الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعاد أولئك الذين جفلوه من القوّاد والشيعة فأغروه بيحيى وأنه الّذي منع الرشيد من خلع نفسه، فحبسه الهادي فطلب الحضور للنصيحة، وقال له يا أمير المؤمنين أتظن الناس يسلمون الخلافة لجعفر وهو صبي ويرضون به لصلاتهم وحجّهم وغزوهم، وتأمن أن يسمو إليها عند ذلك أكابر أهل بيتك فتخرج من ولد أبيك، والله لو لم يعقده المهدي لكان ينبغي أن تعقده أنت له حذرا من ذلك، وإني أرى أن تعقده لأخيك، فإذا بلغ ابنك أتيتك بأخيك فخلع نفسه وبايع له فقبل الهادي قوله وأطلقه. ولم يقنع القوّاد ذلك لأنهم كانوا حذرين من الرشيد في ذلك وضيّق عليه واستأذنه في الصيد فمضى إلى قصر مقاتل ونكره الهادي وأظهر خفاءه [1] وبسط الموالي والقوّاد فيه ألسنتهم.
وفاة الهادي وبيعة الرشيد
ثم خرج الهادي إلى حديقة الموصل فمرض واشتدّ مرضه هنالك واستقدم العمّال شرقا وغربا. ولما ثقل تآمر القوّاد الذين بايعوا جعفرا في قتل يحيى بن خالد، ثم أمسكوا خوفا من الهادي. ثم توفي الهادي في شهر ربيع الأوّل سنة سبعين ومائة، وقيل توفي بعد أن عاد من حديقة الموصل. ويقال إنّ أمّه الخيزران وصت بعض الجواري عليه فقتلته لأنها كانت أوّل خلافته تستبد عليه بالأمور فعكف الناس واختلفت المواكب، ووجد الهادي لذلك فكلمته يوما في حاجة فلم يجبها فقالت: قد ضمنتها لعبد الله بن مالك. فغضب الهادي وشتمه وحلف لاقضيتها فقامت مغضبة، فقال:
مكانك وإلّا انتفيت من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم. لئن بلغني أنّ أحدا من قوّادي وخاصتي وقف ببابك لأضربنّ عنقه ولأقبضنّ ماله، ما للمواكب تغدو وتروح عليك؟ أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك؟
إياك إياك لا تفتحي بابك لمسلم ولا ذمّي! فانصرفت وهي لا تعقل. ثم قال لأصحابه: أيكم يحب أن يتحدّث الرجال بخبر أمّه، ويقال فعلت أمّ فلان وصنعت؟ فقالوا لا نحب ذلك. قال: فما بالكم تأتون أمّي فتتحدّثون معها؟
فيقال: إنه لما جدّ في خلع الرشيد خافت عليه منه، فلما ثقل مرضه وصت بعض الجواري فجلست على وجهه فمات، وصلى عليه الرشيد. وجاء هرثمة بن أعين إلى
[1] لعلها جفاءه حسب مقتضى السياق.
الرشيد فأخرجه وأجلسه للخلافة، وأحضر يحيى فاستوزره وكتب إلى الأطراف بالبيعة. وقيل: إنّ يحيى هو الّذي جاءه وأخرجه فصلى على الهادي ودفنه [1] إلى يحيى وأعطاه خاتمه. وكان يحيى يصدر عن رأي الخيزران أمّ الرشيد. وعزل لأوّل خلافته عمر بن عبد العزيز العمري عن المدينة وولّى مكانه إسحاق بن سليمان، وتوفي يزيد بن حاتم عامل إفريقية، فولّى مكانه روح بن حاتم، ثم توفي فولّى مكانه ابنه الفضل، ثم قتل فولّى هرثمة بن أعين كما يذكر في أخبار إفريقية. وأفرد الثغور كلها عن الجزيرة وقنّسرين وجعلها عمالة واحدة وسمّاها العواصم، وأمره بعمارة طرسوس ونزلها الناس. وحجّ لأوّل خلافته وقسّم في الحرمين مالا كثيرا. وأغزى بالصائفة سليمان بن عبد الله البكائي، وكان على مكة والطائف عبد الله بن قثم وعلى الكوفة عيسى بن موسى وعلى البحرين والبصرة واليمامة وعمان والأهواز وفارس محمد بن سليمان بن علي، وعلى خراسان أبو الفضل العبّاس بن سليمان الطوسي ثم عزله وولّى مكانه جعفر بن محمد بن الأشعث. فسار إلى خراسان وبعث ابنه العبّاس إلى كابل فافتتحها وافتتح سابهار وغنم ما كان فيها. ثم استقدمه الرشيد فعزله وولّى مكانه ابنه العبّاس، وكان على الموصل عبد الملك بن صالح فعزله وولّى مكانه إسحاق بن محمد بن فروخ، فبعث إليه الرشيد أبا حنيفة حرب بن قيس فأحضره إلى بغداد وقتله، وولّى مكانه [2] وكان على أرمينية يزيد بن مزيد بن زائدة بن أخي معن فعزله وولىّ مكانه أخاه عبد الله بن المهدي. وولّى سنة إحدى وسبعين على صدقات بني ثعلب [3] روح بن صالح الهمدانيّ فوقع بينه وبين ثعلب خلاف وجمع لهم الجموع فبيتوه وقتلوه في جماعة من أصحابه. وتوفي سنة ثلاث وسبعين محمد بن سليمان والي البصرة وكان أخوه جعفر كثير السعاية فيه عند الرشيد وأنه يحدّث نفسه بالخلافة! وأنّ أمواله كلها فيء من أموال المسلمين
[1] بياض بالأصل وفي الكامل ج 6 ص 106: وقيل لما مات الهادي جاء يحيى بن خالد إلى الرشيد وهو نائم في فراشه فقال له: قم يا أمير المؤمنين! فقال: كم تروعني! إعجابا منك بخلافتي، فكيف يكون حالي مع الهادي إن بلغه هذا؟ فأعلمه بموته وأعطاه خاتمه، فبينما هو يكلمه إذ أتاه رسول آخر يبشّره بمولود، فسمّاه عبد الله وهو المأمون، ولبس ثيابه وخرج، فصلّى على الهادي بعيساباذ.
[2]
بياض بالأصل وفي الطبري ج 10 ص 50: «وفيها قتل هارون ابا هريرة محمد بن فروخ وكان على الجزيرة، فوجه اليه هارون ابا حنيفة حرب بن قيس فقدم به عليه مدينة السلام فضرب عنقه في قصر الخلد» . ابن الأثير ج 6 ص 113- 114.
[3]
بني تغلب: ابن الأثير ج 6 ص 113