الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خراسان وهرب عنها نصر بن سيّار فمات بنواحي همذان سنة إحدى وثلاثين وجاء المسوّدة عليهم قحطبة فطلبوا ابن هبيرة على العراق وملّكوه وبايعوا خليفتهم أبا العبّاس السفّاح. ثم غلبوا مروان على الشام ومصر وقتلوه. وانقرض أمر بني أمية وعاد الأمر والخلافة لبني العبّاس والملك للَّه يؤتيه من يشاء من عباده وهذه أخبار بني أمية مخلصة [1] من كتاب أبي جعفر الطبري ولنرجع إلى أخبار الخوارج كما شرطنا في أخبارها بالذكر، والله المعين لا ربّ غيره.
الخبر عن الخوارج وذكر أوّليتهم وتكرّر خروجهم في الملة الإسلامية
قد تقدّم لنا خبر الحكمين في حرب صفين واعتزل الخوارج عليا منكرين للتحكيم مكفّرين به ولاطفهم في الرجوع عن ذلك وناظرهم فيه بوجه الحق فلجّوا وأبوا إلا الحرب وجعلوا أشعارهم النداء بلا حكم إلا للَّه وبايعوا عبد الله ابن وهب الراسبي وقاتلهم عليّ بالنهروان فاستلحمهم أجمعين ثم خرج من فلّهم طائفة بالأنبار فبعث إليهم من استلحمهم ثم طويفة أخرى مع هلال بن عليّة فبعث معقل بن قيس فقتلهم. ثم أخرى ثالثة كذلك، ثم أخرى على المدائن كذلك، ثم أخرى بشهرزور كذلك، وبعث شريح بن هانئ فهزموه فجرح واستلحمهم أجمعين، واستأمن من بقي فأمّنهم وكانوا نحو خمسين. وافترق شمل الخوارج ثم اجتمع من وجدانهم الثلاثة الذين توعدوا [2] لقتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص، فقتل بالسهم عبد الرحمن بن ملجم عليّا رضى الله عنه وباء بإثمه وسلم الباقون، ثم اتفقت الجماعة على بيعة معاوية سنة إحدى وأربعين واستقل معاوية بخلافة الإسلام.
وقد كان فروة بن نوفل الأشجعي اعتزل عليّا والحسن ونزل شهرزور وهو في خمسمائة من الخوارج فلما بويع معاوية قال فروة لأصحابه: قد جاء الحق فجاهدوا وأقبلوا فنزلوا النخيلة عند الكوفة فاستنفر معاوية أهل الكوفة فخرجوا لقتالهم، وسألوا أهل الكوفة أن يخلوا بينهم وبين معاوية فأبوا فاجتمعت أشجع على فروة وأتوا له من القتال
[1] لعلها ملخصة.
[2]
الأصح: تواعدوا أي اتفقوا على ميعاد، بينما هنا تعني تهددوا.
ودخلوا الكوفة قهرا [1] واستعمل الخوارج بعده عبد الله بن أبي الحريشيّ من طيِّئ وقاتلوا أهل الكوفة فقاتلوا وابن أبي الحريشيّ معهم ثم اجتمعوا بعده على حوثرة بن وداع الأسدي وقدموا إلى النخيلة في مائة وخمسين ومعهم فلّ ابن أبي الحريشيّ.
وبعث معاوية إلى حوثرة أباه ليردّه عن شأنه فأبى، فبعث إليهم عبد الله بن عوف في معسكر فقتله وقتل أصحابه إلا خمسين دخلوا الكوفة وتفرّقوا فيها، وذلك في جمادى الأخيرة سنة إحدى وأربعين. وسار معاوية إلى الشام وخلف المغيرة بن شعبة فعاد فروة ابن نوفل الأشجعي إلى الخروج فبعث إليه المغيرة خيلا عليها ابن ربعي ويقال معقل ابن قيس فلقيه بشهرزور فقتله ثم بعث المغيرة إلى شبيب بن أبجر من قتله، وكان من أصحاب ابن ملجم وهو الّذي أتى معاوية يبشّره بقتل عليّ فخافه على نفسه وأمر بقتله فتنكّر بنواحي الكوفة إلى أن بعث المغيرة من قتله ثم بلغ المغيرة أنّ بعضهم يريد الخروج وذكر له معن بن عبد الله المحاربي فحبسه ثم طالبه بالبيعة لمعاوية فأبى فقتله.
ثم خرج على المغيرة أبو مريم مولى بني الحرث بن كعب فأخرج معه النساء، فبعث المغيرة من قتله وأصحابه ثم حكم أبو ليلى في المسجد بمشهد الناس وخرج في اثنين من الموالي فأتبعه المغيرة معقل بن قيس الرياحي فقتله بسور الكوفة سنة اثنتين وأربعين ثم خرج على ابن عامر في البصرة سهم بن غانم الجهنيّ في سبعين رجلا منهم الحطيم وهو يزيد بن حالك الباهليّ، ونزلوا بين الجسرين والبصرة ومرّ بهم بعض الصحابة منقلبا من الغزو فقتلوه وقتلوا ابنه وابن أخيه، وقالوا: هؤلاء كفرة وخرج إليهم ابن عامر فقتل منهم عدّة وأمّن باقيهم ولما أتى زياد البصرة سنة خمس وأربعين هرب منهم الحطيم إلى الأهواز وجمع ورجع إلى البصرة فافترق عنه أصحابه فاختفى وطلب الأمان من زياد فلم يؤمنه ثم دل عليه فقتله وصلبه بداره. وقيل بل قتله عبد الله بعد زياد سنة أربع وخمسين. ثم اجتمع الخوارج بالكوفة على المستورد بن عقلة التيمي من تيم الرباب وعلى حيّان بن ضبيان السلمي وعلى معاذ بن جوين الطائي. وكلهم من فلّ النهروان الذين ارتموا في القتلى ودخلوا الكوفة بعد مقتل عليّ واجتمعوا في أربعمائة في منزل حيّان بن ضبيان وتشاوروا في الخروج، وتدافعوا الإمارة. ثم اتفقوا على المستورد وبايعوه في جمادى الأخيرة وكبسهم المغيرة في منزلهم فسجن حيّان وأفلت
[1] المعنى غير واضح وفي نسخة اخرى: «فاجتمعت أشجع على فروة فوعظوه فلم يرجع فأخذوه قهرا وأدخلوه الكوفة» .
المستورد فنزل الحيرة واختلف إليه الخوارج. وبلغ المغيرة خبرهم فخطب الناس وتهدّد الخوارج فقام إليه معقل بن قيس فقال: ليكفك كل رئيس قومه. وجاء صعصعة بن صوحان إلى عبد القيس وكان عالما بمنزلهم عند سليم بن مخدوج العبديّ إلا أنه لا يسلم عشيرته، فخرجوا ولحقوا بالصراة في ثلاثمائة فجهّز إليهم معقل بن قيس في ثلاثة آلاف وجعل معظمهم من شيعة عليّ، وخرج معقل في الشيعة وجاء الخوارج ليعبروا النهر إلى المدائن فمنعهم عاملها سمّال بن عبد العبسيّ ودعاهم إلى الطاعة على الأمان فأبوا فساروا إلى المذار. وبلغ ابن عامر بالبصرة خبرهم فبعث شريك بن الأعور الحارثيّ في ثلاثة آلاف من الشيعة وجاء معقل بن قيس إلى المدائن وقد ساروا إلى المذار، فقدّم بين يديه أبا الرواع الشاكريّ في ثلاثمائة، وسار ولحقهم أبو الرواع بالمذار فقاتلهم. ثم لحقه معقل بن قيس متقدّما أصحابه عند المساء فحملت الخوارج عليه فثبت وباتوا على تعبية، وجاء الخبر إلى الخوارج بنهوض شريك بن الأعور من البصرة فأسروا من ليلتهم راجعين وأصبح معقل واجتمع بشريك وبعث أبا الرواع في أتباعهم في ستمائة فلحقهم بجرجان فقاتلهم فهزمهم إلى ساباط وهو في اتباعهم. ورأى المستورد أن هؤلاء مع أبي الرواع حماة أصحاب معقل فتسرب عنهم إلى معقل وأبو الرواع في اتباعه ولما لحق بمعقل قاتلهم قتالا وأدركهم أبو الرواع بعد أن لقي كثيرا من أصحاب معقل منهزمين فردّهم واقتتلوا قتالا شديدا، وقتل المستورد معقلا طعنه بالرمح فأنفذه وتقدّم معقل والرمح فيه إلى المستورد فقسم دماغه بالسيف وماتا جميعا. وأخذ الراية عمر بن محرز بن شهاب التميمي بعهد معقل بذلك. ثم حمل الناس على الخوارج فقتلوهم ولم ينج منهم إلا خمسة أو ستة. وعند ابن الكلبي أنّ المستورد من تيم من بني رباح. خرج بالبصرة أيام زياد قريب الأزدي ورجاف الطائي ابنا الخالة، وعلى البصرة سمرة بن جندب وقتلوا بعض بني