الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يزيد، فإنه حلف أن لا يقبل بيعة إلّا أن يؤتى بك في جامعه فلا يضرب الناس بعضهم بعضا، فإنك في بلد حرام. فأرسل عبد الله بن الزبير من اجتمع له من أهل مكة مع عبد الله بن صفوان فهزموا أنيسا بذي طوى وقتل أنيس في الهزيمة وتخلّف عن عمر بن الزبير أصحابه فدخل دار ابن علقمة وأجاره عبدة بن الزبير. وقال لأخيه:
قد أجرته فأنكر ذلك عليه. وقيل: إنّ صفوان قال لعبد الله بن الزبير: اكفني أخاك أنا أكفيك أنيس بن عمرو، وسار إلى أنيس فهزمه وقتله. وسار مصعب بن عبد الرحمن إلى عمر فتفرّق عنه أصحابه، وأجاره أخوه عبدة، فلم يجز أخوه عبد الله جواره وضربه بكل من ضربه بالمدينة وحبسه بسجن عارم ومات تحت السياط.
مسير الحسين إلى الكوفة ومقتله
ولما خرج الحسين إلى مكة لقيه عبد الله بن مطيع وسأله أين تريد؟ فقال: مكة وأستخير الله فيما بعد، فنصحه أن لا يقرب الكوفة، وذكره قتلهم أباه وخذلانهم أخاه، وأن يقيم بمكة لا يفارق الحرم حتى يتداعى إليه الناس. ورجع عنه وترك الحسين بمكّة فأقام والناس يختلفون إليه، وابن الزبير في جانب الكعبة يصلي ويطوف عامة النهار، ويأتي الحسين فيمن يأتي ويعلم أنّ أهل الحجاز لا يلقون إليه مع الحسين.
ولما بلغ أهل الكوفة بيعة يزيد ولحاق الحسين بمكة اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد وكتبوا إليه عن نفر منهم سليمان والمسيب بن محمد، ورفاعة بن شدّاد، وحبيب ابن مظاهر وغيرهم يستدعونه وأنهم لم يبايعوا للنعمان، ولا يجتمعون معه في جمعة ولا عيد، ولو جئتنا أخرجناه وبعثوا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمدانيّ، وعبد الله بن وال ثم كتبوا إليه ثانيا بعد ليلتين نحو مائة وخمسين صحيفة، ثم ثالثا يستحثونه للحاق بهم كتب له بذلك شيث بن ربعيّ وحجاز بن ابجر ويزيد بن الحرث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمر بن الحجّاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي فأجابهم الحسين: فهمت ما قصصتم وقد بعثت إليكم ابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، يكتب إليّ بأمركم ورأيكم، فإن اجتمع ملؤكم على مثل ما قدمت به رسلكم أقدم عليكم قريبا. ولعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب، القائم بالقسط، الدين بدين الحق. وسار مسلم فدخل المدينة وصلى في المسجد وودّع أهله واستأجر دليلين من قيس فضلّا الطريق وعطش القوم فمات الدليلان بعد أن أشارا
إليهم بموضع الماء، فانتهوا إليه وشربوا ونجوا فتطيّر مسلم من ذلك، وكتب إلى الحسين يستعفيه. فكتب إليه خشيت أن لا يكون حملك على ذلك إلّا الجبن، فامض لوجهك والسلام. وسار مسلم فدخل الكوفة أوّل ذي الحجة من سنة ستين، واختلف إليه الشيعة وقرأ عليهم كتاب الحسين، فبكوا ووعدوه النصر وعلم مكانه النعمان بن بشير أمير الكوفة وكان حليما يجنح إلى المسالمة، فخطب وحذّر الناس الفتنة. وقال:
لا أقاتل من لا يقاتلني ولا آخذ بالظنّة والتهمة، ولكن إن نكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم فو الله لأضربنّكم بسيفي ما دام قائمته بيدي، ولو لم يكن لي ناصر فقال له بعض حلفاء بني أمية: لا يصلح ما ترى إلا الغشم، وهذا الّذي أنت عليه مع عدوّك رأي المستضعفين فقال: أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب اليّ من أن أكون من الأعزين في معصية الله. ثم تركه فكتب عبد الله بن مسلم وعمارة بن الوليد وعمارة بن سعد بن أبي وقّاص إلى يزيد بالخبر، وتضعف النعمان وضعفه فابعث إلى الكوفة رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل عملك في عدوّك فأشار عليه سرجون [1]
[1] هنا بياض بالأصل نحو ثلاث ورقات. وجاء في الكامل لابن الأثير ج 4 ص 22 وما بعدها (طبعة دار صادر) : «فلما اجتمعت الكتب عند يزيد دعا سرجون مولى معاوية فأقرأه الكتب، واستشاره فيمن يوليه الكوفة، وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد، فقال له سرجون: أرأيت لو نشر لك معاوية كنت تأخذ برأيه؟ قال: نعم! قال: فاخرج عهد عبيد الله على الكوفة. فقال: هذا رأي معاوية، ومات وقد أمر بهذا الكتاب. فأخذ برأيه. وجمع الكوفة والبصرة لعبيد الله وكتب إليه بعهده وسيره اليه مع مسلم بن عمرو الباهلي والد قتيبة، فأمره بطلب مسلم بن عقيل وبقتله أو نفيه. فلما وصل كتابه إلى عبيد الله أمر بالتجهّز ليبرز من الغد. وكان الحسين قد كتب إلى أهل البصرة نسخة واحدة إلى الاشراف يدعوهم إلى كتاب الله وسنة رسوله
…
ص 23» .
