الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متنكّرا فرآه. ثم عقد من الغد واصطف النظارة سماطين وجيء ببابك راكبا على فيل، فلما وصل أمر المعتصم بقطع أطرافه ثم بذبحه، وأنفذ رأسه إلى خراسان، وصلب شلوه بسامراء وبعث بأخيه عبد الله إلى إسحاق بن إبراهيم ببغداد ليفعل به مثل ذلك ففعل. وكان الّذي أنفق الأفشين في مدّة حصاره لبابك سوى الأرزاق والأنزال والمعاون عشرة آلاف ألف درهم يوم ركوبه لمحاربته، وخمسة آلاف يوم قعوده.
وجميع من قتل بابك في عشرين سنة أيام قتيبة مائة ألف وخمسة وخمسين ألف [1] ، وهزم من القوّاد يحيى بن معاذ وعيسى بن محمد بن أبي خالد وأحمد ابن الجنيد وزريق بن عليّ بن صدقة ومحمد بن حميد الطوسي وإبراهيم بن الليث.
وكان الذين أسروا مع بابك ثلاثة آلاف وثلاثمائة والّذي استنقذ من يديه من المسلمات وأولادهنّ سبعة آلاف وستمائة إنسان جعلوا في حظيرة، فمن أتى من أوليائهم وأقام بيّنة على أحد منهم أخذه، والّذي صار في يد الأفشين من بني بابك وعياله سبعة عشر رجلا وثلاثا وعشرين امرأة.
فتح عمّورية
وفي سنة ثلاث وعشرين خرج نوفل بن ميخاييل [2] ملك الروم إلى بلاد المسلمين، فأوقع بأهل زبطرة، لأنّ بابك لما أشرف على الهلاك كتب إليه أنّ المعتصم قد وجّه عساكره حتى خيّاطه يعني جعفر بن دينار وطبّاخه يعنى إيتاخ ولم يبق عنده أحد، فانتهز الفرصة ثلاثا أو دونها. وظنّ بابك أنّ ذلك يدعو المعتصم إلى إنفاذ العساكر لحرب الروم، فيخفّ عنه ما هو فيه، فخرج نوفل في مائة ألف وفيهم من المجمّرة [3] الذين كانوا خرجوا بالجبال وهزمهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فلحق بالروم، وبلغ زبطرة فاستباحها قتلا وسبيا وأعاد على ملطية وغيرها، ومثّل بالأسرى. وبلغ الخبر إلى المعتصم فاستعظمه وبلغه أنّ هاشمية صاحت وهي في أيدي الروم: وا معتصماه! فأجاب وهو على سريره لبيك، لبيك! ونادى بالنفير ونهض من ساعته فركب دابته واحتقب شكالا وسكة من حديد فيها رداؤه. وجمع العساكر وأحضر قاضي بغداد عبد الرحمن بن إسحاق ومعه ابن سهل في ثلاثمائة
[1] وفي الكامل ج 6 ص 478: مائتي ألف وخمسة وخمسين ألفا وخمس مائة إنسان» .
[2]
توفيل بن ميخائيل. ابن الأثير ج 6 ص 479.
[3]
المحمّرة.
وثلاثين من العدول فأشهدهم بما وقف من الضياع، ثلثا لولده وثلثا لمواليه، وثلثا لوجه الله. وسار فعسكر بقرى دجلة لليلتين من جمادى الأولى وبعث عجيف بن عنبسة وعمر الفرغانيّ وجماعة من القوّاد مددا لأهل زبطرة، فوجدوا الروم قد ارتحلوا عنها فأقاموا حتى تراجع الناس واطمأنوا. ولما ظفر ببابك سأل أيّ بلاد الروم أعظم عندهم فقيل له عمّورية، فتجهّز إليها بما لا يماثله أحد قبله من السلاح والآلة والعدد، وحياض الأدم والقرب والروايا وجعل مقدّمته أشناس، وبعده محمد بن إبراهيم بن مصعب وعلى الميمنة إيتاخ، وعلى الميسرة جعفر بن دينار الخيّاط، وعلى القلب عجيف بن عنبسة، وجاء إلى بلاد الروم فأقام بسلوقيّة على نهر السنّ قريبا من البحر، وعلى مسيرة يوم من طرطوس [1] وبعث الأفشين إلى سروج وأمره بالدخول من درب الحرث [2] وبعث أشناس من درب طرطوس وأمره بانتظاره بالصفصاف، وقدّم وصيفا في أثر أشناس وواعدهم يوم اللقاء. ورحل المعتصم لست بقين من رجب. وبلغه الخبر أنّ ملك الروم عازم على كبس مقدمته فبعث إلى أشناس بذلك وأن يقيم ثلاثة أيام ليلحق به. ثم كتب إليه أن يبعث إليه من قوّاده من يأتيه بخبر الروم وملكهم فبعث عمر الفرغاني في مائتي فارس، فطاف في البلاد وأحضر جماعة عند أشناس أخبروه بأنّ ملك الروم بينما هو ينتظر المقدمة ليواقعها إذ جاءه الخبر بأنّ العساكر دخلت من جهة أرمينية [3] يعني عسكر الأفشين، فاستخلف ابن خاله على عسكره وسار إلى تلك الناحية فوجه أشناس بهم إلى المعتصم. وكتب المعتصم إلى الأفشين بالمقام حذرا عليه وجعل لمن يوصل الكتاب عشرة آلاف درهم، وأوغل في بلاد الروم فلم يدركه الكتاب. وكتب المعتصم إلى أشناس بأن يتقدّم والمعتصم في أثره حتى إذا كانوا على ثلاث مراحل من أنقرة أسر أشناس في طريقه جماعة من الروم فقتلهم، وقال لهم شيخ منهم: أنا أدلك على قوم هربوا من أنقرة معهم الطعام والشعيرة فبعث معه مالك بن كرد [4] في خمسمائة فارس فدلّ بهم إلى مكان أهل أنقرة فغنموا منهم ووجدوا فيهم جرحى قد حضروا وقعة ملك الروم مع الأفشين، وقالوا: لما استخلف على عسكره سار إلى ناحية أرمينية فلقينا
[1] طرسوس: ابن الأثير ج 6 ص 481.
