الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخرج أبو نفيس هاربا من مكان استتاره إلى الموصل، ثم إلى أرمينية، ولحق بالقسطنطينية فتنصّر، وهرب أبو السرايا أخو أبي الهيجاء إلى الموصل، وأعاد المقتدر أبا عليّ بن مقلة إلى الوزارة، وأطلق للجند أرزاقهم وزادهم. وبيع ما في الخزائن بأرخص الأثمان وأذن في بيع الأملاك لتتمة الأعطيات، وأعاد مؤنسا إلى محلّه من تدبير الدولة والتعويل عليه في أموره. ويقال إنه كان مقاطعا للمقتدر وإنه الّذي دسّ إلى المصافيّة والحجرية بما فعلوه، ولذلك قعد عن الحضور إلى القاهر. ثم إن المقتدر حبس أخاه القاهر عند أمّه فبالغت في الإحسان إليه والتوسعة عليه في النفقة والسراري.
أخبار قوّاد الديلم وتغلبهم على أعمال الخليفة
قد تقدّم لنا الخبر عن الديلم في غير موضع من الكتاب، وخبر افتتاح بلادهم بالجبال والأمصار التي تليها، مثل طبرستان وجرجان وسارية وآمد وأستراباذ، وخبر إسلامهم على يد الأطروش، وأنّه جمعهم وملك بهم بلاد طبرستان سنة إحدى وثلاثمائة، وملك من بعده أولاده والحسن بن القاسم الداعي صهره، واستعمل منهم القوّاد على ثغورها فكان منهم ليلى بن النعمان، كانت إليه ولاية جرجان عن الحسن ابن القاسم الداعي سنة ثمان ثلاثين. وكانت بين بني سامان وبين بني الأطروش والحسن بن القاسم الداعي وقوّاد الديلم حروب هلك فيها ليلى بن النعمان سنة تسع وثلاثمائة، لأنّ أمر الخلفاء كان قد انقطع عن خراسان، وولّوها لبني سامان فكانت بسبب ذلك بينهم وبين أهل طبرستان من الحروب ما أشرنا إليه. ثم كانت بعد ذلك حرب مع بني سامان فولّاها من قوّاد الديلم شرخاب بن بهبودان وهو ابن عم ما كان ابن كالي وصاحب جيش أبي الحسن الأطروش، وقاتله سيمجور صاحب جيش بني سامان، فهزمه وهلك شرخاب، وولّى ابن الأطروش ما كان بن كالي على أستراباذ، فاجتمع إليه الديلم وقدّموه على أنفسهم، واستولى على جرجان كما يذكر ذلك كله في أخبار العلويّة. وكان من أصحاب ما كان هذا أسفار ابن شيرويه من قوّاد الديلم عن ما كان إلى قوّاد بني سامان. فاتصل ببكر بن محمد بن أليسع بنيسابور، وبعثه في الجنود لافتتاح جرجان، وبها أبو الحسن بن كالي نائبا عن أخيه ما كان وهو بطبرستان. فقتل أبو الحسن وقام بأمر جرجان عليّ بن خرشيد. ودعا
أسفار بن شيرويه إلى حمايتها من ما كان، فزحف إليهم من طبرستان فهزموه وغلبوه عليها ونصبوا أبا الحسن وعليّ بن خرشيد. فزحف ما كان إلى أسفار وهزمه وغلبه على طبرستان، ورجع إلى بكر بن محمد بن أليسع بجرجان. ثم توفي بكر سنة خمس عشرة، فولّى نصر بن أحمد بن سامان أسفار بن شيرويه مكانه على جرجان، وبعث أسفار عن مرداويج بن زيار الجبليّ وقدّمه على جيشه، وقصدوا طبرستان فملكوها. وكان الحسن بن القاسم الداعي قد استولى على الريّ وأعمالها من يد نصر بن سامان، ومعه قائده ما كان بن كالي. فلمّا غلب أسفار على طبرستان زحف إليه الداعي وقائده ما كان فانهزما وقتل الداعي ورجع ما كان إلى الريّ، واستولى أسفار ابن شيرويه على طبرستان وجرجان، ودعا النصر بن أحمد بن سامان، ونزل سارية واستعمل على آمد هارون بن بهرام. ثم سار أسفار إلى الريّ، فأخذها من يد ما كان ابن كالي وسار ما كان إلى طبرستان واستولى أسفار على سائر أعمال الريّ وقزوين وزنجان وأبهر وقمّ والكرخ، وعظمت جيوشه وحدّثته نفسه بالملك، فانتقض على نصر بن سامان صاحب خراسان، واعتزم على حربه وحرب الخليفة. وبعث المقتدر هارون بن غريب الحال في عسكر إلى قزوين، فحاربه أسفار وهزمه وقتل كثيرا من