الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظهور محمد المهدي ومقتله
ولما سار المنصور إلى العراق وحمل معه بني حسن رجع رباح [1] إلى المدينة وألحّ في طلب محمد وهو مختف يتنقل في اختفائه من مكان إلى مكان وقد أرهقه الطلب حتى تدلى في بئر. فتدلى فغمس في مائها وحتى سقط ابنه من جبل فتقطع ودلّ عليه رباح بالمداد، فركب في طلبه فاختفى عنه ولم يره. ولما اشتدّ عليه الطلب أجمع الخروج وأغراه أصحابه بذلك. وجاء الخبر إلى رباح بأنه الليلة خارج فأحضر العبّاس بن عبد الله بن الحرث بن العبّاس ومحمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد قاضي المدينة وغيرهما، وقال لهم: أمير المؤمنين يطلب محمدا شرق الأرض وغربها وهو بين أظهركم. والله لئن خرج ليقتلنّكم أجمعين. وأمر القاضي بإحضار عشيرة بني زهرة فجاءوا في جمع كثير وأجلسهم بالباب. ثم أحضر نفرا من العلويّين فيهم جعفر بن محمد بن الحسين وحسين بن علي بن حسين بن علي ورجال من قريش فيهم إسماعيل ابن أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة وابنه خالد، وبينما هم عنده إذ سمعوا التكبير وقيل قد خرج محمد فقال له: ابن مسلم بن عقبة أطعني واضرب أعناق هؤلاء فأبى، وأقبل من المداد [2] في مائة وخمسين رجلا وقصد السجن، فأخرج محمد بن خالد بن عبد الله القسريّ وابن أخيه النّذير بن يزيد ومن كان معهم وجعل على الرجّالة خوّات بن جبير [3] وأتى دار الإمارة وهو ينادي بالكف عن القتل فدخلوا من باب المقصورة وقبضوا على رباح وأخيه عبّاس وابن مسلم بن عقبة فحبسهم، ثم خرج إلى المسجد وخطب الناس وذكر المنصور بما نقمه عليه ووعد الناس واستنصر بهم واستعمل على المدينة عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير وعلى قضائها عبد العزيز بن المطّلب بن عبد الله المخزومي، وعلى بيت السلاح عبد العزيز الدراوَرْديّ، وعلى الشرط أبا الغلمش [4] عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب، وعلى ديوان العطاء عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وأرسل إلى محمد بن عبد العزيز يلومه على القعود عنه فوعده بالبصرة وسار
[1] رياح: ابن الأثير ج 5 ص 529.
[2]
المذار: ابن الأثير ج 5 ص 530
[3]
خوّات بن بكير بن خوّات بن جبير: المرجع السابق.
[4]
ابا القلمّس: ابن الأثير ج 5 ص 531.
الى مكة، ولم يتخلف عن محمد من وجوه الناس إلّا نفر قليل منهم: الضحّاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حرام [1] وعبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد وأبو سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وحبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير. واستفتى أهل المدينة مالكا [2] في الخروج مع محمد وقالوا: في أعناقنا بيعة المنصور، فقال: إنما بايعتم مكرهين فتسارع الناس إلى محمد ولزم مالك بيته، وأرسل محمد إلى إسماعيل بن عبد الله بن جعفر يدعوه إلى بيعته، وكان شيخا كبيرا فقال: أنت والله وابن أخي مقتول فكيف أبايعك؟ فرجع الناس عنه قليلا وأسرع بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر إلى محمد فجاءت جمادة [3] أختهم إلى عمها إسماعيل وقالت: يا عم إنّ مقالتك ثبّطت الناس عن محمد وإخوتي معه، فأخشى أن يقتلوا فردّها، فيقال: إنها عدت عليه فقتلته، ثم حبس محمد بن خالد القسري بعد أن أطلقه واتهمه بالكتاب إلى المنصور فلم يزل في حبسه. ولما استوى أمر محمد ركب رجل من آل أويس بن أبي سرح اسمه الحسين بن صخر، وجاء إلى المنصور في تسع [4] فخبّره الخبر فقال: أنت رأيته؟ قال: نعم. وكلمته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم تتابع الخبر وأشفق المنصور من أمره واستشار أهل بيته ودولته. وبعث إلى عمّه عبد الله وهو محبوس يستشيره فأشار عليه بأن يقصد الكوفة فإنّهم شيعة لأهل البيت فيملك عليهم أمرهم ويحفّها بالمسالح حتى يعرف الداخل والخارج، ويستدعي سالم بن قتيبة من الريّ فيتحشّد معه كافة أهل الشام ويبعثه وأن يبعث العطاء في الناس، فخرج المنصور إلى الكوفة ومعه عبد الله بن الربيع بن عبد الله بن عبد المدان. ولما قدم الكوفة أرسل إلى يزيد يحيي وكان السفّاح يشاوره فأشار عليه بأن يشحن الأهواز بالجنود وأشار عليه جعفر بن حنظلة الهرّاني [5] بأن يبعث الجند إلى البصرة. فلما ظهر إبراهيم بتلك الناحية تبيّن وجه إشارتهما. وقال المنصور لجعفر: كيف خفت البصرة؟ قال: لأنّ أهل المدينة ليسوا أهل حرب حبسهم أنفسهم، وأهل الكوفة تحت قدمك، وأهل الشام أعداء الطالبيّين، ولم
[1] ابن حزام: ابن الأثير ج 5 ص 532.