ضبّة فخرج عليهم شبان من بني عليّ وبني راسب فرموهم بالنبل، وقتل قريب وجاء عبد الله بن أوس الطائي برأسه واشتد زياد في أمر الخوارج وسمرة وقتلوا منهم خلقا. ثم خرج سنة اثنتين وخمسين على زياد بن حراش العجليّ في ثلاثمائة بالسواد فبعث اليهم زياد سعد بن حذيفة في خيل فقتلوهم، وخرج أيضا أصحاب المستورد حيّان بن ضبيان ومعاذ من طيِّئ فبعث إليهما من قتلهما وأصحابهما. وقيل بل استأمنوا وافترقوا. ثم اجتمع بالبصرة سنة ثمان وخمسين سبعون رجلا من الخوارج من عبد
القيس وبايعوا طواف بن [1] على أن يفتكوا بابن زياد، وكان سبب ذلك أنّ ابن زياد حبس جماعة من الخوارج بالبصرة وحملهم على قتل بعضهم بعضا وخلى سبيل القاتلين ففعلوا وأطلقهم، وكان منهم طوّاف ثم ندموا وعرضوا على أولياء المقتولين القود والدية فأبوا، وأفتاهم بعض علماء الخوارج بالجهاد لقوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا من بَعْدِ ما فُتِنُوا 16: 110 الآية، فاجتمعوا للخروج كما قلنا. وسعى بهم إلى ابن زياد فاستعجلوا الخروج وقتلوا رجلا ومضوا إلى الجلحاء كما قلنا. فندب ابن زياد الشرط والمحاربة فقاتلوهم. فانهزم الشرط أوّلا ثم كثرهم الناس فقتلوا عن آخرهم.
واشتد ابن زياد على الخوارج وقتل منهم جماعة كثيرة منهم: عروة بن أدبة أخو مرداس وأدبة أمهما وأبوهما جرير بن تميم. وكان وقف على ابن زياد يوما يعظه فقال أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ 26: 128 الآيات؟ فظن ابن زياد أنّ معه غيره فأخذه وقطعه وقتل ابنيه. وكان أخوه مرداس من عظمائهم وعبّادهم وممن شهد النهروان بالاستعراض ويحرّم خروج النساء ولا يرى بقتال من لا يقاتله. وكانت امرأته من العابدات من بني يربوع وأخذها ابن زياد فقطعها. والحّ ابن زياد في طلب الخوارج وقتلهم وخلّى سبيل مرداس من بينهم لما وصف له من عبادته، ثم خاف فخرج إلى الأهواز وكان يأخذ مال المسلمين إذا مرّ به فيعطي منه أصحابه ويرد الباقي. وبعث ابن زياد إليهم أسلم بن زرعة الكلابي في الغي رجل ودعاهم إلى معاودة الجماعة فأبوا وقاتلوهم فهزموا أسلم وأصحابه فسرّح إليهم ابن زياد عبّاد بن علقمة المازنيّ. ولحقهم بتوج وهم يصلون فقتلهم أجمعين ما بين راكع وساجد لم يتغيروا عن حالهم ورجع إلى البصرة برأس أبي بلال مرداس فرصده عبيدة بن هلال في ثلاثة نفر عند قصر الإمارة ليستفتيه فقتلوه واجتمع عليهم الناس فقتلوا منهم وكان على البصرة عبيد الله بن أبي بكرة فأمره زياد بتتبع الخوارج إلى أن تقدّم فحبسهم، وأخذ الكفلاء على بعضهم وأتى بعروة بن أدبة فقال أنا كفيلك وأطلقه. ولما جاء ابن زياد قتل المحبوسين منهم والمكفولين، وطالب ابن أبي بكرة بعروة بن أدبة فبحث عنه حتى ظفر به وجاء به إلى ابن زياد فقطعه وصلبه سنة ثمان وخمسين. ثم مات يزيد واستفحل أمر ابن الزبير بمكة وكان الخوارج لما اشتدّ عليهم ابن زياد بعد قتل أبي بلال مرداس أشار عليهم
[1] ضوّاف بن غلّاق: ابن الأثير ج 3 ص 516
