وما نال أحد من الشعراء ما ناله مروان لا سيما لما مدح معن بن زائدة الشيباني بقصيدته اللامية؛ يقال: إنه أخذ منه عليها مالاً كثيراً لا يقدر قدره، وهي القصيدة التي فضل بها على شعراء زمانه. قال ابن خلكان: والقصيدة طويلة تناهز الستين بيتاً، ولولا خوف الإطالة لذكرتها لكن «5» نأتي ببعض مديحها وهو من أثنائها:
بنو مطر «6» يوم اللقاء كأنهم
…
أسود لها في بطن خفان «7» أشبل
هم يمنعون الجار حتى كأنما
…
لجارهم بين السماكين منزل
بهاليل «1» في الإسلام سادوا ولم يكن
…
كأولهم في الجاهلية أول
هم القوم إن قالوا أصابوا وان دعوا
…
أجابوا وان أعطوا أطابوا وأجزلوا
وما يستطيع الفاعلون فعالهم
…
وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا
وفيها توفي هشيم «2» بن بشير بن أبي خازم أبو معاوية الواسطي مولى بني سليم وكان بخاري الأصل، كان ثقة كثير الحديث ثبتاً، وكان يدلس في الحديث، وكان ديناً أقام يصلي الفجر بوضوء صلاة العشاء الآخرة سنين كثيرة، وتوفي ببغداد في يوم الأربعاء لعشر بقين من شهر رمضان أو شعبان. وفيها توفي شيخ الإسلام قاضي القضاة أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب [بن خنيس «3» ] بن سعد بن حبتة بن معاوية.
وسعد بن حبتة من الصحابة أتى يوم الخندق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له ومسح على رأسه. ومولد أبى يوسف بالكوفة سنة ثلاث عشرة ومائة، وطلب العلم سنة نيف وثلاثين؛ وسمع من هشام بن عروة وعطاء بن السائب والأعمش وغيرهم.
وروى عنه ابن سماعة ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وخلق سواهم. وكان في ابتداء أمره يطلب الحديث، ثم لزم أبا حنيفة وتفقه به حتى صار المقدم في تلامذته، وبرع
في عدة علوم. قال الذهبي: وكان عالماً بالفقه والأحاديث والتفسير والسير وأيام العرب، وهو أول من دعي في الإسلام بقاضي القضاة. قلت: ولم يقع هذا الاسم على غيره كما وقع له فيه، فإنه كان قاضي المشرق والمغرب، فهو قاضي القضاة على الحقيقة. قال محمد بن الحسن: مرض أبو يوسف فعاده أبو حنيفة، فلمّا خرج قال: إن يمت هذا الفتى فهو أعلم من عليها (وأومأ إلى الأرض) . وقال ابن معين: ما رأيت في أصحاب «1» الرأي أثبت في الحديث، ولا أحفظ ولا أصح رواية من أبي يوسف. وروى أحمد بن عطية عن محمد بن سماعة قال: كان أبو يوسف بعد ما ولي القضاء يصلي كل يوم مائتي ركعة. وقال محمد بن سماعة المذكور: سمعت أبا يوسف يقول في اليوم الذي مات فيه: اللهم إنك تعلم أني لم أجر في حكم حكمت به متعمدا، وقد اجتهدت في الحكم بما وافق كتابك وسنة نبيك. وكان أبو يوسف عظيم الرتبة عند هارون الرشيد. قال أبو يوسف: دخلت على الرشيد وفي يده درتان يقلبهما فقال: هل رأيت أحسن منهما؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: وما هو؟ قلت: الوعاء الذي هما فيه، فرمى إلي بهما وقال: شأنك بهما.
وكانت وفاته في يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الأول، وقيل: في ربيع الآخر. وفي يوم موته قال عباد بن العوام: ينبغي لأهل الإسلام أن يعزي بعضهم بعضاً بأبي يوسف. وفيها توفي يزيد بن زريع أبو معاوية العيشي «2» البصري، كان