[2]
اي مالك بن أنس بن مالك.
[3]
حمّادة: ابن الأثير ج 5 ص 532.
[4]
اي في تسعة أيام.
[5]
جعفر بن حنظلة البهراني: ابن الأثير ج 5 ص 535.
يبق إلا البصرة. ثم إنّ المنصور كتب إلى محمد المهدي كتاب أمان فأجابه عنه بالردّ والتعريض بأمور في الأنساب والأحوال، فأجابه المنصور عن كتابه بمثل ذلك وانتصف كل واحد منهما لنفسه بما ينبغي الإعراض عنه مع أنهما صحيحان مرويان نقلهما الطبري في كتاب الكامل فمن أراد الوقوف فليلتمسها في أماكنها [1] . ثم إنّ محمدا المهدي استعمل على مكة محمد بن الحسن بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر وعلى اليمن القاسم بن إسحاق وعلى الشام موسى بن عبد الله. فسار محمد بن الحسن إلى مكة والقاسم معه ولقيهما السريّ بن عبد الله عامل مكة ببطن أذاخر فانهزم. وملك محمد مكّة حتى استنفره المهدي لقتال عيسى بن موسى فنفر هو والقاسم بن عبيد الله، وبلغهما قتل محمد بنواحي قديد فلحق محمد بإبراهيم، فكان معه بالبصرة واختفى القاسم بالمدينة حتى أخذت له الأمان امرأة عيسى، وهي بنت عبد الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن جعفر. وأمّا موسى بن عبد الله فسار إلى الشام فلم يقبلوا منه فرجع إلى المدينة ثم لحق بالبصرة مختفيا وعثر عليه محمد بن سليمان بن عليّ وعلى ابنه عبد الله وبعث بهما إلى المنصور فضربهما وحبسهما. ثم بعث المنصور عيسى ابن موسى إلى المدينة لقتال محمد فسار في الجنود ومعه محمد بن أبي العبّاس بن السفّاح وكثيّر بن حصين العبديّ وحميد بن قحطبة وهوازمرّد [2] وغيرهم، فقال له: إن ظفرت فأغمد سيفك وابذل الأمان وإن تغيب فخذ أهل المدينة فإنّهم يعرفون مذاهبه ومن لقيك من آل أبي طالب فعرفني به ومن لم يلقك فاقبض ماله. وكان جعفر الصادق فيمن تغيب، فقبض ماله. ويقال إنه طلبه من المنصور لما قدم بالمدينة بعد ذلك فقال: قبضه مهديّكم. ولما وصل عيسى إلى فئته كتب إلى نفر من أهل المدينة ليستدعيهم منهم: عبد العزيز بن المطّلب المخزومي وعبيد الله بن محمد بن صفوان الجمعيّ وعبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب فخرج إليه عبد الله هو وأخوه عمر وأبو عقيل محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل. واستشار المهدي أصحابه في القيام بالمدينة ثم في الخندق عليها، فأمر بذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وحفر الخندق الّذي حفره رسول الله صلى الله عليه وسلم للأحزاب. ونزل عيسى الأعرض [3] ، وكان محمد قد منع الناس من الخروج
[1] وهما مرويان أيضا في الكامل لابن الأثير ج 5 ص 536- 542.
[2]
هزارمرد: ابن الأثير ج 5 ص 544.
[3]
الأعرض: ابن الأثير ج 5 ص 545.
فخيّرهم، فخرج كثير منهم بأهلهم إلى الجبال وبقي في شرذمة يسيرة. ثم تدارك رأيه وأمر أبا الغلمش بردّهم فأعجزوه ونزل عيسى على أربعة أميال من المدينة وبعث عسكرا إلى طريق مكة يعترضون محمدا إن انهزم إلى مكة، وأرسل إلى المهدي بالأمان والدعاء الى الكتاب والسنّة ويحذّره عاقبة البغي. فقال: إنما أنا رجل فررت من القتل. ثم نزل عيسى بالحرف لاثنتي عشرة من رمضان سنة خمس وأربعين، فقام يومين، ثم وقف على مسلم [1] ونادى بالأمان لأهل المدينة وأن تخلوا بينه وبين صاحبه، فشتموه فانصرف وعاد من الغد، وقد فرّق القوّاد من سائر جهات المدينة وبرز محمد في أصحابه ورايته مع عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير وشعارهم أحد أحد. وطلب أبو الغلمش من أصحابه البراز فبرز إليه أخو أسد فقتله. ثم آخر فقتلوا [2] وقال أنا ابن الفاروق. وأبلى محمد المهدي يومئذ بلاء عظيما وقتل بيده سبعين رجلا. ثم أمر عيسى بن موسى حميد بن قحطبة فتقدّم في مائة من الرجال إلى حائط دون الخندق فهدمه، وأجازوا الخندق وقاتلوا من ورائه، وصابرهم أصحاب محمد إلى العصر. ثم أمر عيسى أصحابه فرموا الخندق بالحقائب ونصبوا عليها الأبواب وجازت الخيل واقتتلوا وانصرف محمد فاغتسل وتحنّط. ثم رجع فقال [3] : أترك أهل المدينة والله لا أفعل أو أقتل وأنت مني في سعة فمشى قليلا معه، ثم رجع وافترق عنه جل أصحابه، وبقي في ثلاثمائة أو نحوها. فقال له بعض أصحابه: نحن اليوم في عدّة أهل بدر وطفق عيسى بن حصين من أصحابه يناشده في اللحاق بالبصرة أو غيرها، فيقول والله لا تبتلون بي مرّتين. ثم جمع بين الظهر والعصر ومضى فأحرق الديوان الّذي فيه أسماء من بايعهم [4] . وجاء إلى السجن وقتل رياح بن عثمان وأخاه عبّاسا وابن مسلم بن عقبة وتوثق محمد بن القسريّ بالأبواب فلم يصلوا إليه. ورجع ابن حصين إلى محمد فقاتل معه وتقدّم محمد إلى بطن سلع ومعه بنو شجاع من الخمس. فعرقبوا دوابهم وكسروا جفون سيوفهم واستماتوا وهزموا أصحاب عيسى مرّتين أو ثلاثة. وصعد نفر من أصحاب عيسى الجبل وانحدروا منه إلى المدينة. ورفع بعض نسوة إلى العبّاس خمارا لها اسود على منارة المسجد. فلما رآه أصحاب محمد وهم
[1] سلع: ابن الأثير ج 5 ص 546.
[2]
الأصح فقتله.
[3]
القول موجه إلى عبد الله بن جعفر.
[4]
الأصح: أسماء من بايعه.
يقاتلون هربوا، وفتح بنو غفّار طريقا لأصحاب عيسى فجاءوا من وراء أصحاب محمد ونادى حميد بن قحطبة للبراز فأبى، ونادى ابن حصين بالأمان فلم يصغ إليه [1] ، وكثرت فيه الجراح ثم قتل وقاتل محمد على شلوه فهدّ الناس عنه هدا حتى ضرب فسقط لركبته وطعنه ابن قحطبة في صدره، ثم أخذ رأسه وأتى به عيسى فبعثه إلى المنصور مع محمد بن الكرام عبد الله بن علي بن عبد الله بن جعفر، وبالبشارة مع القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن، وأرسل معه رءوس بني شجاع، وكان قتل محمد منتصف رمضان. وأرسل عيسى الألوية فنصبت بالمدينة للأمان وصلب محمد وأصحابه ما بين ثنية الوداع والمدينة، واستأذنت زينب أخته في دفنه بالبقيع، وقطع المنصور الميرة في البحر عن المدينة، حتى أذن فيها المهديّ بعده، وكان مع المهدي سيف عليّ ذو الفقار فأعطاه يومئذ رجلا من التجار في دين كان له عليه. فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة أخذه منه وأعطاه من دينه ثم أخذه منه المهدي، وكان الرشيد يتقلده وكان فيه ثمان عشرة فقرة، وكان معه من مشاهير بني هاشم أخو موسى وحمزة بن عبد الله بن محمد بن عليّ بن الحسين وحسين وعلي ابنا زيد بن علي، وكان المنصور يقول عجبا خرجا عليّ ونحن أخذنا بثأر أبيهما. وكان معه علي وزيد ابنا الحسن بن زيد بن الحسن وأبوهما الحسن مع المنصور والحسن ويزيد وصالح بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر، والقاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر والمرجى علي بن جعفر بن إسحاق بن عليّ بن عبد الله بن جعفر وأبوه عليّ مع المنصور، ومن غير بني هاشم محمد بن عبد الله بن عمر بن سعيد بن العاص ومحمد ابن عجلان وعبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم، وأبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة، أخذ أسيرا فضرب وحبس في سجن المدينة، فلم يزل محبوسا إلى أن نازل السودان بالمدينة على عبد الله بن الربيع الحارثي، وفرّ عنها إلى بطن نخل وملكوا المدينة ونهبوا طعام المنصور. فخرج ابن أبي سبرة مقيّدا وأتى المسجد وبعث إلى محمد بن عمران ومحمد بن عبد العزيز وغيرهما، وبعثوا إلى السودان وردّوهم عما
[1] المعنى هنا غير واضح تماما وفي الكامل لابن الأثير ج 5 ص 548: ونادى محمد حميد بن قحطبة:
ابرز الي فأنا محمد بن عبد الله. فقال حميد: قد عرفتك وأنت الشريف ابن الشريف الكريم ابن الكريم، لا والله لا أبرز إليك وبين يديّ من هؤلاء الأغمار أحد، فإذا فرغت منهم فسأبرز إليك.
وجعل حميد يدعو ابن خضير إلى الأمان ويشحّ به على الموت، وابن خضير يحمل على الناس لا يصغي الى امانه
…
» .