وجاء في الطبري ج 6 ص 200 (طبعة مصر) : «وقد كان حسين كتب إلى أهل البصرة كتابا. قال هشام، قال أبو مخنف: حدثني الصقعب بن زهير عن أبي عثمان النهديّ قال: كتب حسين مع مولى لهم يقال له سليمان وكتب بنسخة إلى رءوس الأخماس بالبصرة والى الاشراف. فكتب إلى مالك بن مسمع البكري والى الأحنف بن قيس والى المنذر بن الجارود والى مسعود بن عمرو والى قيس بن الهيثم والى عمر بن عبد الله بن معمر. فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع اشرافها وهذا نصه: «أما بعد فان الله اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم على خلقه، وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته. ثم قبضه الله اليه.
وقد نصح لعباده وبلغ ما أرسل به صلى الله عليه وسلم.
وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة. وأحببنا العافية ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه. وقد أحسنوا وأصلحوا وتحرّوا الحق فرحمهم الله وغفر لنا ولهم. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وانا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيّه (ص) . فان السنة قد أميتت وإن البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد والسلام عليكم ورحمة الله.»
_________
[ () ] مسير الحسين إلى الكوفة ووقعة كربلاء:
انها وقعة عظيمة، وهي ضمن الأوراق البيضاء في هذا الكتاب، تاريخ العبر للعلامة ابن خلدون.
ذكرها الطبري باسهاب في الجزء السادس من ص (194) إلى ص (271) .
وذكرها ابن الأثير في تاريخ الكامل في ج 4 ص 37 وما بعدها إلى ص 94 وقد أثبتنا هنا عن هذه الوقعة ما ورد في تاريخ المختصر في أخبار البشر لابي الفداء صاحب حماه ج 2. ص 104- 107 طبعة بيروت.» ومن أراد زيادة الإسهاب فليرجع الى التواريخ المطولة.
ذكر مسير الحسين إلى الكوفة كما ورد بتاريخ ابو الفداء وورد على الحسين مكاتبات يحثونه على المسير اليهم ليبايعوه، وكان العامل عليها النعمان ابن بشير الأنصاري، فأرسل الحسين إلى الكوفة ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ليأخذ البيعة عليهم، فوصل إلى الكوفة وبايعه بها، قيل ثلاثون الفا، وقيل ثمانية وعشرون ألف نفس، وبلغ يزيد عن النعمان بن بشير ما لا يرضيه، فولى على الكوفة عبيد الله بن زياد وكان واليا على البصرة فقدم الكوفة ورأى ما الناس عليه، فخطبهم وحثهم على طاعة يزيد بن معاوية، واستمر مع مسلم بن عقيل من كان بايعه للحسين، وحصروا عبيد الله بن زياد بقصره، ولم يكن مع عبيد الله في القصر أكثر من ثلاثين رجلا، ثم ان عبيد الله أمر أصحابه ان يشرفوا من القصر ويمنوا أهل الطاعة ويخذلوا أهل المعصية، حتى ان المرأة ليأتي ابنها وأخاها فتقول انصرف ان الناس يكفونك، فتفرق الناس عن مسلم، ولم يبق مع مسلم غير ثلاثين رجلا، فانهزم واستتر، ونادى منادي عبيد الله بن زياد من أتى بمسلم بن عقيل فله ديته، فأمسك مسلم واحضر اليه، ولما حضر مسلم بين يدي عبيد الله شتمه وشتم الحسين وعليا وضرب عنقه في تلك الساعة، ورميت جيفته من القصر، ثم أحضر هانئ بن عروة وكان ممن أخذ البيعة للحسين فضرب عنقه أيضا، وبعث برأسيهما الى يزيد بن معاوية، وكان مقتل مسلم بن عقيل لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين، وأخذ الحسين وهو بمكة في التوجه الى العراق، وكان عبد الله بن عباس يكره ذهاب الحسين إلى العراق خوفا عليه، وقال للحسين يا ابن العم إني أخاف عليك أهل العراق، فإنهم قوم أهل غدر، وأقم بهذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز، وان أبيت الا أن تخرج فسر الى اليمن، فان بها شيعة لأبيك وبها حصون وشعاب، فقال الحسين يا ابن العم اني أعلم والله أنك ناصح مشفق، ولقد أزمعت وأجمعت، ثم خرج ابن عباس من عنده وخرج الحسين من مكة يوم التروية سنة ستين، واجتمع عليه جماعة من العرب، ثم لما بلغه مقتل ابن عمه مسلم بن عقيل وتخاذل الناس عنه، اعلم الحسين من معه بذلك، وقال من أحب أن ينصرف فلينصرف، فتفرق الناس عنه يمينا وشمالا، ولما وصل الحسين الى مكان يقال له سراف، وصل اليه الحر صاحب شرطة عبيد الله بن زياد في الفي فارس، حتى وقفوا مقابل الحسين في حر الظهيرة، فقال لهم الحسين ما أتيت الا بكتبكم فان رجعتم رجعت من هنا، فقال له صاحب شرطة ابن زياد انا أمرنا ان لا نفارقك حتى نوصلك الكوفة بين يدي عبيد الله بن زياد، فقال الحسين: الموت أهون من ذلك، وما زالوا عليه حتى سار مع صاحب شرطة ابن زياد (ثم دخلت سنة احدى وستين) .
ذكر مقتل الحسين كما ورد في تاريخ ابو الفداء ولما سار الحسين مع الحر ورد كتاب من عبيد الله بن زياد الى الحر يأمره ان ينزل الحسين ومن معه على غير ماء، فأنزلهم في الموضع المعروف بكربلاء، وذلك يوم الخميس ثاني المحرم من هذه السنة أي سنة