الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأعاد عليه جميع البلاد سوى الريّ لئلا تحدّث محمودا نفسه بالانتقاض. ثم قتل السلطان محمود الأمير منكبرس شحنة بغداد لأنه لما انهزم محمود وسار إلى بغداد ليدخلها منعه دبيس فعاد في البلاد، ورجع وقد استقرّ في الصلح فقصد السلطان مستجيرا به فأبى من إجارته ومؤاخذته، وبعثه إلى السلطان محمود فقتله صبرا لما كان يستبد عليه بالأمور. وسار شحنة إلى بغداد على زعمه فحقد له ذلك، وأمر السلطان سنجر بإعادة مجاهد الدين بهروز شحنة بالعراق، وكان بها نائب دبيس بن صدقة فعزل به. ثم قتل السلطان محمود حاجبه علي بن عمر وكان قد استخلفه ورفع منزلته فكثرت السعاية فيه فهرب إلى قلعة عند الكرج، كان بها أهله وماله. ثم لحق بخوزستان وكان بيد بني برسق فاقتضى عهودهم وسار إليهم. فلما كان على تستر بعثوا من يقبض عليه فقاتلهم فلم يقرّ عنه وأسروه واستأذنوا السلطان محمودا في أمره فأمر بقتله وحمل رأسه إليه.
انتقاض الملك مسعود على أخيه السلطان محمود والفتنة بينهما
كان الملك مسعود قد استقرّ بالموصل وأذربيجان منذ صالحه السلطان محمود عليها بأوّل ملكه، وكان آق سنقر البرسقي مع الملك مسعود منذ فارق شحنة بغداد، وأقطعه مراغة مضافة إلى الرحبة وكان دبيس يكاتب حيوس بك [1] الأتابك في القبض عليه وبعثه الى مولاه السلطان محمود، ويبذل لهم المال على ذلك. وشعر البرسقي ففارقه إلى السلطان محمود، وعاد إلى جميل رأيه فيه. وكان دبيس مع ذلك يغري الأتابك حيوس بك بالخلاف على السلطان محمود، ويعدهم من نفسه المناصرة لينال باختلافهم في تمهيد سلطانه ما ناله أبوه باختلاف بركيارق ومحمد. وكان أبو المؤيد محمد بن أبي إسماعيل الحسين بن علي الأصبهاني يكتب للملك محمود، ويرسم الطغري وهي العلامة على مراسيمه، ومنها هباته. وجاء والده أبو إسماعيل من أصبهان فعزل الملك مسعود وزيره أبا علي بن عمار صاحب طرابلس، واستوزره مكانه سنة ثلاث عشرة فحسن له الخلاف الّذي كان دبيس يكاتبهم فيه ويحسّنه لهم. وبلغ السلطان محمودا
[1] جيوش بك: ابن الأثير ج 10 ص 562.
خبرهم فكتب يحذّرهم فلم يقبلوا وخلعوا، وخطبوا للملك مسعود بالسلطنة وضربوا له النوب الخمس، وذلك سنة أربع عشرة. وكانت عساكر السلطان محمود مفترقة فبادروا إليه والتقوا في عقبة أستراباذ منتصف ربيع الأوّل. والبرسقي في مقدمة محمود، وأبلى يومئذ، واقتتلوا يوما كاملا وانهزمت عساكر مسعود في عشيته وأسر جماعة منهم، وفيهم الوزير الأستاذ أبو إسماعيل الطّغرائي، فأمر السلطان بقتله لسنة من وزارته، وقال هو فاسد العقيدة، وكان حسن الكتابة والشعر وله تصانيف في الكيمياء. وقصد الملك مسعود بعد الهزيمة جبلا على اثني عشر فرسخا من مكان الوقعة فاختفى فيه، وبعث يطلب الأمان من أخيه فبعث إليه البرسقي يؤمّنه ويحضره.
وكان بعض الأمراء قد لحق به في الجبل وأشار عليه باللحاق بالموصل، واستمدّ دبيسا فسار لذلك وأدركه البرسقي على ثلاثين فرسخا من مكانه وأمّنه عن أخيه، وأعاده إليه فأريب العساكر للقائه وبالغ في إكرامه وخلطه بنفسه. وأمّا أتابكه حيوس بك فلما افتقد السلطان مسعود سار إلى الموصل وجمع العساكر، وبلغه فعل السلطان مع أخيه فسار إلى الزاب. ثم جاء السلطان بهمذان فأمّنه وأحسن إليه. وأمّا دبيس فلما بلغه خبر الهزيمة عاث في البلاد وأخربها وبعث إليه المسترشد بالنكير فلم يقبل، فكتب بشأنه إلى السلطان محمود وخاطبه السلطان في ذلك فلم يقبل، وسار إلى بغداد وخيّم إزاء المسترشد وأظهر أنه يثأر منهم بأبيه. ثم عاد عن بغداد ووصل السلطان في رجب، فبعث دبيس إليه زوجته بنت عميد الدولة بن جهير بمال وهدايا نفيسة وأجيب إلى الصلح على شروط امتنع منها فسار إليه السلطان في شوّال ومعه ألف سفينة. ثم استأمن إلى السلطان فأمّنه وأرسل نساءه إلى البطيحة. وسار إلى أبي الغازي مستجيرا به، ودخل السلطان الحلّة وعاد عنها ولم يزل دبيس عند أبي الغازي. وبعث أخاه منصورا إلى أصحابه من أمراء النواحي ليصلح حاله مع السلطان فلم يتمّ ذلك.
وبعث إليه أخوه منصور يستدعيه إلى العراق، فسار من قلعة جعبر إلى الحلّة سنة خمس عشرة وملكها، وأرسل إلى الخليفة والسلطان بالاعتذار والوعد بالطاعة، فلم يقبل منه، وسارت إليه العساكر مع سعد الدولة بن تتش ففارق الحلّة ودخلها سعد وأنزل بالحلّة عسكرا وبالكوفة آخر. ثم راجع دبيس الطاعة على أن يرسل أخاه منصورا رهينة فقبل، ورجع العسكر إلى بغداد سنة ست عشرة.