الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحرب عبد الجبّار فقاتلوه، فانهزم وجاء إلى مقطنة [1] وتوارى فيها. فعبر إليه المحشد [2] بن مزاحم من أهل مروالرّوذ وجاء به إلى خازم فحمله على بعير وعليه جبّة صوف، ووجهه إلى عجز البعير وحمله إلى المنصور في ولده وأصحابه فبسط إليهم العذاب حتى استخرج الأموال ثم قطع يديه ورجليه وقتله وذلك سنة اثنتين وأربعين وبعث بولده إلى دهلك [3] فعزلهم بها وأقام المهدي بخراسان حتى رجع إلى العراق سنة تسع وأربعين. [4] وفي سنة اثنتين وأربعين انتقض عيينة بن موسى بن كعب بالسّند، وكان عاملا عليها من بعد أبيه، وكان أبوه يستخلف المسيّب بن زهير على الشرط فخشي المسيب إن حضر عيينة عند المنصور أن يولّيه على الشرط، فحذّره المنصور وحرّضه على الخلاف فخلع الطاعة وسار المنصور إلى البصرة وسرّح من هنالك عمر بن حفص بن أبي صفوة العتكيّ لحرب عيينة وولاه على السند والهند فورد السند وغلب عليها. وفي هذه السنة انتقض الأصبهبد بطبرستان وقتل من كان في أرضه من المسلمين فبعث المنصور مولاه أبا الخطيب وخازم بن خزيمة وروح بن حاتم في العساكر فحاصروه في حصنه مدّة ثم تحيّلوا ففتح لهم الحصن من داخله وقتلوا المقاتلة وسبى الذرية وكان مع الأصبهبد سم فشربه فمات.
أمر بني العباس
بنو هاشم [5] حين اضطرب أمر مروان بن محمد اجتمعوا إليه وتشاوروا فيمن يعقدون
[1] مقطنة: ابن الأثير ج 5 ص 506.
[2]
المجشّر: ابن الأثير ج 5 ص 506.
[3]
دهلك: جزيرة باليمن.
[4]
بياض بالأصل وفي الكامل لابن الأثير ج 5 ص 506: «وامر بتسيير ولده إلى دهلك- وهي جزيرة باليمن- فلم يزالوا بها حتى أغار عليهم الهند فسبوهم فيمن سبوا» .
[5]
ربما يكون قد سقطت بعض الجمل أثناء النسخ وفي الكامل لابن الأثير ج 5 ص 513 وتحت عنوان «ذكر استعمال رياح بن عثمان المري على المدينة وامر محمد بن عبد الله بن الحسن» وفيها (144) استعمل المنصور على المدينة رياح بن عثمان المري وعزل محمد بن خالد بن عبد الله القسري عنها. وكان سبب عزله وعزل زياد قبله ان المنصور أهمّه أمر محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وتخلفهما عن الحضور عنده مع من حضره من بني هاشم عام حجّ أيام السفاح سنة ست وثلاثين، وذكر ان محمد بن عبد الله كان يزعم ان المنصور ممن بايعه ليلة تشاور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطرب أمر مروان بن محمد.»