نافع بن الأزرق منهم باللحاق بابن الزبير لجهاد عساكر يزيد لما ساروا إليه قالوا: وإن لم يكن على رأينا داحضا عن البيت وقاموا يقاتلون معه فلما مات يزيد وانصرفت العساكر كشفوا عن رأي ابن الزبير فيهم وجاءوه يرمون من عثمان ويتبرّءون منه فصرّح بمخالفتهم. وقال بعد خطبة طويلة أثنى فيها على الشيخين وعليّ وعثمان واعتذر عنه فيما يزعمون، وقال: أشهدكم ومن حضرني أني وليّ لابن عفّان وعدوّ لأعدائه قالوا: فبرئ الله منك قال بل بريء الله منكم فافترقوا عنه. وأقبل نافع بن الأزرق الحنظليّ وعبد الله بن صفّار السعديّ وعبد الله بن أباض، وحنظلة بن بيهس وبنو الماخور: عبد الله وعبيد الله والزبير من بني سليط بن يربوع وكلهم من تميم، حتى أتوا البصرة وانطلق أبو طالوت عن بني بكر بن وائل وأبو فديك عبد الله بن نور بن قيس ابن ثعلبة وعطية بن الأسود اليشكري إلى اليمامة فوثبوا بها مع أبي طالوت. ثم تركوه ومالوا عنه إلى نجدة ابن عامر الحنفيّ. ومن هنا افترقت الخوارج على أربع فرق:
الأزارقة أصحاب نافع بن الأزرق الحنظليّ وكان رايه البراءة من سائرة المسلمين وتكفيرهم والاستعراض وقتل الأطفال واستحلال الأمانة لأنه يراهم كفّارا. والفرقة الثانية النجديّة وهم بخلاف الأزارقة في ذلك كلّه. والفرقة الثالثة الإباضيّة أصحاب عبد الله بن إباض المريّ وهم يرون أنّ المسلمين كلهم يحكم لهم بحكم المنافقين فلا ينتهون إلى الرأي الأوّل ولا يقفون عند الثاني ولا يحرّمون مناكحة المسلمين ولا موارثتهم ولا المنافقين فيهم وهم عندهم كالمنافقين، وقول هؤلاء أقرب إلى السنّة ومن هؤلاء البيهسيّة أصحاب أبي بيهس هيصم بن جابر الضبعيّ. والفرقة الرابعة الصفريّة وهم موافقون للأباضية إلا في العقدة فإنّ الإباضية أشد على العقدة منهم. وربما اختلفت هذه الآراء من بعد ذلك واختلف في تسمية الصفريّة فقيل نسبوا إلى ابن صفّار وقيل اصفروا بما نهكتهم العبادة وكانت الخوارج من قبل هذا الافتراق على رأي واحد لا يختلفون إلا في الشاذ من الفروع. وفي أصل اختلافهم هذا مكاتبات بين نافع بن الأزرق وأبي بيهس وعبد الله بن إباض ذكرها المبرد في كتاب الكامل فلينظر هناك، (ولما جاء نافع) إلى نواحي البصرة سنة أربع وستين فأقام بالأهواز يعترض الناس وكان على البصرة عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطّلب، فسرّح إليه مسلم عبس بن كويز بن ربيعة من أهل البصرة بإشارة الأحنف ابن قيس، فدافعه عن نواحي البصرة وقاتله بالأهواز، على ميمنة مسلم الحجّاج بن
باب الحميري، وعلى ميسرته حارثة بن بدر العدابي، وعلى ميمنة ابن الأزرق عبيدة بن هلال وعلى ميسرته الزبير بن الماخور التميمي. فقتل مسلم ثم قتل نافع فأمّر أهل البصرة عليهم الحجّاج بن باب والخوارج عبد الله بن الماخور ثم قتل الحجّاج، وعبد الله فأمّر أهل البصرة ربيعة بن الاخدم [1] والخوارج عبيد الله بن الماخور. ثم اقتتلوا حتى أمسوا، وجاء إلى الخوارج مدد فحملوا على أهل البصرة فهزموهم وقتل ربيعة وولّوا مكانه حارثة بن بدر فقاتل وردّهم على الأعقاب ونزل الأهواز. ثم عزل عن البصرة عبد الله بن الحرث وبعث ابن الزبير عليها الحرث القبّاع بن أبي ربيعة فزحف الخوارج إلى البصرة، وأشار الأحنف بن قيس بتولية المهلّب حروبهم، وقد كان ابن الزبير ولّاه خراسان، فكتبوا لابن الزبير بذلك فأجاب، واشترطوا للمسلم ما سأل من ولاية ما غلب عليه، والإعانة بالأموال، فاختار من الجند اثني عشر ألفا وسار إليهم فدفعهم عن الجسر. وجاء حارثة بن بدر بمن كان معه في قتال الخوارج، فردّهم الحرث إلى المهلّب وركب حارثة البحر يريد البصرة فغرق في النهر. وسار المهلّب وعلى مقدمته ابنه المغيرة فقاتلهم المقدمة ودفعوهم عن سوق الأهواز إلى مادر.