[2]
درب الحدث: ابن الأثير ج 6 ص 481.
[3]
الارمذياق: ابن الأثير ج 6 ص 481.
[4]
مالك بن كيدر: ابن الأثير ج 6 ص 482.
المسلمين صلاة الغداة فهزمناهم وقتلنا رجالهم وافترقت عساكرنا في طلبهم، ثم رجعوا بعد الظهر فقاتلونا وحرقوا عسكرنا وفقدنا الملك وانهزمنا، ورجعنا إلى العسكر فوجدناه قد انتقض وجاء الملك من الغد فقتل نائبة الّذي استخلفه، وكتب إلى بلاده بعقاب المنهزمين ومواعدتهم بمكان كذا ليلقى المسلمين بها. ووجّه خصيّا له إلى أنقرة ليحفظها فوجد أهلها قد أجلوا فأمره الملك بالمسير إلى عمّورية، فوعى مالك ابن كرد خبرهم ورجع بالغنيمة والأسرى إلى أشناس وأطلق الأمير الّذي دلّه. وكتب أشناس بذلك إلى المعتصم ثم جاء البشير من ناحية الأفشين بالسلامة، وأنّ الوقعة كانت لخمس بقين من شعبان. وقدم الأفشين على المعتصم بأنقرة ورحل بعد ثلاث والأفشين في ميمنته وأشناس في ميسرته وهو في القلب، وبين كل عسكر وعسكر فرسخان، وأمرهم بالتخريب والتحريق ما بين أنقرة وعمّورية. ثم وافى عمّورية وقسّمها على قوّاده، وخرج إليه رجل من المنتصرة فدلّه على عورة من السور بني ظاهره وأخلّ باطنه فضرب المعتصم خيمته قبالته ونصبت عليه المجانيق، فتصدّع السور. وكتب بطريقها باطيس [1] والخصي إلى الملك يعلمانه بشأنهما في السور وغيره، فوقع في يد المسلمين مع رجلين. وفي الكتاب أنّ باطيس عازم على أن يخرج ليلا ويمرّ بعسكر المسلمين ويلحق بالملك فنادى المعتصم حرسه، ثم انثلمت فوهة من السور بين برجين وقد كان الخندق طمّ بأوعية الجلود المملوءة ترابا ثم ضرب بالذبالات [2] عليها فدحرجها الرجال إلى السور فنشبت في تلك الأوعية وخلص من فيها بعد الجهد. ولما جاء من الغد بالسلالم والمنجنيقات فقاتلوهم على تلك الثلمة وحارب وبدر بالحرب أشناس وجمعت المنجنيقات على تلك الثلمة وحارب في اليوم الثاني الأفشين والمعتصم راكب إزاء الثلمة، وأشناس وأفشين وخواص الخدّام معه.
ثم كانت الحرب في اليوم الثالث على المعتصم وتقدّم اتياخ [3] بالمغاربة والأتراك واشتدّ القتال على الروم إلى الليل وفشت فيهم الجراحات، ومشى بطريق تلك الناحية إلى رؤساء الروم، وشكا إليهم واستمدّهم فأبوا. فبعث إلى المعتصم يستأمن فأمّنه وخرج من الغد إلى المعتصم وكان اسمه وبدوا [4] فبينما هو والمعتصم يحادثه أومأ عبد الوهاب
[1] ناطيس: ابن الأثير ج 6 ص 485.
[2]
لعلها الدبابات كما في الكامل ج 6 ص 485.
[3]
ايتاخ: ابن الأثير ج 6 ص 487.
[4]
وندوا: ابن الأثير ج 6 ص 487.