له الخلافة فاتفقوا على محمد بن عبد الله بن الحسن المثنّى بن عليّ. وكان يقال:
إنّ المنصور ممن بايعه تلك الليلة. ولما حج أيام أخيه السفّاح سنة ست وثلاثين تغيب عنه محمد وأخوه إبراهيم، ولم يحضرا عنده مع بني هاشم. وسأل عنهما فقال له زياد ابن عبيد الله الحرثى أنا آتيك بهما وكان بمكة فردّه المنصور إلى المدينة. ثم استخلف المنصور وطفق يسأل عن محمد ويختص بني هاشم بالسؤال سرّا، فكلهم يقول:
إنك ظهرت على طلبه لهذا الأمر فخافك على نفسه، ويحسن العذر عنه إلا الحسن ابن زيد بن الحسن بن عليّ. فإنه قال له: والله ما آمن وثوبه عليك، فإنه لا ينام عنك، فكان موسى بن عبد الله بن حسن يقول بعد هذا: اللَّهمّ اطلب الحسن بن زيد بدمائنا. ثم إنّ المنصور حج سنة [1] وألحّ على عبد الله بن حسن في إحضار ابنه محمد فاستشار عبد الله سليمان بن علي في إحضاره فقال له: لو كان عافيا عفى عن عمّه! فاستمرّ عبد الله على الكتمان وبث المنصور العيون بين الأعراب في طلبه بسائر بوادي الحجاز ومياهها ثم كتب كتابا على لسان الشيعة إلى محمد بالطاعة والمسارعة وبعثه مع بعض عيونه إلى عبد الله وبعث معه بالمال والإلطاف كأنه من عندهم. وكان للمنصور كاتب على سرّه يتشيع، فكتب إلى عبد الله بن حسن بالخبر وكان محمد بجهينة، وألحّ عليه صاحب الكتاب أمر محمد ليدفع إليه كتاب الشيعة فقال له: اذهب إلى عليّ بن الحسن المدعو بالأغرّ يوصلك إليه في جبل جهينة فذهب وأوصله إليه. ثم جاءهم حقيقة خبره من كاتب المنصور وبعثوا أبا هبّار إلى محمد وعليّ بن حسن يحذرهما الرجل، فجاء أبو هبّار إلى عليّ بن حسن وأخبره ثم سار إلى محمد فوجد العين عنده جالسا مع أصحابه فخلا به وأخبره، فقال: وما الرأي؟ قال: تقتله. قال: لا أقارف دم مسلم. قال: تقيّده وتحمله معك. قال: لا آمن عليه لكثرة الخوف والإعجال. قال: فودعه عند بعض أهلك من جهينة. قال: هذه إذن. ورجع فلم يجد الرجل ولحق بالمدينة. ثم قدم على المنصور وأخبره الخبر وسمّى اسم أبي هبّار وكنيته، وقال: معه وبر فطلب أبو جعفر وبرا المرّيّ فسأله عن أمر محمد فأنكره وحلف فضربه وحبسه. ثم دعا عقبة بن سالم الأزدي وبعثه منكرا بكتاب والطاف من بعض الشيعة بخراسان إلى
[1] بياض بالأصل وفي الكامل لابن الأثير ج 5 ص 500: «وفيها حجّ المنصور
…
» اما الطبري فقد ذكر حج المنصور في حوادث سنة أربع وأربعين ومائة. «ج 9 ص 180» .
عبد الله بن حسن ليظهر على أمره، فجاءه بالكتاب فانتهره وقال لا أعرف هؤلاء القوم. فلم يزل يتردّد إليه حتى قبله وأنس به وسأله عقبة الجواب فقال: لا أكتب لأحد ولكن أقرئهم مني سلاما وأعلمهم أنّ ابنيّ خارجان لوقت كذا. فرجع عقبة إلى المنصور فأنشأ الحج، فلما لقيه بنو حسن رفع مجالسهم وعبد الله إلى جنبه ثم دعا بالغداء فأصابوا منه. ثم قال لعبد الله بن حسن قد أعطيتني العهود والمواثيق أن لا تبغيني بسوء ولا تكيد لي سلطانا فقال: وأنا على ذلك. فلحظ المنصور عقبة بن سالم فوقف بين عبد الله حتى ملأ عينه منه فبادر المنصور يسأله الإقالة فلم يفعل، وأمر بحبسه وكان محمد يتردّد في النواحي وجاء إلى البصرة فنزل في بني راهب وقيل في بني مرّة بن عبيد، وبلغ الخبر إلى المنصور فجاء إلى البصرة وقد خرج عنها محمد، فلقي المنصور عمر بن عبيد فقال له: يا أبا عثمان هل بالبصرة أحد نخافه على أمرنا؟
