الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ولاية المطلب بن عبد الله الأولى على مصر
هو المطلب بن عبد الله بن مالك بن الهيثم الخزاعي أمير مصر. ولاه المأمون على مصر بعد عزل عباد بن محمد عنها والقبض عليه في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة، وجمع له صلاة مصر وخراجها معاً. وقدم إلى مصر من مكة في النصف من شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين ومائة، وسكن المعسكر، وأقرّ على شرطته هبيرة ابن هاشم مدة قليلة، ثم عزله بمحمد بن عسامة، ثم عزل محمداً بعبد العزيز بن الوزير الجروي، ثم عزل عبد العزيز بإبراهيم بن عبد السلام الخراعىّ، ثم عزله بهبيرة ابن هاشم المذكور أولاً. كل ذلك لما كان في أيامه من كثرة الاضطراب بمصر، والفتن والحروب قائمة في كل قليل بديار مصر؛ فإن أهل مصر كانوا يوم ذاك فرقتين: فرقة من حزب الأمين محمد الخليفة، وفرقة من حزب أخيه المأمون.
فقاسى المطلب هذا بمصر شدائد مع أنه لم تطل مدته وعزل بالعباس بن موسى في شوال سنة ثمان وتسعين ومائة. فكانت ولايته على إمرة مصر نحواً من سبعة أشهر ونصف شهر، وقبض عليه وحبس مدة طويلة بإذن المأمون. وتأتي بقية ترجمته في ولايته الثانية على مصر بعد خروجه من السجن عند عزل الأمير العباس بن موسى عن مصر إن شاء الله تعالى.
***
[ما وقع من الحوادث سنة 198]
السنة التي حكم فيها المطلب بن عبد الله على مصر وهي سنة ثمان وتسعين ومائة- فيها كان حصار الأمين ببغداد إلى أن ظفر به وقتل في المحرم صبراً وله عشرون سنة، وعلقت رأسه وطيف بها. وفيها ولى الخلافة المأمون ابن هارون الرشيد عوضاً عن أخيه محمد الأمين، وكانت كنيته أبا العباس؛ فلما
ولي الخلافة كني بأبي جعفر على كنية جد أبيه. وفيها في رمضان ثار أهل قرطبة بالأمير الحكم بن هشام الأموي وحاربوه لجوره وفسقه وأحاطوا بالقصر، وأشتد القتال وعظم الخطب واستظهروا عليه؛ فأمر الحكم أمراءه فحملوا عليهم وقاتلوهم حتى هزموهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة وصلب من وجوه القوم ثلثمائة على النهر منكسين؛ وبقي القتل والنهب والتحريق في قرطبة ثلاثة أيام، ثم أمنهم فهج «1» أهل قرطبة إلى البلاد. وفيها توفي سفيان بن عيينة بن أبي عمران، وأسم أبي عمران ميمون مولى محمد «2» بن مزاحم الهلالي أخى الضحاك المفسّر، كنيته- أعني سفيان- أبو محمد الكوفي ثم المكي، الإمام شيخ الإسلام، مولده سنة سبع ومائة في نصف شعبان، كان إماماً ثقة حجة عالماً صالحاً.
قال الحسين بن عمران بن عيينة: حججت مع عمي سفيان آخر حجة حجها سنة سبع وتسعين ومائة. فلما كنا بجمع- يعني المزدلفة- استلقى على فراشه ثم قال: قد وافيت هذا الموضع سبعين عاماً أقول في كل سنة: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وإني قد استحييت من الله من كثرة ما أسأله ذلك، فرجع فتوفي في العام في شهر رجب. وكان سفيان يقول: لا يمنع أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله قد استجاب دعاء شر الخلق وهو إبليس قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ
. وكان أيضاً يقول: يستحب للرجل أن يقول في دعائه: اللهم استرني بسترك الجميل، ومعنى الستر الجميل أن يستر على عباده في الدنيا والأخرة.
وقال غيره: إن الرجل ليحدث الذنب فلا يزال نادماً حتى يموت فيدخل الجنة فيقول إبليس: يا ليتني لم أوقعه فيه. وفيها توفي عبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد العنبري البصري اللؤلؤي الإمام الحافظ، كان ثقة كثير الحديث من كبار العلماء الحفاظ؛ ولد سنة خمس وثلاثين ومائة وسمع الكثير. قال اسماعيل القاضى:
سمعت ابن المدينىّ يقول: أعلم الناس بالحديث عبد الرحمن بن مهدي.
قال أحمد بن سنان: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يتحدث في مجلسه ولا يبرى قلم ولا يقوم أحد قائماً، كأنّ على رءوسهم الطير وكأنهم في صلاة، فإذا رأى أحداً منهم يتبسم أو تحدث لبس نعله وخرج. وفيها توفي علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان، الأموي الهاشمي أبو الحسن المدعو بالسفياني المتغلب على دمشق، وكان يلقب بأبي العميطر لأنه قال لأصحابه يوماًَ: إيش لقب الجرذون؟ فقالوا: لا ندري، فقال: أبو العميطر، فلقب به. ولما خرج بدمشق ودعا لنفسه وتسمى بالسفياني كان ابن تسعين سنة، وبايعه أهل دمشق بالخلافة سنة خمس وتسعين ومائة، واشتغل عنه الخليفة الأمين بحرب أخيه المأمون؛ فانتهز السفياني هذه الفرصة وملك دمشق، حتى قاتله أعوان الخليفة وهزموه، فاختفى بالمزة وأقام بها أياماً ومات. وقد تقدم في سنة خروجه أن حديث السفياني موضوع وضعه خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان جدّ علىّ هذا. اهـ. وفيها كانت قتلة الخليفة أمير المؤمنين الأمين محمد، وكنيته أبو عبد الله. وقيل أبو موسى، ابن الخليفة هارون الرشيد ابن الخليفة محمد المهدي ابن الخليفة أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي البغدادي.
وأمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور. قيل: إنه لم يل الخلافة بعد علىّ ابن أبى طالب والحسن ولده رضي الله عنهما ابن هاشمية غير الأمين هذا. وقد
تقدم ذكر ما وقع له مع أعوان أخيه المأمون من الحروب إلى أن حاصره طاهر بن الحسين ببغداد نحو خمسة عشر شهراً حتى ظفر به وقتله صبراً في المحرم من هذه السنة، وطيف برأسه. وقتل الأمين وله عشرون «1» سنة. وكان أخوه المأمون أسن منه بشهر واحد. وكان الأمين من أحسن الشباب صورة: كان أبيض طويلاً جميلاً ذا قوة مفرطة وبطش وشجاعة معروفة وفصاحة وأدب وفضيلة وبلاغة، لكنه كان سيىء التدبير ضعيف الرأى أرعن مبدّرا للاموال لا يصلح للخلافة؛ وكان مدمناً للخمر، منادماً للفساق والمغاني والمساخر، واشترى عريب «2» المغنية بمائة ألف دينار، واحتجب عن إخوانه وأهل بيته؛ وقسّم الأموال والجواهر في النساء والخصيان.
ومحبته لخادمه كوثر مشهورة، منها: أنه لما كان في الحصار خرج كوثر المذكور ليرى الحرب فأصابته رجمة في وجهه فجلس يبكي، وجعل الأمين هذا يمسح الدم «3» عن وجهه، ثم أنشد:
ضربوا قرة عيني
…
ومن أجلي ضربوه
أخذ الله لقلبي
…
من أناس أحرقوه