أصحابه. ثم زحف إليه نصر بن سامان من بخارى فراسله في الصلح وضمان أموال الجباية، فأجابه وولّاه ورجع إلى بخارى، فعظم أمر أسفار وكثر عيثه وعسف جنده، وكان قائده مرداويج من أكبر قوّاده قد بعثه أسفار إلى سلار صاحب سميرم، والطرم يدعوه إلى طاعته. فاتفق مع سلار على الوثوب بأسفار، وقد باطن في ذلك جماعة من قوّاد أسفار ووزيره محمد بن مطرف الجرجاني. ونمي الخبر إلى أسفار وثار به الجند، فهرب إلى بيهق. وجاء مرداويج من قزوين إلى الريّ، وكتب إلى ما كان بن كالي يستدعيه من طبرستان ليظاهره على أسفار، فقصد ما كان أسفار، فهرب أسفار إلى الريّ ليتّصل بأهله وماله، وقد كان أنزلهم بقلعة المرت. وركب المفازة إليها، ونمي الخبر إلى مرداويج فسار لاعتراضه وقدّم بعض قوّاده أمامه فلحقه القائد وجاء به إلى مرداويج فقتله ورجع إلى الريّ ثم إلى قزوين، وتمكن في الملك وافتتح البلاد وأخذ همذان والدّينور وقمّ وقاشان وأصبهان، وأساء السيرة في أهل أصبهان وصنع سريرا من ذهب لجلوسه. فلما قوي أمره نازع ما كان في طبرستان فغلبه عليها ثم سار إلى جرجان فملكها وعاد إلى أصبهان ظافرا. وسار ما كان على الديلم
مستنجدا بأبي الفضل الثائر بها، وسار معه إلى طبرستان فقاتلهم عاملها من قبل مرداويج بالقسم بن بايحين وهزمهم، ورجع الثائر إلى الديلم وسار ما كان إلى نيسابور، ثم سار إلى الدامغان فصدّه عنها القسم فعاد إلى خراسان. وعظم أمر مرداويج واستولى على بلد الريّ والجبل واجتمع إليه الديلم وكثرت جموعه وعظم خرجه. فلم يكف ما في يده من الأعمال فسما إلى التغلّب على النواحي، فبعث إلى همذان الجيوش مع ابن أخته، وكانت بها عساكر الخليفة مع محمد بن خلف، فحاربهم وهزمهم وقتل ابن أخت مرداويج. فسار من الريّ إلى همذان وهرب عسكر الخليفة عنها وملكها مرداويج عنوة واستباحها. ثم أمّن بقيتهم. وأنفذ المقتدر هارون بن غريب الحال في العساكر فلقيه مرداويج وهزمهم واستولى على بلاد الجبل وما وراء همذان، وبعث قائده إلى الدينور ففتحها عنوة، وانتهت عساكره إلى حلوان فقتل وسبى. وسار هارون إلى قرقيسيا فأقام بها واستمدّ المقتدر وكان معه اليشكريّ من قوّاد أسفار، وكان قد استأمن بعد أسفار إلى الخليفة وسار في جملته.
وجاء مع هارون في هذه الغزاة إلى نهاوند لحمل المال إليه منها. فلمّا دخلها استمدّت [1] عينه إلى ثروة أهلها، فصادرهم على ثلاثة آلاف ألف دينار، واستخرجها في مدّة أسبوع، وجنّد بها جندا ومضى إلى أصبهان، وبها يومئذ ابن كيغلغ قبل استيلاء مرداويج عليها، فقاتله أحمد وانهزم وملك اليشكري أصبهان، ودخل إليها أصحابه، وقام بظاهرها. وسار أحمد بن كيغلغ في ثلاثين فارسا إلى بعض قرى أصبهان وركب اليشكري ليتطوّف على السور، فنظر إليهم فسار نحوهم فقاتلوه، وضربه أحمد بن كيغلغ على رأسه بالسيف فقدّ المغفر وتجاوزه إلى دماغه فسقط ميتا. وقصد أحمد المدينة ففرّ أصحاب اليشكري، ودخل أحمد إلى أصبهان وذلك قبل استيلاء عسكر مرداويج عليها، فاستولى عليها وجدّدوا له فيها مساكن أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف العجليّ وبساتينه، وجاء مرداويج في أربعين أو خمسين ألفا، فنزلها وبعث جمعا إلى الأهواز فاستولوا عليها، وعلى خوزستان كذلك، وجبى أموالها وقسّم الكثير منها في أصحابه، وادّخر الباقي وبعث إلى المقتدر يطلب ولاية هذه الأعمال وإضافة همذان وماه الكوفة إليها على مائتي ألف دينار في كل سنة، فأجابه وقاطعه وولّاه وذلك سنة تسع عشرة. ثم دعا مرداويج
[1] الأصح ان يقول: امتدت.