ونزل المهلّب بسولاف وقاتله الخوارج وصدقوا الحملة فكشفوا أصحاب المهلّب ثم ترك من الغد قتالهم وقطع دجيل ونزل العقيل ثم ارتحل فنزل قريبا منهم وخندق عليه وأذكى العيون والحرس. وجاء منهم عبيدة بن هلال والزبير بن الماخور في بعض الليالي ليبيّتوا عسكر المهلّب فوجدوهم حذرين وخرج إليهم المهلب من الغد في تعبية والأزد وتميم في ميمنته، وبكر وعبد القيس في ميسرته، وأهل العالية في القلب.
وعلى ميمنة الخوارج عبيدة بن هلال اليشكريّ، وعلى ميسرتهم الزبير بن الماخور واقتتلوا ونزل الصبر. ثم شدّوا على الناس فأجفل عسكر المهلّب وانهزم وسبق المنهزمين إلى ربوة ونادى فيهم فاجتمع له ثلاثة آلاف أكثرهم من الأزد، فرجع بهم وقصد عسكر الخوارج واشتدّ قتالهم ورموهم بالحجارة، وقتل عبد الله بن الماخور [2] وكثير منهم وانكفؤا راجعين إلى كرمان وناحية أصبهان منهزمين، واستخلفوا عليهم الزبير ابن الماخور [3] وأقام المهلّب بمكانه حتى جاء مصعب بن الزبير أميرا على البصرة وعزل
[1] وفي نسخة ثانية: ربيعة بن الأخزم.
[2]
عبد الله بن الماخور: ابن الأثير ج 4 ص 199
[3]
الزبير بن الماخور: ابن الأثير ج 4 ص 200
المهلب. (وأمّا نجدة) وهو نجدة بن عامر بن عبد الله بن سيّار [1] بن مفرّج الحنفيّ.
وكان مع نافع بن الأزرق، فلما افترقوا سار إلى اليمامة ودعا أبو طالوت إلى نفسه، وهو من بكر بن وائل وتابعه نجدة ونهب الحضارم بلد بني حنيفة وكان فيها رقيق كثير يناهز أربعة آلاف فقسّمها في أصحابه، وذلك سنة خمس وستين. واعترض عيرا من البحرين جاءت لابن الزبير فأخذها وجاء بها إلى أبي طالوت فقسّمها بين أصحابه. ثم رأى الخوارج أن نجدة خير لهم من أبي طالوت فخالفوه وبايعوا نجدة وسار إلى بني كعب بن ربيعة فهزمهم وأثخن فيهم، ورجع نجدة إلى اليمامة في ثلاثة آلاف، ثم سار إلى البحرين سنة سبع وستين فاجتمع أهل البحرين من عبد القيس وغيرهم على محاربته. وسالمته الأزد والتقوا بالعطيف فانهزمت عبد القيس وأثخن فيهم نجدة وأصحابه وأرسل سرية إلى الخط فظفروا بأهله. ولما قدم مصعب بن الزبير البصرة سنة تسع وستين بعث عبد الله بن عمر الليثي الأعور في عشرين ألفا [2] ونجدة بالعطيف فقاتلوهم وهزمهم نجدة وغنم ما في عسكرهم وبعث عطية بن الأسود الحنفي من الخوارج إلى عمان وبها عبّاد ابن عبد الله شيخ كبير فقاتله عطيّة فقتله وأقام أشهرا وسار عنها، واستخلف عليها بعض الخوارج فقتله أهل عمان وولّوا عليهم سعيدا وسليمان ابني عبّاد. ثم خالف عطيّة نجدة وجاء إلى عمان فامتنعت منه، فركب البحر إلى كرمان وأرسل إليه المهلّب جيشا فهرب إلى سجستان ثم إلى السند فقتله خيل المهلّب بقندابيل. ثم بعث نجدة المعرفين إلى البوادي بعد هزيمة ابن عمير فقاتلوا بني تميم بكاظمة وأعانهم أهل طويلع فبعث نجدة من استباحهم وأخذ منهم الصدقة كرها.
