الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبر كرخ أصبهان وأبي دلف
قد تقدّم لنا شأن أبي دلف أيام المأمون وأنه كان مقيما بكرخة وأن المأمون عفا له عما وقع منه في القعود عن نصره، وأقام بتلك الناحية وهلك، فقام ابنه عبد العزيز مكانه. ولما كانت أيام الفتنة تمسك بطاعة المستعين وولّى وصيف على الجبل وأصبهان، فكتب إلى عبد العزيز باستخلافه عليها وبعث عليه بالخلع، وعقد المعتز لموسى بن بغا الكبير في شهر رجب من سنة ثلاث وخمسين على الجبل وأصبهان، فسار لذلك وفي مقدمته مفلح، فلقيه عبد العزيز بن أبي دلف في عشرين ألفا خارج همذان، فتحاربا وانهزم عبد العزيز وقتل أصحابه. وسار مفلح إلى الكرخ، فخرج إليه عبد العزيز وقاتله ثانية، فانهزم واستولى مفلح على الكرخ. ومضى عبد العزيز إلى قلعة نهاوند فتحصّن بها وأخذ مفلح أهله وأمّه. ثم عقد له وصيف سنة اثنين وخمسين على أعمال الجبل، ثم عقد لموسى بن بغا، فسار وفي مقدّمته مفلح، فقاتله عبد العزيز فانهزم وملك مفلح الكرخ وأخذ ماله وعياله. ثم ملك عبد العزيز وقام مكانه ابنه دلف وقاتله القاسم بن صبهاه من أهالي أصبهان. ثم قتل القاسم أصحاب أبي دلف وولّوا أخاه أحمد بن عبد العزيز سنة خمس وستين. وولّاه عمر الصفّار من قبله على أصبهان عند ما ولّاه عليها المعتمد سنة ست وستين، وحاربه كغليغ التركي سنة تسع وستين، فغلبه أحمد وأخرجه إلى الصميرة، وبعث إليه عمر سنة ثمان وستين في المال فبعث إليه. ثم سار الموفّق سنة ست وسبعين يريد أحمد بأصبهان فشاغله أحمد عن البلد وترك داره بفرشها لنزول الموفّق. ثم مات أحمد سنة ثمانين وولّى أخوه عمر وأخوه بكير يرادفه وقاتلا رافع بن الليث بأمر المعتضد فهزمهما كما يأتي ذكره. ثم قلّده المعتضد أصبهان ونهوند والكرخ عمر بن عبد العزيز سنة إحدى وثمانين ثم راجعا الطاعة.
خلع المعتز وموته وبيعة المهتدي
كان صالح بن وصيف بن بغا متغلبا على المعتز، وكان كاتبه أحمد بن إسرائيل، وكانت أمّه قبيحة ووزيرها الحسن بن مخلد، وكان أبو نوح عيسى بن إبراهيم من كبار الكتّاب وجباة الأموال. وطلب الأتراك أرزاقهم وشغبوا، فقال صالح للمعتز:
هذه الأموال قد ذهب بها الكتّاب والوزراء، وليس في بيت المال شيء فردّ عليه
أحمد بن إسرائيل وأفحش في ردّه وتفاوضا في الكلام فسقط صالح مغشيا عليه، وتبادر أصحابه بالباب فدخلوا منتضين سيوفهم فدخل إلى قصره، فأمر صالح بالوزراء الثلاثة فقيّدوا وشفع المعتز في أمر وزيره فلم يقبل شفاعته، وصادرهم على مال جليل حملوه فلم يسدّ شيئا، فلما فعلوا بالكتاب ما فعلوا من المصادرة اتّهم الجند أنهم حملوا على مال ولم يكن ذلك، فشفعوا في طلب أرزاقهم وضمنوا للمعتز قتل صالح بن وصيف على خمسين ألفا يبذلها لهم. وسألها من أمّه فاعتذرت فاتفقت كلمتهم على خلعه. ودخل إليه صالح بن وصيف ومحمد بن بغا المعروف بأبي نصر وبابكيال وطلبوه في الخروج إليهم، فاعتذر لهم وأذن لبعضهم في الدخول فدخلوا، وجرّوه إلى الباب وضربوه وأقاموه في الشمس في صحن الدار وكلما مرّ به أحد منهم لطمه. ثم أحضروا القاضي ابن أبي الشوارب في جماعة فأشهدهم على خلعه، وعلى صالح بن وصيف بأمانه وأمان أمّه وأخته وولده [1] . وفرّت أمّه قبيحة من سرب كانت اتخذته بالدار، ثم عذّبوا المعتز ثم جعلوه في سرب وطمّوا عليه، وأشهدوا على موته بني هاشم والقوّاد، وذلك آخر رجب من سنة خمس وخمسين، وبايعوا لمحمد ابن عمه الواثق ولقّبوه المهتدي باللَّه عند ما خلع المعتز نفسه وأقرّ بالعجز والرغبة في تسليمها إلى المهتدي، بايعه الخاصّة والعامّة. وكانت قبيحة أم المعتز لما فعل صالح بالكتاب ما فعل قد [2] نفرا منهم على الفتك بذلك بصالح، ونمي ذلك إليه، فجمع الأتراك على الثوران، وأيقنت قبيحة بالهلاك فأودعت ما في الخزائن من الأموال والجواهر، وحفرت سربا في حجرتها هربت منه لما أحيط بالمعتزّ، ولما قتل خشيت على نفسها فبعثت إلى صالح تستأمنه فأحضرها في رمضان وظفر منها بخمسمائة ألف دينار، وعذّبها على خزائن تحت الأرض فيها ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار ومقدار مكوك من الزبرجد لم ير مثله، ومقدار مكوك آخر من اللؤلؤ العظيم وجراب من الياقوت الأحمر القليل النظير، وذمّها الناس بأنها عرّضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار ومعها هذا المال، ثم سارت إلى مكة فأقامت هنالك، وقبض صالح على أحمد بن إسرائيل وزيد بن المعتز وعذّبه وصادره. ثم قبض على
[1] الضمير يعود للمعتز:
[2]
بياض بالأصل وفي الكامل لابن الأثير ج 7 ص 199: «وكان السبب في هربها وظهورها انها كانت قد واطأت النفر من الكتّاب الذين أوقع بهم صالح على الفتك بصالح
…
»