الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السن واستصغره سليمان بن كثيّر فردّه وكان أبو داود خالد بن إبراهيم غائبا وراء النهر، فلما جاء إلى مرو أقرأه كتاب الإمام وسألهم عن أبي مسلم فأخبروه أنّ سليمان بن كثيّر ردّه لحداثة سنّه وأنه لا يقدر على الأمر، فنخاف على أنفسنا وعلى من يدعوه فقال لهم أبو داود: إنّ الله بعث نبيّه صلى الله عليه وسلم إلى جميع خلقه، وأنزل عليه كتابه بشرائعه وأنبأه بما كان وما يكون وخلف علمه رحمة لأمته وعمله إنما هو عند عترته وأهل بيته وهم معدن العلم وورثة الرسول فيما علمه الله أتشكون في شيء من ذلك؟ قالوا: لا. قال: فقد شككتم والرجل لم يبعثه إليكم حتى علم أهليته لما يقوم به فبعثوا عن أبي مسلم وردّوه من قومس بقول أبي داود وولوه أمرهم وأطاعوه ولم تزل في نفس أبي مسلم من سليمان بن كثيّر. ثم بعث الدعاة ودخل الناس في الدعوة أفواجا واستدعاه الإمام سنة تسع وعشرين أن يوافيه بالمرسوم ليأمره في إظهار الدعوة وأن يقدم معه قحطبة بن شبيب ويحمل ما اجتمع عنده من الأموال فسار في جماعة من النقباء والشيعة فلقيه كتاب الإمام بقومس يأمره بالرجوع وإظهار الدعوة بخراسان، وبعث قحطبة بالمال وأنّ قحطبة سار إلى جرجان. واستدعى خالد بن برمك وأبا عون فقدما بما عندهما من مال الشيعة فسار به نحو الإمام.
مقتل الكرماني
قد ذكرنا من قبل أنّ الكرماني قتل الحرث بن شريح فخلصت له مرو وتنحّى نصر عنها ثم بعث نصر سالم بن أحور في رابطته وفرسانه إلى مرو فوجد يحيي بن نعيم الشّيبانيّ في ألف رجل من ربيعة ومحمد بن المثنّى في سبعمائة من الأزد وأبو الحسن ابن الشيخ في ألف منهم والحربي السغدي [1] في ألف من اليمن. فتلاحى سالم وابن المثنّى وشتم سالم الكرماني فقاتلوه فهزموه وقتل من أصحابه نحو مائة. فبعث نصر بعده عصمة بن عبد الله الأسديّ فكان بينهم مثل ما كان أوّلا، فقاتلهم محمد السغدي، فانهزم السغدي وقتل من أصحابه أربعمائة. ورجع إلى نصر فبعث مالك بن عمر التميميّ فاقتتلوا كذلك وانهزم مالك وقتل من أصحابه سبعمائة ومن أصحاب الكرماني ثلاثمائة. ولما استيقن أبو مسلم أن كلا الفريقين قد أثخن صاحبه وأنه لا مدد لهم جعل يكتب إلى شيبان الخارجي يذمّ اليمانية تارة ومضر أخرى ويوصي
[1] وفي الكامل لابن الأثير ج 5 ص 363: الجرجيّ السعدي.
الرسول بكتاب مضر أن يتعرّض لليمانيّة ليقرؤا ذمّ مضر والرسول بكتاب اليمانيّة أن يتعرّض لمضر ليقرؤا ذمّ اليمانيّة حتى صار هوى الفريقين معه ثم كتب إلى نصر بن سيّار والكرماني: أنّ الإمام أوصاني بكم ولا أعد ورأيه فيكم. ثم كتب يستدعي الشيعة أسد بن عبد الله الخزاعي بنسا ومقاتل بن حكيم بن غزوان وكانوا أوّل من سوّد ونادوا يا محمد يا منصور! ثم سوّد أهل أبي ورد ومروالروذ وقرى مرو فاستدعاهم أبو مسلم وأقبل فنزل بين خندق الكرماني وخندق نصر وهابه الفريقان وبعث إلى الكرماني إني معك وقبل فانضم أبو مسلم إليه، وكتب نصر بن سيّار إلى الكرماني يحذّره منه ويشير عليه بدخول مرو ليصالحه فدخل ثم خرج من الغد، وأرسل إلى نصر في إتمام الصلح في مائتي فارس، فرأى نصر فيه غرّة فبعث إليه ثلاثمائة فارس فقتلوه. وسار ابنه إلى أبي مسلم وقاتلوا نصر بن سيّار حتى أخرجوه من دار الإمارة إلى بعض الدور. ودخل أبو مسلم مرو فبايعه عليّ بن الكرماني، وقال له أبو مسلم أقم على ما أنت عليه حتى آمرك بأمري. وكان نصر حين نزل أبو مسلم بين خندقه وخندق الكرماني ورأى قوّته كتب إلى مروان بن محمد يعلمه بخروجه وكثرة من معه ودعائه لإبراهيم بن محمد:
أرى خلل الرماد وميض جمر
…
ويوشك أن يكون لها ضرام
فإنّ النار بالعودين تذكو
…
وإنّ الحرب أوّلها الكلام
فإن لم تطفئوها يخرجوها
…
مسجّرة يشيب لها الغلام
أقول من التعجّب ليت شعري
…
أأيقاظ أميّة أم نيام
فإن يك قومنا أضحوا نياما
…
فقل قوموا فقد حان القيام
تعزّي عن رجالك ثمّ قولي
…
على الإسلام والعرب السلام.
فوجده مشتغلا بحرب الضحّاك بن قيس فكتب إليه الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فاحثهم التلول قبلك. فقال نصر: أمّا صاحبكم فقد أعلمكم أنه لا نصر عنده.
وصادف وصول كتاب نصر إلى مروان عثورهم على كتاب من إبراهيم الإمام لابي مسلم يوبّخه حيث لم ينتهز الفرصة من نصر والكرماني إذ أمكنته ويأمره أن لا يدع بخراسان متكلّما بالعربية. فلما قرأ الكتاب بعث إلى عامله بالبلقاء أن يسير إلى الحيسة [1] فيبعث إليه بإبراهيم بن محمد مشدود الوثاق فحبسه مروان.
[1] وفي الكامل ج 5 ص 366: الى الحميمة.