الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبني ما خرّبه الروم من سور ملطية من سورة الروم، وردّ إليها أهلها وأنزل بها الجند ودخل دار الحرب من درب الحرث وتوغّل في أرضهم. ودخل جعفر بن حنظلة البهراني من درب ملطية. وفي سنة تسع وثلاثين كان الفداء بين المسلمين والروم في أسرى قاليقلا وغيرهم. ثم غزا بالصائفة سنة أربعين عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام ومعه الحسن بن قحطبة، وسار إليهم قسطنطين ملك الروم في مائة ألف فبلغ جيحان وسمع كثرة المسلمين فأحجم عنهم ورجع، ولم تكن بعدها صائفة إلى سنة ست وأربعين، لاشتغال المنصور بفتنة بني حسن. وفي سنة ست وأربعين خرج الترك والحدر بن باب الأبواب وانتهوا إلى أرمينية وقتلوا من أهلها جماعة ورجعوا. وفي سنة سبع وأربعين أغار أستر خان الخوارزمي في جمع من الترك على أرمينية فغنم وسبى ودخل تفليس فعاث فيها. وكان حرب بن عبد الله مقيما بالموصل في ألفين من الجند لمكان الخوارزمي بالجزيرة، فأمره المنصور بالمسير لحرب الترك مع جبريل بن يحيى، فانهزموا وقتل حرب في كثير من المسلمين. وفيها غزا بالصائفة مالك بن عبد الله الخثعميّ من أهل فلسطين، ويقال له ملك الصوائف فغنم غنائم كثيرة وقسّمها بدرب الحرث [1] وفي سنة تسع وأربعين غزا بالصائفة العبّاس بن محمد ومعه الحسن بن قحطبة ومحمد بن الأشعث، فدخلوا أرض الروم وعاثوا ورجعوا. ومات محمد بن الأشعث في طريقه في سنة إحدى وخمسين وقتل أخوه محمد ولم يدر. ثم غزا بالصائفة سنة أربع وخمسين زفر بن عاصم الهلالي. وفي سنة خمس بعدها طلب ملك الروم الصلح على أن يؤدي الجزية، وغزا بالصائفة يزيد بن أسيد السلميّ وغزا بها سنة ست وخمسين وغزا بالصائفة معيوب بن يحيى من درب الحرثى ولقي العدوّ فاقتتلوا ثم تحاجزوا.
وفاة المنصور وبيعة المهدي
وفي سنة ثمان وخمسين توفي المنصور منصرفا من الحج ببئر ميمون لست خلت من ذي الحجة وكان قد أوصى المهدي عند وداعه فقال: لم أدع شيئا إلا تقدّمت إليك فيه
[1] ذكر ابن الأثير هذه الحادثة ولكن في حوادث ستة وأربعين ومائة وليس سبعة وأربعين ج 5 ص 576 «وفيها غزا مالك بن عبد الله الخثعميّ، الّذي يقال له مالك الصوائف (وهو من أهل فلسطين) بلاد الروم فغنم غنائم كثيرة ثم قفل، فلما كان من درب الحدث على خمسة عشر ميلا بموضع يدعى الرهوة نزل بها ثلاثا وباع الغنائم وقسم سهام الغنيمة. فسحبت تلك الرهوة، رهوة مالك.»
وسأوصيك بخصال وما أظنك تفعل واحدة منها، وله سفط فيه دفاتر علمه وعليه قفل لا يفتحه غيره، فقال للمهدي: انظر إلى هذا السفط فاحتفظ به فإنّ فيه علم آبائك ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، فإن أحزنك أمر فانظر في الدفتر الكبير، فإن أصبت فيه ما تريد وإلّا ففي الثاني والثالث حتى تبلغ سبعة. فإن ثقل عليك فالكراسة الصغيرة فإنك واجد ما تريد فيها وما أظنك تفعل. فانظر هذه المدينة وإياك أن تستبدل بها غيرها، وقد جمعت فيها من الأموال ما أنكر عليك الخراج عشر سنين كفاك لأرزاق الجند والنفقات والذريّة ومصلحة البيوت. فاحتفظ بها فإنك لا تزال عزيزا ما دام بيت مالك عامرا وما أظنك تفعل. وأوصيك بأهل بيتك وأن تظهر كرامتهم وتحسن إليهم وتقدّمهم وتوطئ الناس أعقابهم وتوليهم المنابر فإنّ عزّك عزّهم وذكرهم لك وما أظنك تفعل. وأوصيك بأهل خراسان خيرا فإنّهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم ودماءهم في دولتك وأن لا تخرج محبتك من قلوبهم، وأن تحسن إليهم وتتجاوز عن مسيئهم وتكافئهم عما كان منهم، وتخلف من مات منهم في أهله وولده وما أظنك تفعل. وإياك أن تبني مدينة الشرقيّة فإنك لا تتمّ بناءها وأظنك ستفعل. وإياك أن تستعين برجل من بني سليم وأظنك ستفعل. وإياك أن تدخل النساء في أمرك وأظنك ستفعل. وقيل قال له: إني ولدت في ذي الحجة وولّيت في ذي الحجة وقد يحس في نفسي أن أموت في ذي الحجة في هذه السنة، وإنما حدّ لي الحج على ذلك. فاتق الله فيما أعهد إليك من أمور المسلمين بعدي يجعل لك فيما كربك وحزنك فرجا ومخرجا ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث لا تحتسب.
