الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن شيزاده [1] ونزل على محمد بن طاهر في بيته في المحرّم سنة إحدى وخمسين ولحق به القوّاد والكتاب والعمّال وبنو هاشم وتخلّف جعفر الخيّاط وسليمان بن يحيى بن معاذ فندم الأتراك، وركب جماعة من قوّادهم إلى المستعين وأصحابه ليردّوهم فأبوا ورجعوا آيسين منه وتفاوضوا في بيعة المعتز.
بيعة المعتز وحصار المستعين
كان قوّاد الأتراك لما جاءوا إلى المستعين ببغداد يعتذرون من فعلهم ويتطارحون في الرضا عنهم والرجوع إلى دار مكّة وهو يوبّخهم ويعدّد عليهم إحسانه وإساءتهم ولم يزالوا به حتى صرّح لهم بالرضا، فقال بعضهم: فإن كنت رضيت فقم واركب معنا إلى سامرّا فكلّمه ابن طاهر لسوء خطابهم، وضحك المستعين لعجمتهم وجهلهم بآداب الخطاب، وأمر باستمرار أرزاقهم ووعدهم بالرجوع، فانصرفوا حاقدين ما كان من ابن طاهر، وأخرجوا المعتز من محبسه وبايعوا له بالخلافة، وأعطى للناس شهرين. وحضر للبيعة أبو أحمد بن الرشيد فامتنع منها وقال: قد خلعت نفسك! فقال: أكرهت، فقال: ما علمنا ذلك ولا مخلص لنا في إيماننا فتركه. وولّوا على الشرطة إبراهيم البربرح [2] وأضيفت له الكتابة والدواوين وبيت المال، وهرب عتّاب ابن عتّاب من القوّاد إلى بغداد وقال محمد بن عبد الله بن طاهر بالاحتشاد واستقدم مالك بن طوق في أهل بيته وجنده، وأمر حوبة بن قيس [3] وهو على الأنبار وبالاحتشاد وكتب إلى سليمان بن عمران صاحب الموصل بمنع الميرة عن سامرّا، وشرع في تحصين بغداد وأدار عليها الأسوار والخنادق من الجانبين وجعل على كل باب قائدا، ونصب على الأبواب المجانيق والعدادات [4] ، وشحن الأسوار بالرماة
[1] المعنى غير واضح وفي الكامل لابن الأثير ج 7 ص 139: «وانتهى الخبر إلى المستعين فبعث إلى بغا ووصيف وقال لهما: أنتما جعلتماني خليفة ثم تريدان قتلي! فحلفا انّهما ما علما بذلك، فأعلمهما الخبر، فاتفق رأيهم على أخذ باغر ورجلين من الأتراك معه، وحبسهم، فاحضروا باغرا فأقبل في عدة، فعدل به إلى حمّام وحبس فيه، وبلغ الخبر الأتراك، فوثبوا على إصطبل الخليفة فانتهبوه وركبوا ما فيه، وحصروا الجوسق بالسلاح، فأمر بغا ووصيف بقتل باغر فقتل.» «فلما قتل باغر وانتهى خبر قتله إلى الأتراك المشغبين أقاموا على ما هم عليه، فانحدر المستعين وبغا ووصيف وشاهك الخادم واحمد بن صالح بن شيرزاد
…
»
[2]
إبراهيم الديرج: ابن الأثير ج 7 ص 143.
[3]
نجوبة بن قيس: ابن الأثير ج 7 ص 143.
[4]
الصحيح العرّادات.
والمقاتلة وبلغت النفقة في ذلك ثلاثمائة وثلاثين ألف دينار وفوّض للعيّارين الرزق واغدق عليهم، وأنفذ كتب المستعين إلى العمّال بالنواحي تحمل الخراج إلى بغداد. وكتب المستعين إلى الأتراك يأمرهم بالرجوع عمّا فعلوا وكتب المعتز إلى محمد يدعوه إلى بيعته، وطالت المراجعات في ذلك وكان موسى بن بغا قد خرج لقتال أهل حمص، فاختلفت إليه وهو بالشام كتب المستعين والمعتزّ يدعوه كل واحد منهما إلى نفسه، فاختار المعتز ورجع إليه، وهرب إليه عبد الله بن بغا الصغير من بغداد بعد أن هرب عنه فقتله. وهرب الحسن بن الأفشين إلى بغداد فخلع عليه المستعين وضمّ إليه الأشروسية. ثم عقد المعتز لأخيه إلى أحمد الواثق عن حرب بغداد وضمّ إليه الجنود مع باكليال [1] من قوّادهم، فسار في خمسين ألفا من الأتراك والفراغنة والمغاربة، وانتهبوا ما بين عكبرا وبغداد من القرى والضياع وخرّبوها، وهرب إليهم جماعة من أصحاب بغا الصغير ووصلوا إلى باب الشماسية. وولّى المستعين على باب الشماسية الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن مصعب، وجعل القوّاد هنالك تحت يده ووافقت طلائع الأتراك إلى باب الشماسية فوقفوا بالقرب منه، وأمدّه ابن طاهر بالشاه بن ميكال وبيدار الطبري [2] . ثم ركب محمد بن عبد الله بن طاهر من الغد ومعه بغا ووصيف والفقهاء والقضاة، وذلك عاشر صفر، وبعث إليهم يدعوهم إلى مراجعة الطاعة على المعتزّ ولي عهده فلم يجيبوا، فانصرفوا، وبعث إليه القوّاد من الغد بأنهم زحفوا إلى باب الشماسية فنهاهم عن مناداتهم بالقتال. وقدم ذلك اليوم عبد الله بن سليمان خليفة بغا من مكة في ثلاثمائة رجل. ثم جاء الأتراك من الغد فاقتتلوا مع القوّاد وانهزم القوّاد وبلغ ابن طاهر أنّ جماعة من الأتراك ساروا نحو النهروان، فبعث قائدا من أصحابه إليهم فرجع منهزما، واستولى الأتراك على طريق خراسان وقطعوها عن بغداد. ثم بعث المعتز عسكرا آخر نحو أربعة آلاف فنزلوا في الجانب الغربي، وبعث ابن طاهر إليهم الشاه ابن ميكال فهزمهم وأثخن فيهم، ورجع إلى بغداد فخلع عليه وعلى سائر القوّاد أربع خلع وطوقا وسوارا من ذهب لكل واحد. ثم أمر ابن طاهر بهدم الدور والحوانيت إلى باب الشماسية ليتسع المجال للحرب، وقدمت عليه أموال فارس والأهواز مع مكحول الأشروسي [3]
[1] كلبا تكين التركي: ابن الأثير ج 7 ص 145.
[2]
بندار الطبري: ابن الأثير ج 7 ص 146.
[3]
منكجور الاشروسني: ابن الأثير ج 7 ص 148.
وخرج الأتراك لاعتراضه وبعث ابن طاهر لحفظه فقدموا به بغداد، ولم يظفر به الأتراك، ومضوا نحو النهروان فأحرقوا سفن الجسر. وكان المستعين قد بعث محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد واليا على الثغور الجزرية، وأقام ينتظر الجند والمال، فلما بلغه خبر هذه الفتنة جاء على طريق الرقّة إلى بغداد فخلع عليه ابن طاهر وبعثه في جيش كثيف لمحاربتهم، وصار إلى ضبيعة بالسواد فأقام بها فقال ابن طاهر: لن يفلح أحد من العرب إلا أن يكون معه نبي ينصره الله به! ثم ذهب الأتراك وقاتلوا واتصل الحصار واشتدّت الحرب وانتهبت الأسواق، وورد الخبر من الثغور بأنّ بلكاجور حمل الناس على بيعة المعتز فقال ابن طاهر: لعله ظنّ موت المستعين فكان كذلك، ووصل كتابه بأنه جدّد البيعة، وكان موسى بن بغا مع الأتراك كما قدّمنا، فأراد الرجوع على المستعين فامتنع أصحابه وقاتلوه فلم يتم له أمره وفرّ القعّاطون [1] من البصرة ورموا على الأتراك فأحرقوهم، فبعث ابن طاهر إلى المدائن ليحفظها، وأمده بثلاثة آلاف فارس، وبعث إلى الأنبار حوبة بن قيس فشق الماء إلى خندقها من الفرات، وجاء إلى الإسحاقي من قبل المعتز فسبق المدد الّذي جاء من قبل ابن طاهر، وملك الأنبار. ورجع حوبة إلى بغداد فأنفذ ابن طاهر الحسين بن إسماعيل في جماعة من القوّاد والجند، فاعترضه الأتراك وحاربوه، وعاد الأنبار وتقدّم هو لينزل عليهما، وبينما هو يحطّ الأثقال إذا بالأتراك فقاتلهم وهزمهم وأثخن فيهم، وكانوا قد كمنوا له فخرج الكمين وانهزم الحسين وغرق كثير من أصحابه في الفرات، وأخذ الأتراك عسكره، ووصل إلى الياسرية آخر جمادى الآخرة ومنع ابن طاهر المنهزمين من دخول بغداد وتوعدهم على الرجوع إليه، وأمدّه بجند آخر، فدخل من الياسرية وبعث على المخاض الحسين بن علي بن يحيى الأرميني في مائتي مقاتل ليمنع الأتراك من العبور إليه من عدوة الفرات، فوافوه وقاتلوه عليها فهزموه، وركب الحسين في زورق منحدرا وترك عسكره وأثقاله، فاستولى عليها الأتراك ووصل المنهزمون إلى بغداد من ليلتهم، ولحق من عسكره جماعة من القوّاد والكتّاب بالمعتزّ وفيهم عليّ ومحمد ابنا الواثق، وذلك أوّل رجب. ثم كانت بينهم عدّة وقعات وقتل من الفريقين خلق ودخل الأتراك في كثير من الأيام بغداد وأخرجوا عنها ثم ساروا إلى المدائن وغلبوا عليها ابن أبي السفّاح وملكوها. وجاء الأتراك الذين بالأنبار إلى الجانب الغربي وانتهوا إلى
[1] مقتضى السياق: النغّاطون.
صرصر وقصر ابن هبيرة، واتصل الحصار إلى شهر ذي القعدة وخرج ابن طاهر في بعض أيامه في جميع القوّاد والعساكر، فقاتلهم وانهزموا وقتل منهم خلق وارتقم الذين كانوا مع بغا ووصيف لذلك فلحقوا بالأتراك. ثم تراجع الأتراك وانهزم أهل بغداد. ثم خرج في ذي الحجة رشيد بن كاووس أخو الأفشين ساعيا في الصلح بين الفريقين، واتهم الناس ابن طاهر بالسعي في خلع المستعين. فلما جاء رشيد وأبلغهم سلام المعتز وأخيه أبي أحمد شتموه وشتموا ابن طاهر وعمدوا إلى دار رشيد ليهدموها، وسأل ابن طاهر من المستعين أن يسكنهم، فخرج إليهم ونهاهم وبرّأ ابن طاهر مما اتهموه به، فانصرفوا، وتردّدت الرسل بين ابن طاهر وبين أبي أحمد فتجدّد للعامة والجند سوء الظنّ، وطلب الجند أرزاقهم فوعدهم بشهرين وأمرهم بالنزول، فأبوا إلا أن يعلمهم الصحيح من رأيه في المستعين. وخاف أن يدخلوا الأتراك كما عمل أهل المدائن والأنبار، فأصعد المستعين على سطح دار العامة حتى رآه الناس وبيده البردة والقضيب، وأقسم عليهم فانصرفوا. واعتزم ابن طاهر على التحوّل إلى المدائن، فجاءه وجوه الناس واعتذروا له بالغوغاء فأقصروا بنقل المستعين عن دار ابن طاهر إلى دار رزق الخادم بالرصافة. وأمر القوّاد وبني هاشم بالكون مع ابن طاهر، فركب في تعبية وحلف لهم على المستعين وعلى قصد الإصلاح فدعوا له، وسار إلى المستعين وأغراه به وأمر بغا ووصيفا بقتله فلم يفعلا. وجاءه أحمد بن إسرائيل والحسين بن مخلد بمثل ذلك في المستعين، فتغيّر له ابن طاهر. فلما كان يوم الأضحى وقد حضر الفقهاء والقضاة طالبه ابن طاهر بإمضاء الصلح، فأجاب وخرج إلى باب الشماسية، فجلس هناك ابن طاهر إلى المستعين وأخبره بأنه عقد الأمر إلى أن يخلع نفسه، ويبتذلوا له خمسين ألف دينار، ويعطوه غلّة ثلاثين ألف دينار، ويقيم بالحجاز متردّدا بين الحرمين، ويكون بغا واليا على الحجاز، ووصيف على الجبل، ويكون ثلث الجباية لابن طاهر وجند بغداد والثلثان للموالي والأتراك.
فامتنع المستعين أوّلا من الخلع ظنّا منه أنّ وصيفا وبغا معه. ثم تبين موافقتهما عليه فأجاب وكتب بما أراد من الشروط، وأدخل الفقهاء والقضاة واشهدهم بأنه قد صيّر أمره إلى ابن طاهر. ثم أحضر القوّاد وأخبرهم بأنه ما قصد بهذا الإصلاح إلّا حقن الدماء، وأخرجهم إلى المعتزّ ليوافقهم بخطه على كتاب الشرط ويشهدوا على إقراره، فجاءوا بذلك لست خلون من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين.