الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبر ابن المقتدر وأصحابه
قد ذكرنا أنّ عبد الواحد بن المقتدر لحق بعد مقتل أبيه بالمدائن، ومعه هارون بن غريب الحال ومفلح ومحمد بن ياقوت وابنا رائق. ثم انحدروا منها إلى واسط وأقاموا بها، وخشيهم القاهر على أمره واستأمن هارون بن غريب على أن يبذل ثلاثمائة ألف دينار وتطلق له أملاكه، فأمّنه القاهر ومؤنس وكتب له بذلك وعقد له على أعمال ماه الكوفة وماسبذان ومهروبان، وسار إلى بغداد وسار عبد الواحد بن المقتدر فيمن معه من واسط، ثم إلى السوس وسوق الأهواز، وطردوا العمّال وجبوا الأموال. وبعث مؤنس إليهم بليقا في العساكر وبذل أبو عبد الله البريدي في ولاية الأهواز خمسين ألف دينار فأنفقت في العساكر. وسار معهم وانتهوا إلى واسط ثم إلى السوس، فجاز عبد الواحد ومن معه من الأهواز إلى تستر، ثم فارقه جميع القوّاد واستأمنوا إلى بليق إلا ابن ياقوت ومفلحا ومسرورا الخادم، وكان محمد بن ياقوت مستبدّا على جميعهم في الأموال والتصرّف، فنفروا لذلك واستأمنوا لأنفسهم ولابن المقتدر إلى بليق، فأمّنهم بعد أن استأمنوا محمد بن ياقوت وأذن لهم، ثم استأمن هو على بليق إلى أمان القاهر ومؤنس، وساروا إلى بغداد جميعهم فوفّى لهم القاهر وأطلق لعبد الواحد أملاكه وترك لأمّه المصادرة التي صاردها، واستولى أبو عبد الله البريدي على أعمال فارس وأعاد إخوته إلى أعمالهم.
مقتل مؤنس وبليق وابنه
لما رجع محمد بن ياقوت من الأهواز واستخلصه القاهر واختصه لخلواته وشواره، وكانت بينه وبين الوزير ابن عليّ بن مقلة عداوة، فاستوحش لذلك ودسّ إلى مؤنس أنّ محمد بن ياقوت يسعى به عند القاهر، وأنّ عيسى الطبيب سفيره في ذلك، فبعث مؤنس عليّ بن بليق لإحضار عيسى، وتقدّم عليّ بن بليق بالاحتياط على القاهر، فوكّل به أحمد بن زيرك وضيّق على القاهر وكشف وجوه النساء المختلفات إلى القصر خشية إيصالهم الرقاع إلى القاهر حتى كشفت أواني الطعام، ونقل بليق المحابيس من دار الخلافة إلى داره وفيهم أمّ المقتدر فأكرمها عليّ بن بليق وأنزلهم عند أمّه فماتت في جمادى من سنة إحدى وعشرين. وعلم القاهر أنّ ذلك من مؤنس وابن مقلة فشرع في التدبير عليهم وكان طريف السبكري ونشرى من خدم
مؤنس قد استوحشا من مؤنس لتقدّم بليق وابنه عليهما. وكان اعتماد مؤنس على الساجيّة وقد جاءوا معه من الموصل ولم يوف لهم فاستوحشوا لذلك، فداخلهم القاهر جميعا وأغراهم بمؤنس وبليق، وبعث إلى أبي جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله وكان مختصا بابن مقلة وصاحب رأيه، فوعده بالوزارة فكان يطالعه بالأخبار. وشعر ابن مقلة بذلك فأبلغوا إلى مؤنس وبليق، وأجمعوا على خلع القاهر، واتفق بليق وابنه عليّ وابن مقلة والحسن بن هارون على البيعة لأبي أحمد بن المكتفي فبايعوه، وحلفوا له وأطلعوا مؤنسا على ذلك، فأشار بالمهل وتأنيس القاهر حتى يعرفوا من واطأه من القوّاد والساجيّة [1] والحجرية فأبوا وهوّنوا عليه الأمر في استعجال خلفه فأذن لهم، فأشاعوا أن أبا طاهر القرمطيّ ورد الكوفة، وندبوا عليّ بن بليق للمسير إليه ليدخل للوداع ويقبض على القاهر وابن مقلة كان نائما فلما استيقظ أعاد الكتاب إلى القاهر فاستراب. ثم جاءه طريف السيكري [2] غلام مؤنس في زي امرأة مستنصحا، فأحضره وأطلعه على تدبيرهم وبيعتهم لأبي أحمد بن المكتفي فأخذ القاهر حذره، وأكمن الساجيّة في دهاليز القصر وممرّاته، وجاء عليّ بن بليق في خف من أصحابه، واستأذن فلم يؤذن له، وكان ذا خمار فغضب وأفحش في القول فأخرج الساجيّة في السلاح وشتموه وردّوه، وفرّ عنه أصحابه وألقى بنفسه في الطيار وعبر إلى الجانب الغربي. واختفى الوزير ابن مقلة والحسن بن هارون، وركب طريف إلى دار القاهر، فأنكر بليق ما جرى لابنه وشتم الساجيّة وقال: لا بدّ أن أستعدي الخليفة عليهم، وجاء إلى القاهر ومعه قوّاد مؤنس، فلم يأذن له وقبض عليه وحبسه، وعلى أحمد بن زيرك صاحب الشرطة، وجاء العسكر منكرين لذلك فاسترضاهم ووعدهم بالزيارة وبإطلاق هؤلاء المحبوسين فافترقوا، وبعث إلى مؤنس بالحضور عنده ليطالعه برأيه فأبى فعزله، وولّى طريف السيكرى مكانه وأعطاه خاتمه وقال: قد فوّضت إلى ابني عبد الصمد ما كان المقتدر فوّضه إلى ابنه محمد، وقلّدتك خلافته ورياسة الجيش وإمارة الأمراء وبيوت الأموال كما كان مؤنس وأمض إليه وأحمله إلى دار الخلافة مرفّها عليه لئلا يجتمع إليه أهل الشرّ ويفسد ما بيننا
[1] الساجية أو الساجة فرقة من عسكر الخلافة مسماة بهذا الاسم على ما هو اصطلاح الملوك في تلقيب كل جماعة من العسكر تمييزا لهم عمن عداهم أهـ. من خط الشيخ العطّار.
[2]
طريف السكريّ وقد مرّ ذكره من قبل.
وبينه، فسار طريف إلى مؤنس وأخبره بأمان القاهر له ولأصحابه، وحمله على الحضور عنده وهوّن عليه أمره، وأنّ القاهر لا يقدر على مكروهة. فركب وحضر فقبض عليه القاهر وحبسه قبل أن يراه، وندم طريف على ما فعل واستوحش.
واستوزر القاهر أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله، ووكّل بدور مؤنس وبليق وابنه عليّ وابن مقلة وابن زيرك وابن هارون ونقل ما فيها، وأحرقت دار ابن مقلة، وجاء محمد بن ياقوت وقام بالحجبة، فتنكّر له طريف السيكري والساجيّة فاختفى ولحق بابنه بفارس، وكتب إليه القاهر بالعتب على ذلك وولّاه الأهواز، وكان الّذي دعا طريفا السيكري إلى الانحراف عن مؤنس وبليق أن مؤنسا رفع رتبة بليق وابنه عليه بعد أن كانا يخدمانه، فأهملا جانبه. ثم اعتزم بليق على أن يولّيه مصر وفاوض في ذلك الوزير ابن مقلة، فوافق عليه. ثم أراد عليّ بن بليق عمل مصر لنفسه، ومنع من إرسال طريف فتربّص بهم. وأما الساجيّة فكانوا مع مؤنس بالموصل وكان يعدهم ويمنّيهم. ولما ولي القاهر واستبدّ بأمره لم يف لهم. وكان من أعيانهم الخادم صندل، وكان له بدار القاهر خادم اسمه مؤتمن باعه واتصل بالقاهر قبل الخلافة، فاستخلفه، فلمّا شرع في التدبير على مؤنس وبليق بعث مؤنسا هذا إلى صندل يمتّ إليه تقديمه ويدخله في أمر القاهر وإزالة الحجر عنه. فقصد إلى صندل وزوجته وتلطّف ووصف القاهر بما شاء من محاسن الأخلاق، وحمل زوجته على الدخول إلى دار القاهر حتى شافهها بما أراد إبلاغه إلى صندل، وداخل صندل في ذلك سيما من قوّاد الساجيّة، واتفقوا على مداخلة طريف السيكري في ذلك لعلمهم باستيحاشه من مؤنس، فأجابهم على شريطة الإبقاء على مؤنس وبليق وابنه، وأن لا يزال مؤنس من مرتبته وتحالفوا على ذلك من الجانبين. وطلب طريف عهد القاهر بخطّه، فكتب وزاد فيه أنه يصلّي بالناس ويخطب لهم ويحج بهم ويغزو معهم ويتّئد لكشف المظالم وغير ذلك من حسن السيرة، وكان جماعة من الحجرية قد أبعدهم ابن بليق وأدال منهم بأصحابه، فداخلهم طريف في أمر القاهر فأجابوه، ونمي الخبر بذلك إلى ابن مقلة وإلى بليق، وأرادوا القبض على قوّاد الساجيّة والحجرية. ثم خشوا الفتنة ودبّروا على القاهر فلم يصلوا إليه لاحتجابه عنهم بالمرض. فوضعوا أخبار القرامطة كما قدّمناه. ولمّا قبض القاهر على مؤنس ولّى الحجابة سلامة الطولوني. وعلى الشرطة أحمد بن خاقان، واستوزر أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبد الله مكان ابن مقلة،