الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القضاء ثم طعنت فيه الشيعة بأنه شهد على حجر بن عديّ، ولم يبلغ عن هانئ بن عروة رسالته إلى قومه وأنّ عليّا غرمه وأنه عثمانيّ [1] . وسمع ذلك هو فتمارض فجعل مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود ثم مرض فولّى مكانه عبد الله بن مالك الطائيّ.
مسيرة ابن زياد الى المختار وخلافة أهل الكوفة عليه
كان مروان بن الحكم لما استوثق له الشام بعث جيشين أحدهما إلى الحجاز مع جيش ابن دلجة القينيّ وقد شاتة ومقتلة [2] . والآخر إلى العراق مع عبيد الله بن زياد فكان من أمره وأمر التوّابين من الشيعة ما تقدّم وأقام محاصرا لزفر بن الحرث بقرقيسياء، وهو مع قومه قيس على طاعة ابن الزبير، فاشتغل بهم عن العراق سنة أو نحوها. ثم توفي مروان وولي بعده عبد الملك فأقرّه على ولايته وأمره بالجدّ ويئس من أمر زفر وقيس، فنهض إلى الموصل فخرج عنها عبد الرحمن بن سعيد عامل المختار إلى تكريت، وكتب إلى المختار بالخبر، فبعث يزيد بن أنس الأسديّ في ثلاثة آلاف إلى الموصل، فسار إليها على المدائن وسرّح ابن زياد للقائه ربيعة بن المختار الغنويّ في ثلاثة آلاف فالتقيا ببابل وعبّأ يزيد أصحابه وهو راكب على حمار وحرّضهم، وقال: إن مت فأميركم ورقاء بن عازب الأسديّ وإن هلك فعبد الله بن ضمرة الفزاري، وإن هلك فسعد الخثعميّ. ثم اقتتلوا يوم عرفة وانهزم أهل الشام وقتل ربيعة، وسار الفلّ غير بعيد فلقيهم عبد الله بن حملة الخثعميّ قد سرحه ابن زياد في ثلاثة آلاف فردّ المنهزمين وعاد القتال يوم الأضحى، فانهزم أهل الشام وأثخن فيهم أهل الكوفة بالقتل والنهب، وأسروا منهم ثلاثمائة فقتلوهم. وهلك يزيد بن أنس من آخر يومه وقام بأمرهم ورقاء بن عازب خليفته، وهاب لقاء ابن زياد بعد يزيد، وقال: نرجع بموت أميرنا قبل أن يتجرأ علينا أهل الشام بذلك. وانصرف الناس وتقدّم الخبر إلى الكوفة فأرجف الناس بالمختار وأشيع أنّ يزيد قتل وسرّ المختار رجوع العسكر فسرّح إبراهيم بن الأشتر في سبعة آلاف وضم إليه جيش يزيد ثم تأخر ابن زياد فسار لذلك. ثم اجتمع أشراف الكوفة عند شيث بن ربعي وكان شيخهم جاهليا اسلاميا، وشكوا من سيرة المختار وإيثاره الموالي عليهم، ودعوه إلى الوثوب به. فقال: حتى ألقاه وأعذر إليه، ثم ذهب إليه وذكر له جميع ما نكروه فوعده
[1] نسبة الى عثمان بن عفان.
[2]
لم نعثر في المراجع التي بين أيدينا على هذه الأسماء.
الرجوع إلى مرادهم، وذكر له شأن الموالي وشركتهم في الفيء فقال: إن أعطيتموني عهدكم على قتال بني أمية وابن الزبير تركتهم فقال: اخرج إليهم بذلك وخرج فلم يرجع. واجتمع رأيهم على قتاله وهم شيث بن ربعي ومحمد بن الأشعث وعبد الرحمن بن سعد بن قيس وشمر بن ذي الجوشن وكعب بن أبي كعب النخعيّ، وعبد الرحمن بن مخنف الأزديّ. وقد كان ابن مخنف أشار عليهم بأن يمهلوه لقدوم أهل الشام وأهل البصرة فيكفونكم أمره قبل أن يقاتلكم بمواليكم وشجعانكم وهم عليكم أشدّ، فأبوا من رأيه وقالوا: لا تفسد جماعتنا. ثم خرجوا وشهروا السلاح وقالوا للمختار: اعتزلنا فإنّ ابن الحنفية لم يبعثك. قال: نبعث إليه الرسل مني ومنكم، وأخذ يعللهم بأمثال هذه المراجعات وكفّ أصحابه عن قتالهم ينتظر وصول إبراهيم بن الأشتر، وقد بعث إليه بالرجوع فجاء فرأى القوم مجتمعين ورفاعة بن شدّاد البجليّ [1] يصلي بهم. فلما وصل إبراهيم عبّأ المختار أصحابه وسرح بين يديه أحمد ابن شميط البجليّ وعبد الله بن كامل الشادي فانهزم أصحابهما وصبرا ومدّهما المختار بالفرسان والرجال فوجا بعد فوج، وسار ابن الأشتر الى مصر وفيهم شيث ابن ربعيّ فقاتلوه فهزمهم فاشتدّ ابن كامل على اليمن ورجع رفاعة بن شدّاد أمامهم إلى المختار فقاتل معه حتى قتل من أهل اليمن عبد الله بن سعيد بن قيس، والفرات ابن زخر بن قيس، وعمر بن مخنف، وخرج أخوه عبد الرحمن فمات وانهزم أهل اليمن هزيمة قبيحة وأسر من الوادعيين خمسمائة أسير فقتل المختار كل من شهد قتل الحسين منهم فكانوا نصفهم وأطلق الباقين ونادى المختار الأمان إلا من شهد في دماء أهل البيت وفرّ عمر بن الحجّاج الزبيدي، وكان أشدّ من حضر قتل الحسين، فلم يوقف له على خبر وقيل أدركه أصحاب المختار فأخذوا رأسه، وبعث في طلب شمر بن ذي الجوشن، فقتل طالبه وانتهى إلى قرية الكلبانية فارتاح يظنّ أنه نجا. وإذا في قرية أخرى بإزائه أبو عمرة صاحب المختار، بعثه مسلخة بينه وبين أهل البصرة، فنمي إليه خبره فركب إليه فقتله وألقى شلوه للكلاب وانجلت الوقعة عن سبعمائة وثمانين قتيلا أكثرهم من اليمن، وكان آخر سنة ست وستين، وخرج أشراف الناس إلى البصرة وتتبع المختار قتلة الحسين ودلّ على عبيد الله بن أسد الجهنيّ ومالك بن نسير الكنديّ.
وحمل ابن مالك المحاربيّ بالقادسية فأحضرهم وقتلهم. ثم أحضر زياد بن مالك
[1] وفي نسخة ثانية: الجبيليّ.
ابن خلدون م 3 ج 3-
الضبعيّ وعمران بن خالد العثريّ وعبد الرحمن بن أبي حشكارة البجلي، وعبد الله ابن قيس الخولانيّ، وكانوا نهبوا من الورث الّذي كان مع الحسين فقتلهم وأحضر عبد الله أو عبد الرحمن بن طلحة وعبد الله بن وهيب الهمدانيّ ابن عم الأعشى فقتلهم. وأحضر عثمان بن خالد الجهنيّ وأبا أسماء بشر بن سميط القابسيّ، وكانا مشتركين في قتل عبد الرحمن بن عقيل وفي سلبه، فقتلهما وحرقهما بالنار. وبحث عن خولي بن يزيد الأصبحيّ صاحب رأس الحسين، فجيء برأسه وحرق بالنار. ثم قتل عمر بن سعد بن أبي وقاص بعد أن كان أخذ له الأمان منه عبد الله بن أبي جعدة ابن هبيرة فبعث أبا عمرة فجاءه برأسه وابنه حفص عنده فقال: تعرف هذا؟ قال:
نعم! ولا خير في العيش بعده فقتله. ويقال: إن الّذي بعث المختار على قتلة الحسين أنّ يزيد بن شراحيل الأنصاري قدم على محمد بن الحنفية، فقال له ابن الحنفية:
يزعم المختار أنه لنا شيعة وقتلة الحسين عنده على الكراسي يحدّثونه فلما سمع المختار ذلك تتبعهم بالقتل وبعث برأس عمر وابنه إلى ابن الحنفية، وكتب إليه أنه قتل من قدر عليه وهو في طلب الباقين ثم أحضر حكيم بن طفيل الطائي، وكان رمى الحسين بسهم، وأصاب سلب العباس ابنه. وجاء عديّ بن حاتم يشفع فيه فقتله ابن كامل والشيعة قبل أن يصل حذرا من قبول المختار شفاعته. وبحث عن مرّة بن منقذ بن عبد القيس قاتل علي بن الحسين فدافع عن نفسه ونجا إلى مصعب بن الزبير وقد شلّت يده بضربة وبحث عن زيد وفاد الحسين [1] قاتل عبد الله بن مسلم بن عقيل رماه بسهمين وقد وضع كفه على جبهته يتقي النبل فأثبت كفه في جبهته وقتله بالأخرى فخرج بالسيف يدافع. فقال ابن كامل: ارموه بالحجارة فرموه حتى سقط وأحرقوه حيّا. وطلب سنان بن أنس الّذي كان يدعي قتل الحسين فلحق بالبصرة. وطلب عمر بن صبح الصدائي فقتله طعنا بالرماح، وأرسل في طلب محمد بن الأشعث وهو في قريته عند القادسيّة فهرب إلى مصعب وهدم المختار داره. وطلب آخرين كذلك من المتهمين بأمر الحسين فلحقوا بمصعب وهدم دورهم.
[1] كذا في الأصل وفي الكامل لابن الأثير ج 4 ص 243: «وبعث المختار الى زيد بن رقاد الجنبيّ أو الحبّاني» .