يا بني احفظ محمدا صلى الله عليه وسلم في أمّته يحفظك الله ويحفظ عليك أمورك، وإياك والدم الحرام فإنه حوب عند الله عظيم وعار في الدنيا لازم مقيم، والزم الحدود فإنّ فيها صلاحك في الآجل وصلاحك في العاجل، ولا تعتد فيها فتبور، فإنّ الله تعالى لو علم أنّ شيئا أصلح منها لدينه وأزجر عن معاصيه لأمر به في كتابه. واعلم أنّ من شدّة غضب الله لسلطانه أمر في كتابه بتضعيف العذاب والعقاب على من سعى في الأرض فسادا مع ما ادّخر له من العذاب الأليم فقال: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الْأَرْضِ فَساداً 5: 33 الآية. فالسلطان يا بني حبل الله المتين وعروته الوثقى ودينه المقيم فاحفظه وحصّنه وذبّ عنه، وأوقع بالملحدين اقمع المارقين منه، وقابل الخارجين عنه بالعقاب، ولا تجاوز ما أمر الله به في محكم القرآن. واحكم بالعدل
ولا تشطط فإنّ ذلك أقطع للشعث وأحسم للعدوّ وأنجع في الدواء، واعف عن الفيء فليس بك إليه حاجة مع ما أخلفه لك وافتتح بصلة الرحم وبرّ القرابة وإياك والأثرة والتبديد لأموال الرعيّة واشحن الثغور واضبط الأطراف وأمّن السبيل وسكن العامة، وأدخل المرافق عليهم وارفع المكاره عنهم وأعدّ الأموال واخزنها، وإياك والتبديد فإنّ النوائب غير مأمونة وهي من شيم الزمان. وأعدّ الأكراع والرجال والجند ما استطعت. وإياك وتأخير عمل اليوم لغد فتتداول الأمور وتضيع، وخذ في أحكام الأمور والنازلات في أوقاتها أوّلا أوّلا، واجتهد وشمّر فيها وأعدّ رجالا بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار، ورجالا بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل. وباشر الأمور بنفسك ولا تضجر ولا تكسل، واستعمل حسن الظنّ وأسئ الظنّ بعملك وكتابك، وخذ نفسك بالتيقظ وتفقّد من يبيت على بابك وسهّل إذنك للناس وانظر في أمر النزاع إليك وكل بهم عينا غير نائمة ونفسا غير ساهية. ولا تنم فإنّ أباك لم ينم منذ ولي الخلافة ولا دخل عينه الغمض إلا وقلبه مستيقظ. هذه وصيتي إليك والله خليفتي عليك. ثم ودّعه وسار إلى الكوفة فأحرم منها قارنا، وساق الهدي وأشعره وقلّده لأيام خلت من ذي القعدة. ولما سار منازل عرض له وجعه الّذي مات به. ثم اشتدّ فجعل يقول للربيع وكان عديله بادر بي إلى حرم ربّي هاربا من ذنوبي فلما وصل بئر ميمون مات سحر السادس من ذي الحجة لم يحضر إلا خدمه والربيع مولاه. فكتموا الأمر ثم غدا أهل بيته على عادتهم، فدعا عيسى بن عليّ العم ثم عيسى بن موسى بن محمد ولي العهد، ثم الأكابر وذوي الأنساب، ثم عامّتهم، فبايعهم الربيع للمهدي ثم بايع القوّاد وعامّة الناس. وسار العبّاس بن محمد ومحمد بن سليمان إلى مكة فبايعا الناس للمهدي بين الركن والمقام وجهزوه إلى قبره وصلى عليه عيسى بن موسى وقيل إبراهيم ابن يحيى، ودفن في مقبرة المعلاة وذلك لاثنتين وعشرين سنة من خلافته. وذكر علي بن محمد النوفليّ عن أبيه وهو من أهل البصرة وكان يختلف إلى المنصور تلك الأيام قال: جئت من مكة صبيحة موته إلى العسكر، فإذا موسى بن المهدي عند عمود السرادق والقاسم بن المنصور في ناحية فعلمت أنه قد مات. ثم أقبل الحسن بن زيد العلويّ والناس حتى ملئوا السرادق وسمعنا همس البكاء. ثم خرج أبو العنبر الخادم مشقوق الأقبية وعلى رأسه التراب وهو يستغيث، وقام القاسم فشق ثيابه. ثم خرج الربيع وفي يده قرطاس فقرأه على الناس وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله