الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان سواء، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً واثنان وعشرون إصبعا.
[ما وقع من الحوادث سنة 187]
السنة الرابعة من ولاية الليث بن الفضل على مصر وهي سنة سبع وثمانين ومائة- فيها أوقع الرشيد بالبرامكة وقتل جعفراً ثم صلبه مدة وقطعت أعضاؤه وعلقت بأماكن، ثم بعد مدة أنزلت وأحرقت وذلك في صفر، وحبس الرشيد يحيى ابن خالد بن برمك، أعنى والد جعفر المذكور، وجميع أولاده وأحيط بجميع أموالهم.
وطال حبس يحيى بن خالد المذكور وابنه الفضل إلى أن ماتا في الحبس. وفي سبب قتل جعفر البرمكي اختلاف كبير ليس لذكره «1» هنا محل. وفيها غزا الرشيد بلاد الروم وفتح هرقلة وولى ابنه القاسم الصائفة وأعطاه العواصم، فنازل حصن سنان، فبعث إليه قيصر وسأله أن يرحل عنه ويعطيه ثلثمائة وعشرين أسيراً من المسلمين، ففعل.
وفيها قتل الرشيد إبراهيم بن عثمان بن نهيك. وسبب قتله أنه كان يبكي على قتل جعفر وما وقع للبرامكة، فكان إذا أخذ منه الشراب يقول لغلامه: هات سيفي فيسله ويصيح: وا جعفراه! ثم يقول: والله لآخذن ثأرك ولأقتلن قاتلك!. فنم عليه ابنه عثمان للفضل بن الربيع فأخبر الفضل الرشيد، فكان ذلك سبب قتله. وفيها توفي الفضيل بن عياض الإمام الجليل أبو علي التميمي اليربوعي. ولد بخراسان بكورة أبيورد وقدم الكوفة وهو كبير، فسمع الحديث من منصور وغيره ثم تعبد وتوجه إلى مكة وأقام بها إلى أن مات في يوم عاشوراء، قاله علي بن المديني وغيره. وكان ثقةً نبيلاً فاضلاً عابداً زاهداً كثير الحديث. وقيل: إن مولده بسمرقند. وذكر
بإسناده عن الفضل بن موسى قال: كان الفضيل بن عياض شاطراً «1» يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس. وكان سبب توبته أنه عشق جاريةً، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع رجلاً يتلو: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ
فقال: يا رب قد آن، فرجع فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها رفقة، فقال بعضهم: نرتحل، وقال قوم: حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق. وقيل في توبته غير ذلك. وأما مناقبه فكثيرة: منها عن بشر الحافي قال: كنت بمكة مع الفضيل فجلس معنا إلى نصف الليل ثم قام يطوف إلى الصبح، فقلت: يا أبا علي ألا تنام؟
فقال: ويحك! وهل أحد يسمع بذكر النار وتطيب نفسه أن ينام!. وقال الأصمعي: نظر الفضيل إلى رجل يشكو إلى رجل، فقال الفضيل: تشكو من يرحمك الى من لا يرحمك!. وسئل الفضيل: ما الإخلاص؟ قال الفضيل: أخبرني من أطاع الله هل تضره معصية أحد؟ قال: لا؛ قال: فمن يعصي الله هل تنفعه طاعة أحد؟ قال: لا؛ قال: فهذا الإخلاص. وعن الفضيل قال: من ساء شان دينه وحسبه ومروءته. وعنه قال: لن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على نفسه ودينه. وقال: خصلتان تقسيان القلب: كثرة الكلام، وكثرة الأكل. وعنه قال:
إذا أراد الله أن يتحف العبد سلط عليه من يظلمه. واجتمع مع الرشيد بمكة، فقال له الرشيد: إنما دعوناك لتحدثنا بشيء وتعظنا؛ قال: فأقبلت عليه وقلت:
يا حسن الخلق والوجه حساب الخلق كلهم عليك؛ قال: فبكى الرشيد وشهق، فرددت عليه حتى جاء الخدام فحملوني وأخرجوني. وعنه قال: الخوف أفضل من الرجاء ما دام الرجل صحيحاً، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل. وقال الفضيل: قول العبد أستغفر الله يعني أقلني يا رب.
قلت: روي عن علي بن أبى طالب رضى عنه أنه قال: أتعجب ممن يهلك ومعه النجاة، قيل: وما هو؟ قال: الاستغفار. وقال بعض المشايخ في دعائه:
اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو الاستغفار والإيمان، وعصيت الشيطان في أبغض الأشياء إليك وهو الشرك فاغفرلى ما بينهما. وكان بعض المشايخ يقول أيضا: اللهم إن حسناتي من عطائك وسيئاتي من قضائك، فجد بما أعطيت على ما به قضيت حتى يمحى ذلك بذلك. وفيها قتل جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك قتله الرشيد لأمر اقتضى ذلك واختلف الناس في سبب «1» قتله اختلافاً كبيراً يضيق هذا المحل عن ذكره. وكان قتله في أول صفر من هذه السنة، وصلبه على الجسر وسنه سبع وثلاثون سنة وقتل بعده جماعة كثيرة من أقاربه البرامكة. وكان أصله من الفرس، وكان جعفر جميلاً لسناً أديباً بليغاً عالماً يضرب بجوده الأمثال، إلا أنه كان مسرفا على نفسه غارقا في اللذات؛ تمكن من الرشيد حتى بلغ من الجاه والرفعة ما لم ينله أحد قبله وولي هو وأبوه وأخوه الفضل الأعمال الجليلة. وكان أبوه يحيى قد ضم جعفراً إلى القاضي أبي يوسف يعقوب حتى علمه وفقهه وصار نادرة عصره.
يقال: إنه وقع في ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع ونظر في جميعها، فلم يخرج شيئاً منها عن موجب الفقه والعربية. وكان جعفر مثل أخيه الفضل في السخاء وأعظم. وأما ما حكي من كرمه فكثير: من ذلك أن أبا علقمة الثقفي صاحب الغريب