الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله به عباده «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» كائن لا محالة في ذلك اليوم الذي يكون فيه المشاححة بين الناس كما أن وعده في غيره حق أيضا «فَلا تَغُرَّنَّكُمُ» أيها الناس هذه «الْحَياةُ الدُّنْيا» لأنها فانية فلا تنخدعوا بزخارفها وتمويهها «وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ 33» الشيطان الذي أوقعه في البلاء غروره وكل ما يغر الإنسان من مال أو جاه أو شهوة فهو غرور لأنها كلها من طرق الشيطان التي يزينها للناس فهو أخبث الغاوين فلا يرجيكم بالتوبة ويمنيكم بالمغفرة، وإنه يدس لكم السم في الدسم لأن الإنسان لا يدري متى يباغته أجله وإذ ذاك يندم ولات حين مندم وتكون ممن سقط في يده راجع الآية 5 من سورة فاطر في ج 1 في هذا البحث، فعلى العاقل أن يسرع في التوبة ويجتهد في العبادة كي يلاقي ربه على حالة مرضية، لأن الإنسان يموت على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه فلربما جاءه الموت وهو يتلبس بحالة سيئة والعياذ بالله فيندم من حيث لا ينفعه الندم والله تعالى وإن أمهل عبده فإنه لا يهمله وقد يستدرجه من حيث لا يعلم.
مطلب الأمور الخمسة التي لا يعلمها إلا الله تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» وقت قيامها في أي سنة وشهر ويوم وساعة ولحظة من ليل أو نهار «وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ» في الوقت والزمان والمكان الذي يريده ويقدره له بقدر معلوم عنده «وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ» هل ذكر هو أم أنثى تام الخلق أم ناقصه أو زائد فيه، احمر أو أسود أو ما بينهما من الألوان حين قذف النطفة من الرجل في رحم المرأة كما يعلم أجله ورزقه وشقيا أو سعيدا وما يعتريه من تكوينه إلى موته وإلى بعثه وحشره وإلى دخوله الجنة أو النار وما بعد ذلك، فالأشعة الحديثة عجزت عن معرفة الولد بعد كمال خلقه في بطن أمه أهو ذكر أم أنثى والله تعالى أخبر أنه يعلم ذلك كله وهو نطفة في الرحم لم يكوّن بعد كما يعلم ما وراء ذلك من الحالات التي تعتوره إلى ما شاء الله والبوصلة المحدثة لمعرفة نزول المطر المشار إليها في الآية 102 من سورة الصافات المارة لا تدل إلا على ترطيب الجو المستفاد منه مظنة نزول المطر خلال أربع وعشرين ساعة على الأكثر ولا يمكن بوجه من الوجوه أن يعرف منها وقت نزوله على الضبط البتة،
لأن الله تعالى قد يحدث في الجو ما يسلب منه تلك الرطوبة التي دلت عليها الإبرة من تأثير الرياح أو غيرها فلا ينزل المطر لذلك فلا تتعارض هذه الإبرة وغيب الله تعالى، لإنه مما اختص به فالبشر مهما بلغ من العلوم والمعارف عاجز أن يعلم شيئا من الغيب المبين في هذه الآية. وبمناسبة هذا كان أخبرني ذات يوم السيد جميل بك السلاحوار من أهالي حلب بأن أذهب إلى الدار لأنه ستصير اليوم عواصف قوية، فقلت له من أين عرفت هذا؟ قال من الإبرة الموجودة لدي فقلت له لا يكون شيء إن شاء الله، فقال لا بد من كونه، ثم تفرقنا ولم يقع شيء طيلة اليوم والليلة، فصادفته في اليوم الثاني وقلت له أين ما أخبرتني به من العواصف البارحة، فقال يا أخي إنه أمر محقق ولكن حدث في الجو تبدل حال دون وجودها والله على كل شيء قدير، فقلت له من الآن فصاعد لا تجزم بشيء من هذا فإن الله تعالى يغير الأحوال، فقال آمنت بالله وصدقت. وإن ما يعدّه أهل هذا العصر من العلوم المحدثة بزعمهم قد تكون قديمة لأنهم لم يطلعوا على كل ما اطلع عليه الأوائل من العلوم فمن ينظر إلى فنّ الهندسة وصنع الأبنية القديمة والأصباغ والنقوش والتصوير والتصبير يعلم أن الأواخر لم يبلغوا بعد ما بلغه الأوائل لأنهم حتى الآن عن معرفته عاجزون وهناك تحنيط الأموات لم يقفوا على أجزاء تركيبه ومرض السرطان لم يقفوا على توقيفه مما يدل على أن جل الأشياء قديمة والناس يتأسون بآثارهم ويقتفون مآثرهم فما عثروا عليه برعوا. به وما لم يعثروا عليه فسيعثرون عليه بعد لأن الدنيا لم تكمل بعد راجع الآية 24 من سورة يونس المارة «وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً» من خير أو شر «وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» في سهل أو جبل في قرية أو بادية في بحر أو نهر ولا تدري بأي أرض تدفن ولا كيفية موتها هل بحرق أو تردي أو غرق أو افتراس أو غير ذلك، وهذان الأمران وأمر الساعة لم يتطرق إليها بحث ما بوسائل معرفتها من أهل العلوم العصرية البتة ولما يتطرق والله أعلم. لأن نهاية عقول العالمين فيها عضال وغاية سعي الساعين فيها ضلال ولهذا فإن كل ما بذله ويبذله البشر لمعرفة هذه الأمور الخمسة على الحقيقة غايته العجز لأن ما اختص الله به لنفسه لم يطلع عليه عباده،