فقال: لا، فانصرف واشتدّ الخوف على محمد وإبراهيم وسار إلى عدن ثم إلى السّند ثم إلى الكوفة، ثم إلى المدينة وكان المنصور حج سنة أربعين وحج محمد وإبراهيم وعزما على اغتيال المنصور وأبي محمد من ذلك. ثم طلب المنصور عبد الله بإحضار ولديه وعنّفه وهمّ به، فضمنه زياد عامل المدينة. وانصرف المنصور وقدم محمد المدينة قدمة فتلطف له زياد وأعطاه الأمان له. ثم قال له: الحق بأيّ بلاد شئت وسمع المنصور فبعث أبا الأزهر إلى المدينة في جمادى سنة إحدى وأربعين ليستعمل على المدينة عبد العزيز بن المطّلب ويقبض زيادا وأصحابه. فسار بهم فحبسهم المنصور، وخلف زياد ببيت المال ثمانين ألف دينار ثم استعمل على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسريّ، وأمره بطلب محمد وإنفاق المال في ذلك فكثرت نفقته واستبطأه المنصور واستشار في عزله، فأشار عليه يزيد بن أسيد السلميّ من أصحابه باستعمال رباح بن عثمان بن حسّان المزنيّ فبعثه أميرا على المدينة في رمضان سنة أربع وأربعين، وأطلق يده في محمد بن خالد القسريّ. فقدم المدينة وتهدّد عبد الله بن حسن في إحضار ابنيه. وقال له عبد الله يومئذ: إنك لتريق المذبوح فيها كما تذبح الشاة، فاستشعر ذلك ووجد فقال له حاجبه أبو البختري: إنّ هذا ما اطلع على الغيب فقال: ويلك! والله ما قال إلا ما سمع، فكان كذلك. ثم حبس رباح محمد بن خالد وضربه وجدّ في طلب محمد فأخبر أنه في شعبان رضوى من أعمال ينبع وهو جبل جهينة، فبعث عامله في طلبه فأفلت منه. ثم إنّ رباح بن مرّة
حبس بني حسن وقيّدهم وهم عبد الله بن حسن بن الحسن وإخوته حسن وإبراهيم وجعفر وابنه موسى بن عبد الله، وبنو أخيه داود وإسماعيل وإسحاق بنو إبراهيم بن الحسن، ولم يحضر معهم أخوه عليّ العائد. ثم حضر من الغد عند رباح وقال:
جئتك لتحبسني مع قومي فحبسه، وكتب إليه المنصور أن يحبس معهم محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان المعروف بالديباجة. وكان أخا عبد الله لأمّه أمّهما فاطمة بنت الحسين. وكان عامل مصر قد عثر على علي بن محمد بن عبد الله ابن حسن بعثه أبوه إلى مصر يدعو له فأخذه وبعث به إلى المنصور فلم يزل في حبسه وسمّى من أصحاب أبيه عبد الرحمن بن أبي المولى وأبا جبير فضربهما المنصور وحبسهما. وقيل عبد الله حبس أولا وحده وطال حبسه. فأشار عليه أصحابه بحبس الباقين فحبسهم. ثم حج المنصور سنة أربع وأربعين، فلما قدم مكة بعث إليهم وهم في السجن محمد بن عمران بن إبراهيم بن طلحة ومالك بن أنس يسألهم أن يرفعوا إليه محمدا وإبراهيم ابني عبد الله، فطلب عبد الله الإذن في لقائه فقال المنصور: لا والله حتى يأتيني به وبابنيه، وكان محسنا مقبولا لا يكلم أحدا إلّا أجابه إلى رأيه. ثم إنّ المنصور قضى حجّه وخرج إلى الرَّبَذَة، وجاء رباح ليودعه فأمر باشخاص بني حسن ومن معهم إلى العراق فأخرجهم في القيود والأغلال وأردفهم في محامل بغير وطء، وجعفر الصادق يعاينهم من وراء ستر ويبكي. وجاء محمد إبراهيم مع أبيهما عبد الله يسايرانه مستترين بزيّ الأعراب ويستأذنه في الخروج فيقول: لا تعجلا حتى يمكنكما وإن منعتما أن تعيشا كريمين تمنعا أن تموتا كريمين، وانتهوا إلى الزيدية. وأحضر العثماني الديقا عند المنصور فضربه مائة وخمسين سوطا بعد ملاحاة جرت بينهما أغضبت المنصور. ويقال: إنّ رباحا أغرى المنصور به وقال له: إنّ أهل الشام شيعته ولا يتخلف عنه منهم أحد. ثم كتب أبو عون عامل خراسان إلى المنصور بأنّ أهل خراسان منتظرون أمر محمد بن عبد الله واحذر منهم. فأمر المنصور بقتل العثماني وبعث برأسه إلى خراسان، وبعث من يحلف أنه رأس محمد بن عبد الله وأنّ أمّه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قدم المنصور بهم الكوفة وحبسهم بقصر ابن هبيرة، يقال: انه قتل محمد بن إبراهيم بن حسن منهم على أسطوانة وهو حيّ فمات. ثم بعده عبد الله بن حسن ثم علي بن حسن، ويقال: إنّ المنصور أمر بهم فقتلوا، ولم ينج منهم إلا سلمان وعبد الله ابنا داود وإسحاق وإسماعيل ابنا إبراهيم بن حسن وجعفر بن حسن والله أعلم.