الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن الأبرد فهتفوا باسمه ثم كسروا باب المقصورة وضربوا الناس بالسيوف، وخرج الوليد بن عبد الملك واقتتلوا ساعة ثم خرج عبد الرحمن ابن أمّ الحكم الثقفيّ بالرأس فألقاه إلى الناس وألقى اليهم عبد العزيز بن مروان بدر الأموال فانتهبوها وافترقوا. ثم خرج عبد الملك إلى الناس وسأل عن الوليد فأخبر بجراحته وأتى بيحيى ابن سعيد وأخيه عنبسة فحبسهما وحبس بني عمر بن سعيد ثم أخرجهم جميعا وألحقهم بمصعب، حتى حضروا عنده بعد قتل مصعب فأمنهم ووصلهم. وكان بنو عمر أربعة أمية وسعد [1] وإسماعيل ومحمّد. ولما حضروا عنده، قال: أنتم أهل بيت ترون لكم على جميع قومكم فضلا لن يجعله الله لكم، والّذي كان بيني وبين أبيكم لم يكن حديثا بل كان قديما في أنفس أوّليكم على أوّلينا في الجاهلية فقال سعيد: يا أمير المؤمنين تعدّ علينا أمرا كان في الجاهلية والإسلام قد هدم ذلك ووعد جنة وحذر نارا. وأمّا عمر فهو ابن عمك وقد وصل إلى الله وأنت أعلم بما صنعت، وإن أحد ثنا به فبطن الأرض خير لنا من ظهرها فرق لهم عبد الملك وقال: أبوكم خيرني بين أن يقتلني أو أقتله واخترت قتله على قتلي، وأمّا أنتم فما أرغبني فيكم وأوصلني لقرابتكم وأحسن حالتهم. وقيل إنّ عمر إنما كان خلفه وقتله حين سار عبد الملك لقتال مصعب طلبه أن يجعل له العهد بعده كما فعل أبوه فلم يجبه إلى ذلك، فرجع إلى دمشق فعصى وامتنع بها وكان قتله سنة تسعة وستين.
مسير عبد الملك إلى العراق ومقتل مصعب
ولما صفا الشام لعبد الملك اعتزم على غزو العراق وأتته الكتب من أشرافهم يدعونه، فاستمهله أصحابه فأبى، وسار نحو العراق وبلغ مصعبا سيره فأرسل إلى المهلّب بن أبي صفرة وهو بفارس في قتال الخوارج يستشيره وقد كان عزل عمر بن عبيد الله بن معمر عن فارس وحرب الخوارج، وولّى مكانه المهلّب وذلك حين استخلف على الكوفة. وجاء خالد بن عبيد الله بن خالد بن أسيد على البصرة مختفيا، وأعيد لعبد الملك عند مالك ابن مسمع في بكر بن وائل والأزد، وأمدّ عبد الملك بعبيد الله ابن زياد بن ضبيان وحاربهم عمر بن عبيد الله بن معمر ثم صالحهم على أن يخرجوا خالدا فأخرجوه وجاء مصعب وقد طمع أن يدرك خالدا فوجده قد خرج
[1] وفي الكامل لابن الأثير ج 4 ص 302: سعيد.
فسخط على ابن معمر وسبّ أصحابه وضربهم وهدم دورهم وحلقهم وهدم دار مالك بن مسمع واستباحها. وعزل ابن معمر عن فارس وولّى المهلّب وخرج إلى الكوفة فلم يزل بها حتى سار للقاء عبد الملك وكان معه الأحنف فتوفي بالكوفة ولما بعث عن المهلب ليسير معه أهل البصرة إلا أن يكون المهلّب على قتال الخوارج ردّه وقال له المهلّب إنّ أهل العراق قد كاتبوا عبد الملك وكاتبهم فلا يتعدّى ثم بعث مصعب عن إبراهيم بن الأشتر وكان على الموصل والجزيرة فجعله في مقدمته وسار حتى عسكر في معسكره، وسار عبد الملك وعلى مقدمته أخوه محمد ابن مروان، وخالد بن عبيد الله بن خالد بن أسيد، فنزلوا قريبا من قرقيسيا. وحضر زفر ابن الحرث الكلابي، ثم صالحه وبعث زفر معه الهذيل ابنه في عسكر وسار معه فنزل بمسكن قريبا من مسكن مصعب وفرّ الهذيل بن زفر فلحق بمصعب. وكتب عبد الملك إلى أهل العراق وكتبوا إليه وكلهم بشرط أصفهان وأتى ابن الأشتر بكتاب مختوما [1] إلى مصعب فقرأه، فإذا هو يدعوه إلى نفسه ويجعل له ولاية العراق فأخبره مصعب بما فيه وقال مثل هذا الا يرغب عنه فقال إبراهيم ما كنت لأتقلد الغدر والخيانة ولقد كتب عبد الملك لأصحابك كلهم مثل هذا فأطعن واقتلهم أو احبسهم في أضيق محبس، فأبى عليه مصعب وأضمر أهل العراق الغدر بمصعب. وعذلهم قيس بن الهيثم منهم في طاعة أهل الشام فأعرضوا عنه. ولما تدانى العسكران بعث عبد الملك إلى مصعب بقول، فقال: نجعل الأمر شورى فقال مصعب: ليس بيننا إلّا السيف فقدّم عبد الملك أخاه محمدا وقدّم مصعب إبراهيم بن الأشتر وأمدّه بالجيش، فأزال محمدا عن موقفه، وأمدّه عبد الملك بعبيد الله بن يزيد فاشتدّ القتال وقتل من أصحاب مصعب بن عمر الباهليّ والد قتيبة، وأمدّ مصعب إبراهيم بعتّاب بن ورقاء فساء ذلك إبراهيم ونكره. وقال أوصيته لا يمدّني بعتاب وأمثاله وكان قد بايع لعبد الملك فجر الهزيمة على إبراهيم وقتله وحمل رأسه إلى عبد الملك.
وتقدّم أهل الشام فقاتل مصعب ودعا رءوس العراق إلى القتال فاعتذروا وتثاقلوا فدنا محمد بن مروان من مصعب وناداه بالأمان وأشعره بأهل العراق فأعرض عنه، فنادى ابنه عيسى بن مصعب فأذن له أبوه في لقائه فجاءه وبذل له الأمان وأخبر أباه فقال: أتظنهم يعرفون لك ذلك؟ فإن أحببت فافعل قال: لا يتحدّث نساء قريش
[1] مختوم هي مضاف اليه والأصح بكتاب مختوم.
أنى رغبت بنفسي عنك. قال: فاذهب إلى عمك بمكّة فأخبره بصنيع أهل العراق ودعني، فإنّي مقتول. فقال: لا أخبر قريشا عنك أبدا، ولكن الحق أنت بالبصرة فإنّهم على الطاعة أو بأمير المؤمنين بمكّة فقال: لا يتحدّث قريش أني فررت. ثم قال لعيسى: تقدّم يا بني أحتسبك فتقدّم في ناس فقتل وقتلوا. وألح عبد الملك في قبول أمانه فأبى ودخل سرادقه فتحفظ ورمى السرادق وخرج فقاتل ودعاه عبيد الله بن زياد بن ضبيان فشتمه وحمل عليه وضربه فجرحه. وخذل أهل العراق مصعبا حتى بقي في سبعة أنفس، وأثخنته الجراحة فرجع إليه عبيد الله بن زياد ابن ضبيان فقتله وجاء برأسه إلى عبد الملك فأمر له بألف دينار فلم يأخذها. وقال:
إنما قتلته بثأر أخي. وكان قطع الطريق فقتله صاحب شرطته وقيل: إنّ الّذي قتله زائدة بن قدامة الثقفي من أصحاب المختار وأخذ عبيد الله رأسه وأمر عبد الملك به وبابنه عيسى فدفنا بدار الجاثليق عند نهر رحبيل وكان ذلك سنة إحدى وسبعين. ثم دعا عبد الملك جند العراق إلى البيعة فبايعوه وسار إلى الكوفة فأقام بالنخيلة أربعين يوما وخطب الناس فوعد المحسن، وطلب يحيى بن سعيد من جعفة وكانوا أخواله فأحضروه فأمّنه وولّى أخاه بشر بن مروان على الكوفة ومحمد بن نمير على همدان ويزيد بن ورقاء بن رويم على الري ولم يف لهم بأصبهان كما شرطوا عليه، وكان عبد الله بن يزيد بن أسد والد خالد القسري، ويحيى بن معتوق الهمدانيّ قد لجئا إلى علي بن عبد الله بن عبّاس ولجأ هذيل بن زفر بن الحرث وعمر بن يزيد الحكمي إلى خالد بن يزيد فأمنهم عبد الملك وصنع عمر بن حريث لعبد الملك طعاما فأخبره بالخورنق وأذن للناس عامة فدخلوا، وجاء عمر بن حريث فأجلسه معه على سريره وطعم الناس. ثم طاف مع عمر بن حريث على القصر يسأله عن مساكنه ومعالمه ولما بلغ عبد الله بن حازم مسير مصعب لقتال عبد الملك قال: أمعه عمر بن معمر؟
قيل: هو على فارس. قال: فالمهلب قيل: في قتال الخوارج، قال: فعبّاد بن الحسين؟ قيل على البصرة. قال: وأنا بخراسان!
خذيني فجرّيني جهارا وأنشدي
…
بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره
ثم بعث عبد الملك برأس مصعب إلى الكوفة، ثم إلى الشام فنصب بدمشق وأرادوا التطاوف [1] به فمنعت من ذلك زوجة عبد الملك عاتكة بنت يزيد بن
[1] لعله يقصد التطواف، والفعل طاف.