الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقالة حنظلة بن زياد الكاتب لمحمد بن أبي بكر: إنّ هذا الأمر إن صار إلى التغالب غلبك عليه بنو عبد مناف. (ولما هلك عثمان) واختلف الناس على عليّ كانت عساكر عليّ أكثر عددا لمكان الخلافة والفضل إلّا أنها من سائر القبائل من ربيعة ويمن وغيرهم، وجموع معاوية إنما هي جند الشام من قريش شوكة مضر وبأسهم نزلوا بثغور الشام منذ الفتح فكانت عصبيته أشدّ وأمضى شوكه، ثم كسر من جناح عليّ ما كان من أمر الخوارج وشغله بهم إلى أن ملك معاوية وخلع الحسن نفسه واتفقت الجماعة على بيعة معاوية في منتصف سنة إحدى وأربعين عند ما نسي الناس شأن النبوّة والخوارق ورجعوا إلى أمر العصبية والتغالب وتعين بنو أمية للغلب على مضر وسائر العرب ومعاوية يومئذ كبيرهم. فلم تتعدّه الخلافة ولا ساهمه فيها غيره فاستوت قدمه واستفحل شأنه واستحكمت في أرض مصر رياسته وتوثق عقده. وأقام في سلطانه وخلافته عشرين سنة ينفق من بضاعة السياسة التي لم يكن أحد من قومه أوفر فيها منه يدا من أهل الترشيح من ولد فاطمة وبني هاشم وآل الزبير وأمثالهم ويصانع رءوس العرب وقروم مضر بالإغضاء والاحتمال والصبر على الأذى والمكروه وكانت غايته في الحلم لا تدرك وعصابته فيها لا تنزع ومرقاته فيها تزلّ عنها الأقدام (ذكر) أنه مازح عديّ بن حاتم يوما يؤنبه بصحبة عليّ فقال له عديّ: والله إنّ القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا وأنّ السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ولئن أدنيت إلينا من الغدر شبرا لندنينّ إليك من الشرّ باعا وأنّ حزّ الحلقوم وحشرجة الحيزوم [1] ، لأهون علينا من أن نسمع المساءة في عليّ فشم السيف يا معاوية يبعث السيف، فقال معاوية هذه كلمات حق فاكتبوها وأقبل عليه ولاطفه وتحادثا وأخباره في الحلم كثيرة.
بعث معاوية العمال الى الأمصار
لما استقلّ معاوية بالخلافة عام عدم الجماعة بعث العمّال إلى الأمصار، فبعث على الكوفة المغيرة بن شعبة. ويقال إنه ولّى عليها أوّلا عبد الله بن عمرو بن العاص فأتاه المغيرة منتصحا وقال: عمرو بمصر وابنه بالكوفة فأنت بين نابي أسد فعزله وولّى المغيرة. وبلغ
[1] قوله وحشرجة إلخ. قال المجد: والحشرجة الغرغرة عند الموت تردد النفس انتهى. وقوله الحيزوم، قال المجد أيضا: وكأمير، الصدر أو وسطه كالحيزوم فيهما، جمعه احزمة وحزم انتهى.
ذلك عمرا فقال لمعاوية: يختان المال فلا تقدر على ردّه فعد فاستعمل من يخافك فنصب المغيرة على الصلاة وولّى على الخراج غيره، وكان على القضاء شريح. (ولما ولي) المغيرة على الكوفة استعمل كثير بن شهاب على الريّ وأقرّه زياد بعده. وكان يغزو الديلم ثم بعث على البصرة بسر بن أرطاة وكان قد تغلّب عليها حمران بن زيد عند صلح الحسن مع معاوية فبعث بسرا عليها فخطب الناس وتعرّض لعليّ. ثم قال: نشدت الله رجلا يعلم أني صادق أو كاذب ولا صدقني أو كذّبني. فقال أبو بكرة: اللَّهمّ لا نعلمك إلّا كاذبا فأمر به فخنق فقام أبو لؤلؤة الضبيّ فدفع عنه. وكان على فارس من أعمال البصرة زياد بن أبيه وبعث إليه معاوية يطلبه في المال فقال: صرفت بعضه في وجهه واستودعت بعضه للحاجة إليه وحملت ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمه الله فكتب إليه معاوية بالقدوم لينظر في ذلك فامتنع فلما ولي بسر على البصرة جمع عنده أولاد زياد والأكابر عبد الرحمن وعبد الله وعبّاد وكتب إليه لتقدمنّ أو لأقتلنّ بنيك فامتنع واعتزم بسر على قتلهم فأتاه أبو بكرة وكان أخا زياد لأمّه فقال: أخذتهم بلا ذنب وصالح الحسن على أصحاب عليّ حيث كانوا فأمهله بسر إلى أن يأتي بكتاب معاوية. ثم قدم أبو بكرة على معاوية وقال: إنّ الناس لم يبايعوك على قتل الأطفال وإنّ بسرا يريد قتل بني زياد! فكتب إليه بتخليتهم وجاء إلى البصرة يوم المهاد ولم يبق منه إلّا ساعة وهم موثقون للقتل فأدركهم وأطلقهم انتهى. (ثم عزل) معاوية بسرا عن البصرة وأراد أن يولي عتبة بن أبي سفيان فقال له ابن عامر:
إنّ لي بالبصرة أموالا وودائع وإن لم تولني عليها ذهبت. فولّاه وجعل إليه معها خرسان وسجستان وقدمها سنة إحدى وأربعين فولي على خراسان قيس بن الهيثم السلميّ وكان أهل بلخ وباذغيس وهراة ويوشلخ [1] قد نضوا، فسار إلى بلخ وحاصرها حتى سألوا الصلح وراجعوا الطاعة، وقيل إنّما صالحهم الربيع بن زياد سنة إحدى وخمسين على ما سيأتي (ثم قدم) قيس على ابن عامر فضربه وحبسه وولّى مكانه عبد الله بن حازم، وقدم خراسان فأرسل إليه أهل هراة وباذغيس ويوشلخ في الأمان والصلح فأجابهم وحمل لابن عامر مالا انتهى. (ثم ولّى) معاوية سنة اثنتين وأربعين على المدينة مروان بن الحكم وعلى مكّة خالد بن العاص بن هشام. واستقصى مروان عبد الله بن الحرث بن نوفل وعزل مروان عن المدينة سنة تسع وأربعين وولّى مكانه سعيد بن العاص وذلك لثمان سنين من
[1] وفي نسخة اخرى: بوشنج.