الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوزارة فأعرضها عليّ. ثم سأل مفلح الدانيالي من أين لك الكتاب؟ قال: وراثة من آبائي وهو من ملاحم دانيال. فأنهى ذلك إلى المقتدر واغتبطوا بالحسين وبلغ الخبر إليه، فكتب إلى مفلح بالسعي في الوزارة، فعرض كتابه على المقتدر فأمره بإصلاح مؤنس. واتفق أنّ الكلواذي عمل حسابا بما يحتاج إليه من النفقات الزائدة على الحاصل، فكاتب سبعمائة ألف دينار وكتب عليه أهل الديوان خطوطهم، وقال ليس لهذه جهة إلّا ما يطلقه أمير المؤمنين. فعظم ذلك على المقتدر، وأمر الحسين بن القاسم أن يضمن جميع النفقات وزيادة ألف ألف دينار لبيت المال. وعرض كتابه على الكلواذي فاستقال، وأذن للكلواذي لشهرين من وزارته، وولّى الحسين بن القاسم واشترط أن لا يشاركه عليّ بن عيسى في شيء من أموره، وإخراجه الصافية. واختصّ به الحسين بن اليزيدي وابن الفرات. ولمّا ولي واطلع على نقصان الارتياع وكثرة الإنفاق وضاق عليه الأمر فتعجّل الجباية المستقبلة، وصرفها في الماضية. وبلغ ذلك هارون بن غريب الحال فأنهاه إلى المقتدر، فرتّب معه الخصيّ واطلع على حسابه، فألقى له حسبة ليس فيها رمزه. فأظهر ذلك للمقتدر وجميع الكتّاب واطلعوا عليها وقابلوا الوزير بتصديق الخصيّ فيما قاله، وقبض على الحسين ابن القاسم في شهر ربيع من سنة عشرين لسبعة أشهر من ولايته. واستوزر أبا الفتح الفضل بن جعفر وسلّم إليه الحسين فلم يؤاخذه بإساءته ولم يزل على وزارته.
أخبار القرامطة في البصرة والكوفة
كان القرامطة قد استبدّ طائفة منهم بالبحرين وعليهم أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجناني [1] ، ورث ذلك عن أبيه واقتطعوا ذلك العمل بأسره عن الدولة، كما يذكر في أخبار دولتهم عند إفرادها بالذكر، فقصد أبو طاهر البصرة سنة إحدى عشرة ومائتين وبها سبط مفلح، فكبسها ليلا في ألفين وسبعمائة، وتسنّموا الأسوار بالجبال، وركب سبك فقتلوه ووضعوا السيف في الناس فأفحشوا في القتل وغرق كثير في الماء، وأقام أبو طاهر بها سبعة عشر يوما، وحمل ما قدر عليه من الأموال والأمتعة والنساء والصبيان وعاد إلى هجر. وولّى المقتدر على البصرة محمد بن عبد الله الفارقيّ فانحدر إليها بعد انصرافهم عنها. ثم سار أبو طاهر القرمطيّ سنة اثنتين عشرة
[1] الجنابي: ابن الأثير ج 8 ص 83.
معترضا للحاج في رجوعهم من مكّة، فاعترض أوائلهم ونهبهم، وجاء الخبر إلى الحاج وهم بعيد، وقد فنيت أزوادهم وكان معهم أبو الهيجاء بن حمدان صاحب طريق الكوفة. ثم أغار عليهم أبو طاهر فأوقع بهم وأسر أبا الهيجاء أحمد بن بدر من أخوال المقتدر، ونهب الأمتعة وسبى النساء والصبيان، ورجع إلى هجر. وبقي الحجّاج ضاحين في القفر إلى أن هلكوا، ورجع كثير من الحرم إلى بغداد، وأشغبوا واجتمع معهم حرم المنكوبين أيام ابن الفرات، فكان ذلك من أسباب نكبته. ثم أطلق أبو طاهر الأسرى الذين عنده ابن حمدان وأصحابه، وأرسل إلى المقتدر يطلب البصرة والأهواز، فلم يجبه وسار من هجر لاعتراض الحاج، وقد سار بين أيديهم جعفر بن ورقاء الشيبانيّ في ألف رجل من قومه، وكان صاحب أعمال الكوفة وعلى الحاج بمثل صاحب البحر وجنا الصفواني وطريف اليشكريّ وغيرهم في ستة آلاف رجل، فقاتل جعفر الشيبانيّ أوّلا وهزمه. ثم اتبع الحاج إلى الكوفة فهزم عسكرهم وفتك فيهم، وأسرجنا الصفواني، وهرب الباقون. وملك الكوفة، وأقام بظاهرها ستة أيام يقيم في المسجد إلى الليل ويبيت في عسكره وحمل ما قدر عليه من الأموال والمتاع ورجع إلى هجر. ووصل المنهزمون إلى بغداد فتقدّم المقتدر إلى مؤنس بالخروج إلى الكوفة فسار إليها بعد خروجهم عنها، واستخلف عليها ياقوتا ومضى إلى واسط ليمانع أبا طاهر دونها، ولم يحج أحد هذه السنة وبعث المقتدر سنة أربع عشرة عن يوسف بن أبي الساج من أذربيجان وسيّره إلى واسط لحرب أبي طاهر. ورجع مؤنس إلى بغداد وخرج أبو طاهر سنة خمس عشرة وقصد الكوفة، وجاء الخبر إلى ابن أبي الساج فخرج من واسط آخر رمضان يسابق أبا طاهر إليها، فسبقه أبو طاهر وهرب العمّال عنها واستولى على الأتراك والعلوفات التي أعدّت بها. ووصل ابن أبي الساج ثامن شوّال بعد وصول أبي طاهر بيوم وبعث يدعوه إلى الطاعة للمقتدر، فقال لا طاعة إلّا للَّه فآذنه بالحرب وتزاحفوا يوما إلى الليل. ثم انهزم أصحاب ابن أبي الساج وأسروا ووكّل أبو طاهر طبيبا يعالج جراحته، ووصل المنهزمون ببغداد فأرجفوا بالهرب، وبرز مؤنس المظفّر لقصد الكوفة. وقد سار القرامطة إلى عين التمر فبعث مؤنس من بغداد خمسمائة سرية ليمنعهم من عبور الفرات. ثم قصد القرامطة الأنبار ونزلوا غربي الفرات، وجاءوا بالسفن من الحديثة، فأجاز فيها ثلاثمائة منهم، وقاتلوا عسكر الخليفة فهزموهم واستولوا على مدينة الأنبار. وجاء الخبر إلى بغداد فخرج
الحاجب في العساكر ولحق بمؤنس المظفّر واجتمعوا في نيف وأربعين ألف مقاتل إلى عسكر القرامطة ليخلّصوا ابن أبي الساج فقاتلهم القرامطة وهزموهم. وكان أبو طاهر قد نظر إلى ابن أبي الساج وهو يستشرف إلى الخلاص، وأصحابه يشيرونه، فأحضره وقتله وقتل جميع الأسرى من أصحابه، وكثر الهرج ببغداد واتّخذوا السفن بالانحدار إلى واسط ومنهم من نقل متاعه إلى حلوان. وكان نازوك صاحب الشرطة فأكثر التطواف بالليل والنهار، وقتل بعض الدعّار فأقصروا عن [1] ثم سار القرامطة عن الأنبار فاتحة سنة ست عشرة ورجع مؤنس إلى بغداد وسار أبو طاهر إلى الرحبة فملكها واستباحها، واستأمن إليه أهل قرقيسيا فأمّنهم، وبعث السرايا إلى الأعراب بالجزيرة فنهبوهم وهربوا بين يديه، وقدّر إليهم الإتاوة في كل سنة يحملونها إلى هجر. ثم سار أبو طاهر إلى الرقّة وقاتلها ثلاثا، وبعث السرايا إلى رأس عين، وكفرتوثا وسنجار فاستأمنوا إليهم، وخرج مؤنس المظفّر من بغداد في العسكر وقصد الرقّة، فسار أبو طاهر عنها إلى الرحبة ووصلها مؤنس، وسار القرامطة إلى هيت، فامتنعت عليهم فساروا إلى الكوفة. وخرج من بغداد نصر الحاجب وهارون بن غريب وبنّيّ بن قيس في العساكر إليها، ووصلت جند القرامطة إلى قصر ابن هبيرة. ثم مرض نصر الحاجب واستخلف على عسكره أحمد بن كيغلغ، وعاد فمات في طريقه، وولّى مكانه على عسكره هارون بن غريب، وولّى مكانه في الحجة ابنه أحمد. ثم انصرف القرامطة إلى بلادهم ورجع هارون إلى بغداد في شوّال من السنة. ثم اجتمع بالسواد جماعات من أهل هذا المذهب بواسط وعين التمر، وولّى كل جماعة عليهم رجلا منهم، فولى جماعة واسط حريث بن مسعود، وجماعة عين التمر عيسى بن موسى وسار إلى الكوفة ونزل بظاهرها وصرف العمّال عن السواد، وجبى الخراج. وسار حريث إلى أعمال الموفّق وبنى بها دارا سمّاها دار الهجرة، واستولى على تلك الناحية. وكان صاحب الحرب بواسط بني بن قيس فهزموه، فبعث إليه المقتدر هارون بن غريب في العساكر، وإلى قرامطة الكوفة صافيا البصريّ، فهزموهم من كل جانب وجاءوا بأعلامهم بيضاء عليها مكتوب: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الْأَرْضِ 28: 5 الآية، وأدخلت إلى بغداد منكوسة، واضمحلّ أمر القرامطة بالسواد.
[1] بياض بالأصل وفي الكامل لابن الأثير ج 8 ص 173: «وسلمت بغداد من نهب العيّارين، لأن نازوك كان يطوف هو وأصحابه ليلا ونهارا، ومن وجدوه بعد العتمة قتلوه فامتنع العيّارون
…
» .