الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخمسين عقد المعتز لبغا ووصيف على أعمالها، وردّ البريد إلى موسى بن بغا الكبير، وعقد محمد بن طاهر لأبي الساج وقدّم بين يديه عبد الرحمن كما قلنا، وأظهر أنه إنما جاء لحرب الأعراب وتلطّف لأبي أحمد حتى خالطه وقيّده وبعث به إلى بغداد في سنة اثنتين وخمسين. وولّى المعتز الحسين بن أبي الشوارب على القضاء وبعث محمد ابن عبد الله بن طاهر أبا الساج على طريق مكة، وعقد المعتز لعيسى الشيخ بن السليل الشيبانيّ من ولد جسّاس بن مرّة على الرملة فاستولى على فلسطين وعلى دمشق وأعمالها، وقطع ما كان يحمل من الشام. وكان إبراهيم بن المدبّر على مصر فبعث إلى بغداد من المال بسبعمائة ألف دينار فاعترضها عيسى وأخذها، وطولب بالمال فقال:
الفتنة على الجند! فولّاه المعتمد على أرمينية يقيم بها دعواه. وبعث المعتمد إلى الشام ما جور على دمشق وأعمالها، وبلغ الخبر إلى عيسى فبعث ابنه منصورا في عشرين ألف مقاتل، فانهزم وقتل وسار عيسى إلى أرمينية على طريق الساحل. وفيها عقد وصيف لعبد العزيز بن أبي دلف العجليّ على أعمال الجبل. وفي سنة ثلاث وخمسين عقد لموسى بن بغا على الجبل، فسار وفي مقدمته مفلح مولى بني الساج، وقاتله عبد العزيز بن أبي دلف فانهزم ولجأ إلى قلعة لهادر [1] وملك مفلح الكرخ، وأخذ أهله وعياله، وفيها مات ابن عبد الله بن طاهر ببغداد وولّى أخوه عبيد الله بعهده. ثم بعث المعتز عن أخيه سليمان بطبرستان فولّاه مكانه، وكان على الموصل سليمان بن عمران الأزدي، وكانت بينه وبين الأزد حروب بنواحي الموصل. وفيها مات مزاحم بن خاقان بمصر. وفيها ملك يعقوب الصفّار سجستان وفارس وهراة، وكان ابتداء دولته، وولى بابكيال أحمد بن طولون على برّ مصر من قبله فكان ابتداء دولته. ثم أقطعها المعتمد سنة سبع وخمسين ليارجوج [2] فولى عليها أحمد بن طولون من قبله وفي سنة خمس وخمسين أيام المهتدي استولى مساور الخارجي على الموصل وفيها ظهر صاحب الزنج وكان ابتداء فتنته.
أخبار صاحب الزنج وابتداء فتنته
كان أكثر دعاة العلوية الخارجين بالعراق أيام المعتصم وما بعده أكثرهم من
[1] هكذا في الأصل وفي الكامل لابن الأثير ج 7 ص 178: «ومضى إلى قلعة له يقال لها: زرّ فتحصّن بها ودخل مفلح كرج» .
[2]
ياركوج: ابن الأثير ج 7 ص 241.
الزيديّة، وكان من أئمتهم عليّ بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهير وكان نازلا بالبصرة، ولما وقع البحث عليه من الخلفاء ظفروا بابن عمّه عليّ بن محمد بن الحسين، فقتل بغدك ولأيام من قتله خرج رجل بالريّ يدّعي أنه عليّ بن محمد بن أحمد بن عيسى المطلوب وذلك سنة خمس وخمسين ومائتين أيام المهتدي. ولما ملك البصرة لقي عليّا هذا حيّا معروف النسب، فرجع عن ذلك وانتسب إلى يحيى قتيل الجوزجان أخي عيسى المذكور. ونسبه المسعوديّ إلى طاهر بن الحسين وأظنّه الحسين ابن طاهر بن يحيى المحدّث بن الحسين بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن عليّ، لأن ابن حزم قال في الحسين السبط أنه لا عقب له إلا من عليّ بن الحسين، وقال فيه عليّ بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر. وقال الطبريّ وابن حزم وغيرهم من المحقّقين أنه من عبد القيس، واسمه عليّ بن عبد الرحيم من قرية من قرى الريّ، ورأى كثرة خروج الزيديّة فحدّثته نفسه بالتوثّب فانتحل هذا النسب، ويشهد لذلك أنه كان على رأي الأزارقة من الخوارج، ولا يكون ذلك من أهل البيت.
وسياقة خبره أنه كان اتصل بجماعة من حاشية المنتصر ومدحهم. ثم شخص من سامرّا إلى البحرين سنة تسع وأربعين ادّعى أنه من ولد العبّاس بن أبي طالب من ولد الحسن بن عبد الله بن العبّاس، ودعا الناس إلى طاعته فاتبعه كثير من أهل حجر وغيرها، وقاتلوا أصحاب السلطان بسببه وعظمت فتنته، فتحوّل عنهم إلى الأحساء ونزل على بني الشمّاس من سعد بن تميم، وصحبه جماعة من البحرين منهم يحيى بن محمد الأزرق وسليمان بن جامع، فكانا قائدين له، وقاتل أهل البحرين فانهزم وافترقت العرب عنه واتبعه عليّ بن أبان وسار إلى البصرة ونزل في بني ضبيعة وعاملها يومئذ محمد بن رجاء، والفتنة فيها بين البلاليّة والسعديّة، وطلبه ابن رجاء فهرب وحبس ابنه وزوجته وجماعة من أصحابه، فسار إلى بغداد وأقام بها حولا وانتسب إلى محمد بن أبي أحمد بن عيسى كما قلناه، واستمال بها جماعة منهم جعفر ابن محمد الصوحانيّ من ولد زيد بن ضوحان ومسروق ورفيق غلامان ليحيى بن عبد الرحمن وسمّى مسروقا حمزة وكنّاه أبا أحمد، وسمّى رفيقا جعفرا وكنّاه أبا الفضل.
ثم وثب رؤساء البلاليّة والسعديّة بالبصرة وأخرجوا العامل محمد بن رجاء، فبلغه ذلك وهو ببغداد، وأنّ أهله خلعوه فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين ويحيى بن محمد وسليمان بن جامع ومسروق ورفيق، فنزل بقصر القرش
ودعا الغلمان من الزنوج ووعدهم بالعتق فاجتمع له منهم خلق وخطبهم ووعدهم بالملك ورغّبهم في الإحسان وحلف لهم وكتب لهم في خرقة إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم الآية. واتخذها راية وجاءه موالي الزنوج في عبيدهم فأمر كل عبد أن يضرب مولاه وحبسهم ثم أطلقهم، ولم يزل هذا رأيه والزنوج في متابعته والدخول في أمره وهو يخطبهم في كل وقت ويرغّبهم. ثم عبر دجيلا إلى نهر ميمون، فأخرج عند الحميريّ وملكه وسار إلى الأيلّة وبها ابن أبي عون فخرج إليه في أربعة آلاف فهزمهم ونال منهم. ثم سار إلى القادسية فنهبها وكثر سلاحهم، وخرج جماعة من أهل البصرة لقتاله، فبعث إليهم يحيى بن محمد في خمسمائة رجل فهزمهم وأخذ سلاحهم. ثم طائفة أخرى كذلك وأخرى، وخرج قائدان من البصرة فهزمهما وقتل منهما، وكانت معهما سفن ألقتها الريح إلى الشطّ فغنموا ما فيها وقتلوا وكثر عيثه وفساده. وجاء أبو هلال من قوّاد الأتراك في أربعة آلاف مقاتل فلقيه على نهر الريان فهزمه الزنج واستلحموا أكثر أصحابه، ثم خرج أبو منصور أحد موالي الهاشميين في عسكر عظيم من المطوعة والبلاليّة والسعديّة فسرّح للقائهم علي بن أبان فلقي طائفة منهم فهزمهم، ثم أرسل طائفة أخرى إلى مرفأ السفن وفيه نحو من ألفي سفينة فهرب عنها أهلها ونهبوها، ثم جاءت عساكر أبي منصور وقعد الزنوج لهم بين النخل وعليهم عليّ بن أبان، ومحمد بن مسلم، فهزموا العسكر وقتلوا منهم وأخذوا سلاحهم. ثم سار فنهب القرى حتى امتلأت أيديهم بالنهب. ثم سار يريد البصرة ولقيته عساكرها فهزمهم الزنج وأثخنوا فيهم. ثم سار من الغد نحو البصرة وخرج إليه أهلها واحتشدوا وزحفوا إليه برّا وبحرا فلقيهم بالسدّ وانهزموا هزيمة شنعاء كثر فيها القتل. ووهن أهل البصرة وكتبوا إلى الخليفة فبعث إليهم جعلان التركي مددا وولّى على الأبلّة أبا الأحوص الباهلي وأمّه بجند من الأتراك، وقد بثّ صاحب الزنج أصحابه يمينا وشمالا للغارة والنهب. ولما وصل جعلان إلى البصرة، نزل على فرسخ منهم وخندق عليه، وأقام ستة أشهر يسرّح لحربهم الزيني مع بني هاشم ومرجف. ثم بيته الزنج فقتلوا جماعة من أصحابه، وتحوّل عن مكانه ثم انصرف عن حربهم وظفر صاحب الزنج بعده من المراكب غنم فيها أموالا عظيمة، وقتل أهلها وألحّ بالغارات على الأبلّة إلى أن دخلها عنوة آخر رجب سنة ست وخمسين، وقتل عاملها أبا الأخوص عبيد الله ابن حميد الطوسي وخلقا من أهلها واستباحها وأحرقها وبلغ ذلك أهل عبّادان