الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو أحب إليّ فولّاه الصلاة والحرب، وولّى عبد الرحمن القشيريّ الخراج فلم يزل عبد الرحمن بن نعيم على خراسان حتى قتل يزيد بن المهلّب. وولي مسلمة فكانت ولايته أكثر من سنة ونصف وظهر من أيام الجرّاح بخراسان دعاة بني العبّاس فيمن بعثه محمد بن علي بن عبد الله بن العبّاس إلى الآفاق حسبما يذكر في أخبار الدولة العبّاسية.
وفاة عمر بن عبد العزيز وبيعة يزيد
ثم توفى عمر بن عبد العزيز في رجب سنة إحدى ومائة بدير سمعان ودفن بها السنتين وخمسة أشهر من ولايته ولأربعين من عمره وكان يدعى أشجّ بني أمية رمحته دابة وهو غلام فشجّته. ولما مات ولي بعده يزيد بن عبد الملك بعهد سليمان كما تقدّم وقيل لعمر حين احتضر: أكتب إلى يزيد فأوصه بالأمّة فقال: بماذا أوصيه؟ إنه من بني عبد الملك! ثم كتب أمّا بعد فاتق يا يزيد الصرعة بعد الغفلة حين لا تقال العثرة، ولا تقدر على الرجعة، إنك تترك ما أترك لمن لا يحمدك وتصير إلى من لا يعذرك والسلام. ولما ولي يزيد عزل أبا بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن المدينة وولّى عليها عبد الرحمن بن الضحّاك بن قيس الفهري وغير كل ما صنعه عمر بن عبد العزيز وكان من ذلك شأن خراج اليمن فإنّ محمدا أخا الحجّاج جعل عليهم خراجا مجدّدا وأزال ذلك عمر إلى العشر أو نصف العشر وقال: لئن يأتيني من اليمن حبة ذرة أحب إليّ من تقرير هذه الوظيفة فلما ولي يزيد أعادها وقال لعامله خذها منهم ولو صاروا حرضا وهلك عمّه محمد بن مروان فولّى مكانه على الجزيرة وأذربيجان وأرمينية عمّه الآخر مسلمة بن عبد الملك.
احتيال يزيد بن المهلب مقتله
قد تقدّم لنا حبس يزيد بن المهلب فلم يزل محبوسا حتى اشتدّ مرض عمر بن عبد العزيز فعمل في الهرب مخافة يزيد بن عبد الملك لأنّ زوجته بنت أخي الحجّاج وكان سليمان أمر ابن المهلب بعذاب قرابة الحجاج كلهم فنقلهم من البلقاء وفيهم زوجة يزيد وعذّبها وجاءه يزيد بن عبد الملك إلى منزله شافعا فلم يشفعه فضمن حمل ما قرّر عليها فلم يقبل فتهدّده فقال له ابن المهلب لئن وليت أنت لأرمينّك بمائة ألف
سيف، فحمل يزيد بن عبد الملك عنها مائة ألف دينار. ولما اشتدّ مرض عمر خاف من ذلك وأرسل إلى مواليه أن يغدوا له بالإبل والخيل في مكان عيّنه لهم وبعث إلى عامل حلب باشفاقه من يزيد، وبذل له المال وإلى الحرس الذين يحفظونه فخلّى سبيله، وأتى إلى دوابه فركبها ولحق بالبصرة. وكتب إلى عمر: إني والله لو وثقت بحياتك لم أخرج من محبسك. ولكن خفت أن يقتلني يزيد شرّ قتله فقرأ عمر الكتاب وبه رمق فقال: اللَّهمّ إن كان ابن المهلب يريد بالمسلمين سوءا فألحقه به وهضه فقد هاض. انتهى. ولما بويع ليزيد بن عبد الملك كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بالكوفة وإلى عديّ بن أرطاة بالبصرة بهربه والتحرّر منه وأبى عديّ أن يأخذ المهلب بالبصرة فحبس المفضّل حبيبا ومروان ابني المهلب، وبعث عبد الحميد من الكوفة جندا عليهم هشام بن ساحق بن عامر فأتوا العذيب ومرّ بيزيد عليهم فوق القطقطانة فلم يقدموا عليه. ومضى نحو البصرة وقد جمع عديّ بن أرطاة أهل البصرة وخندق عليها وبعث على خيلها المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل وجاء يزيد على أصحابه الذين معه وانضم إليه أخوه محمد فيمن اجتمع إليه من قومهم. وبعث عديّ بن أرطاة على كل خمس من أخماس البصرة رجالا: فعلى الأزد المغيرة بن زياد بن عمر العتكيّ، وعلى تميم محرز بن حمدان السعديّ، وعلى بكرة نوح بن شيبان بن مالك بن مسمع، وعلى عبد القيس مالك بن المنذر بن الجارود، وعلى أهل العالية عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، وهم قريش وكنانة والأزد وبجيلة وخثعم وقيس عيلان ومزينة فلم يعرضوا ليزيد وأقبل فانزل. انتهى. واختلف الناس إليه وأرسل إلى عديّ أن يطلق له إخوته فينزل به البصرة، ويخرج حتى يأخذ لنفسه من يزيد، وبعث حميد ابن أخيه عبد الملك بن المهلب يستأمن له من يزيد بن عبد الملك فأجاره خالد القسري وعمر بن يزيد الحكمي بأمان يزيد له ولأهله وقد كان بعد منصرف حميد فرّق في الناس قطع الذهب والفضة فانثالوا عليه، وعديّ يعطي درهمين درهمين ثم تناجزوا الحرب وحمل أصحاب يزيد على أصحاب عديّ فانهزموا ودنا يزيد من القصر، وخرج عديّ بنفسه فانهزم أصحابه. وخاف إخوة يزيد وهم في الحبس أن يقتلوا قبل وصوله فأغلق الباب وامتنعوا فجاءهم الحرس يعالجون فأجفلهم الناس عنه فخلّوا عنهم وانطلقوا إلى أخيهم. ونزل يزيد دار مسلم بن زياد إلى جنب القصر وتسوّر القصر بالسلالم وفتحه وأتى بعديّ بن أرطاة فحبسه. وهرب رءوس
البصرة من تميم وقيس ومالك بن المنذر إلى الكوفة والشام وخرج المغيرة بن زياد بن عمر العتكيّ إلى الشام فلقي خالدا القسري وعمر بن يزيد وقد جاءوا بأمان يزيد بن المهلب مع حميد بن أخيه فأخبرهما بظهور يزيد على البصرة وحبسه عديا فرجعا إلى وعد لهما فلم يقبلا، وقبض عبد الحميد بن عبد الرحمن بالكوفة على خالد بن يزيد ابن المهلب وحمّاد بن ذخر، وحملهما وسيرهما إلى الشام فحبسهما يزيد حتى هلكا بالسجن وبعث يزيد بن عبد الملك إلى أهل الكوفة يثني عليهم ويمنيهم الزيادة وجهز أخاه مسلمة وابن أخيه العبّاس بن الوليد إلى العراق في سبعين ألف مقاتل أو ثمانين من أهل الشام والجزيرة، فقدموا الكوفة ونزلوا النخيلة. وتكلم العبّاس يوما ببعض الكلام فأساء عليه حيّان النبطيّ بالكشّة الأعجمية ولما سمع ابن المهلب بوصول مسلمة وأهل الشام فخطب الناس وشجّعهم للقائهم وهوّن عليهم أمرهم وأخبرهم أن أكثرهم له واستوثق له أهل البصرة وبعث عماله على الأهواز وفارس وكرمان وبعث إلى خراسان مدرك بن المهلب وعليها عبد الرحمن بن نعيم وبعث بنو تميم ليمنعوه ولقيه الأزد على رأس المغارة فقالوا: ارجع عنّا حتى نرى مآل أمركم. ثم خطب يزيد الناس يدعوهم إلى الكتاب والسنة ويحثهم على الجهاد وأنّ جهاد أهل الشام أعظم ثوابا من جهاد الترك والديلم ونكر ذلك الحسن البصريّ والنضر بن أنس بن مالك وتابعهما الناس في النكير. وسار يزيد من البصرة إلى واسط واستخلف عليها أخاه مروان بن المهلب وأقام بواسط أياما ثم خرج منها سنة اثنتين ومائة واستخلف عليها أمان معونة وقدّم أخاه عبد الملك بن المهلب نحو الكوفة فاستقبله ابن الوليد بسور له فاقتتلوا وانهزم عبد الملك وعاد إلى يزيد وأقبل مسلمة على شاطئ الفرات إلى الأنهار فعقد الجسر وعبر وسار حتى نزل على يزيد بن المهلب وفزع إليه ناس من أهل الكوفة وكان عسكره مائة وعشرين [1] وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن قد عسكر بالنخيلة وشق المياه وجعل الأرصاد على أهل الكوفة أن يفزعوا إلى يزيد بن المهلّب، وبعث بعثا إلى مسلمة مع صبرة بن عبد الرحمن بن مختف فعزل مسلمة بن عبد الحميد عن الكوفة واستعمل عليها محمد بن عمر بن الوليد بن عقبة. ثم أراد يزيد بن المهلّب أن يبعث أخاه محمد بالعساكر يبيّتون مسلمة فأبى عليه أصحابه وقالوا: قد وعدناهم بالكتاب والسنة ووعدوا بالإجابة فلا نغدرهم فقال يزيد: ويحكم تصدّقونهم إنهم
[1] أي مائة وعشرين الفا.