ثم سار إلى صنعاء فبايعوه وأخذ الصدقة من مخالفيها. ثم بعث أبا فديك إلى حضرموت فأخذ الصداقة منهم. وحج سنة ثمان وستين في تسعمائة رجل وقيل في ألفين، ووقف ناحية عن ابن الزبير على صلح عقد بينهما. ثم سار نجدة إلى المدينة وتأهبوا لقتاله، فرجع إلى الطائف وأصاب بنتا لعبد الله بن عمر بن عثمان فضمّها إليه وامتحنه الخوارج بسؤاله بيعها فقال: قد أعتقت نصيبي منها. قالوا: فزوّجها، قال: هي أملك بنفسها، وقد كرهت الزواج ولما قرب من الطائف جاءه عاصم بن عروة بن مسعود فبايعه عن قومه وولّى عليهم الخازرق وعلى يبانة والسراة. وولّى على
[1] بن ساد: ابن الأثير ج 4 ص 201
[2]
عبد الله بن عمير الليثي الأعور في اربعة عشر الفا: ابن الأثير ج 4 ص 202
ما يلي نجران سعد الطلائع، ورجع إلى البحرين وقطع الميرة عن الحرمين. وكتب إليه ابن عبّاس أنّ ثمامة بن أشاك [1] لما أسلم قطع الميرة عن مكة وهم مشركون، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ أهل مكة أهل الله فلا تمنعهم الميرة فخلّاها لهم، وانك قطعت الميرة ونحن مسلمون فخلّاها لهم نجدة. ثم اختلف إليه أصحابه لأنّ أبا سنان حييّ بن وائل أشار عليه بقتل من أطاعه تقية، فانتهره نجدة وقال: إنما علينا أن نحكم بالظاهر. وأغضبه عطية في منازعة جرت بينهما على تفضيله لسرية البرّ على سرية البحر في الغنيمة فشتمه نجدة فغضب وسأله في درء الحدّ في الخمر عن رجل من شجعانهم فأبى، وكاتبه عبد الملك في الطاعة على أن يولّيه اليمامة ويهدر له ما أصاب من الدماء فاتّهموه في هذه المكاتبة ونقموا عليه أمثال هذه، وفارقه عطية إلى عمان. ثم انحازوا عنه وولّوا أمرهم أبا فديك عبد الله بن ثور أحد بني قيس بن ثعلبة واستخفى نجدة وألح أبو فديك في طلبه وكان مستخفيا في قرية من قرى حجر. ثم نذر به فذهب إلى أخواله من تميم وأجمع المسير إلى عبد الملك، فعلم به أبو فديك، وجاءت سرية منهم وقاتلهم فقتلوه. وسخط قتله جماعة من أصحاب أبي فديك وأعتمده مسلم بن جبير فطعنه اثنتي عشر طعنة وقتل مسلم لوقته، وحمل أبو فديك إلى منزله، ثم جاء مصعب إلى البصرة سنة ثمان وستين واليا على العراقين عن أخيه، وكان المهلّب في حرب الأزارقة فأراد مصعب أن يولّيه بلاد الموصل والجزيرة وأرمينية، ليكون بينه وبين عبد الملك فاستقدمه من فارس وولّاه، وولّى على فارس وحرب الأزارقة عمر بن عبد الله بن معمر. وكان الخوارج قد ولّوا عليهم بعد قتل عبد الله بن الماخور سنة خمس وستين أخاه الزبير فجاءوا به إلى إصطخر، وقدم عمر ابنه عبيد الله إليهم فقتلوه ثم قاتل الزبير عمر فهزمهم وقتل منهم سبعون. وفلق قطري بن الفجاءة وشتر صالح بن مخراق وساروا إلى نيسابور، فقاتلهم عمر بها وهزمهم، فقصدوا أصبهان فاستحموا بها. ثم أقبلوا إلى فارس وتجنّبوا عسكر عمر ومروا على ساجور ثم أرّجان، فأتوا الأهواز قاصدين العراق.
وأغذ عمر السير في أثرهم، وعسكر مصعب عند الجسر. فسار الزبير بالخوارج فقطع أرض صرصر وشنّ الغارة على أهل المدائن يقتلون الولدان والرجال، ويبقرون بطون الحبالى، وهرب صاحب المدائن عنها وانتهت جماعة منهم إلى الكرخ، فقاتلهم أبو
[1] ثمامة بن أثال: ابن الأثير ج 4 ص 204