يخادعونكم ليمكروا بكم فلا يسبقوكم إليه والله ما في بني مروان أمكر ولا أبعد غورا من هذه الجرادة الصغرى يعني مسلمة. وكان مروان بن المهلب بالبصرة يحثّ الناس على اللحاق بيزيد أخيه والحسن البصريّ يثبطهم ويتهدّده فلم يكف ثم طلب الذين يجتمعون إليه فافترقوا فأقام مسلمة بن عبد الملك يطاول يزيد بن المهلب ثمانية أيام ثم خرج يوم الجمعة منتصف صغر فعبّى أصحابه وعبّى العبّاس بن الوليد كذلك والتقوا، واشتدّ القتال وأمر مسلمة فأحرق الجسر فسطع دخانه فلما رآه أصحاب يزيد انهزموا واعترضهم يزيد يضرب في وجوههم حتى كثروا عليه فرجع وترجّل في أصحابه وقيل له: قتل أخوك حبيب فقال: لا خير في العيش بعده ولا بعد الهزيمة.
ثم استمات ودلف إلى مسلمة لا يريد غيره فعطف عليه أهل الشام فقتلوه هو وأصحابه، وفيهم أخوه محمد وبعث مسلمة برأسه إلى يزيد بن عبد الملك مع خالد ابن الوليد بن عقبة وقيل إن الّذي قتله الهذيل بن زفر بن الحرث الكلابي وأنف أن ينزل فيأخذ رأسه فأخذه غيره وكان المفضل بن المهلب يقاتل في ناحية المعترك وما علم بقتل يزيد فبقي ساعة كذلك يكرّ ويفرّ حتى أخبر بقتل إخوته فافترق الناس عنه، ومضى إلى واسط وجاء أهل الشام إلى عسكر يزيد فقاتلهم أبو رؤبة رأس الطائفة المرجئة ومعه جماعة منهم صدق، فقاتلوا ساعة من النهار ثم انصرفوا وأسر مسلمة ثلاثمائة أسير حبسهم بالكوفة. وجاء كتاب يزيد إلى محمد بن عمر بن الوليد بقتلهم فأمر العريان بن الهيثم صاحب الشرطة بذلك وبدأ بثمانين من بني تميم فقتلهم. ثم جاء كتاب يزيد بإعفائهم فتركهم وأقبل مسلمة فنزل الحيرة وجاء الخبر بقتل يزيد إلى واسط فقتل ابنه معاوية عديّ بن أرطاة ومحمدا ابنه ومالكا وعبد الملك ابنا مسمع في ثلاثين ورجع إلى البصرة بالمال والخزائن واجتمع بعمّه المفضّل وأهل بيتهم، وتجهزوا للركوب في البحر وركبوا إلى قندابيل وبها وداع بن حميد الأزدي ولّاه عليها يزيد بن المهلب ملجأ لأهل بيته إن وقع بهم ذلك فركبوا البحر بعيالهم وأموالهم إلى جبال كرمان فنزلوا بها واجتمع إليهم الفلّ من كل جانب. وبعث مسلمة مدرك بن ضب الكلبي في طلبهم فقاتلهم وقتل من أصحاب المفضل النعمان بن إبراهيم ومحمد بن إسحاق بن محمد بن الأشعث وأسر ابن صول قهستان، وهرب عثمان بن إسحاق بن محمد بن الأشعث فقتل وحمل رأسه إلى مسلمة بالحيرة ورجع ناس من أصحاب بني المهلب فاستأمنوا وأمّنهم مسلمة منهم مالك بن إبراهيم بن الأشتر والورد