الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دينار [1] . وتحدّث الجواري بذلك فشاع في الناس، ودخلوا البستان ونهبوا المال، وكان يشكو إلى الرشيد بقلّة المال ويزعم أنه باع حليّ نسائه. فلما سمع الرشيد هذا المال استدعى هرثمة بن أعين وقال له: ولّيتك خراسان، وكتب له بخطّه وقال له: اكتم أمرك وامض كأنك مدد. وبعث معه رجاء الخادم. فسار إلى نيسابور وولّى أصحابه فيها ثم سار إلى مرو ولقيه عليّ بن عيسى فقبض عليه وعلى أهله وأتباعه وأخذ أمواله فبلغت ثمانين ألف ألف، وبعث إلى الرشيد من المتاع وقر خمسمائة بعير وبعث إليه بعليّ بن عيسى على بعير من غير غطاء ولا وطاء، وخرج هرثمة إلى ما وراء النهر وحاصر رافع بن الليث بسمرقند إلى ان استأمن فأمّنه، وأقام هرثمة بسمرقند وكان قدم مرو سنة ثلاث وتسعين.
إيداع كتاب العهد
وفي سنة ست وثمانين حجّ الرشيد وسار من الأنبار ومعه أولاده الثالثة محمد الأمين وعبد الله المأمون والقاسم، وكان قد ولّى الأمين العهد وولّاه العراق والشام إلى آخر.
الغرب. وولّى المأمون العهد بعده وضم إليه من همذان إلى آخر المشرق، وبايع لابنه القاسم من بعد المأمون ولقبه المؤتمن وجعل خلعه وإثباته للمأمون. وجعل في حجر عبد الملك صالح وضم إليه الجزيرة والثغور والعواصم. ومرّ بالمدينة فأعطاه فيها ثلاثة أعطية عطاء منه ومن الأمين ومن المأمون فبلغ ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار. ثم سار إلى مكة فأعطى مثلها، وأحضر الفقهاء والقضاة والقوّاد وكتب كتابا أشهد فيه على الأمين بالوفاء للمأمون وآخر على المأمون بالوفاء للأمين وعلّق الكتابين في الكعبة وجدّد عليها العهود هنالك. ولما شخص إلى طبرستان سنة تسع وثمانين وأقام بها أشهد من حضره أنّ جميع ما في عسكره من الأموال والخزائن والسلاح والكراع للمأمون وجدّد له البيعة عليهم وأرسل إلى بغداد فجدّد له البيعة على الأمين.
أخبار البرامكة ونكبتهم
قد تقدّم لنا أن خالد بن برمك كان من كبار الشيعة وكان له قدم راسخ في الدولة وكان يلي الولايات العظام وولّاه المنصور على الموصل، وعلى أذربيجان، وولّى ابنه
[1] ذكر ابن الأثير المبلغ ثلاثين ألف ألف: المرجع السابق. ولكنه لم يذكر أهي دراهم أم دنانير.
يحيى على أرمينية ووكله المهدي بكفالة الرشيد فأحسن تربيته ودفع عنه أخاه الهادي أراده على الخلع وتولية العهد ابنه وحبسه الهادي لذلك. فلما ولي الرشيد استوزر يحيى وفوّض إليه أمور ملكه وكان أوّلا يصدر عن رأي الخيزران أمّ الرشيد، ثم استبدّ بالدولة. ولما ماتت وكان بيتهم مشهورا بالرجال من العمومة والقرابة، وكان بنوه جعفر والفضل ومحمد قد شابهوا آباءهم في عمل الدولة واستولوا على حظّ من تقريب السلطان واستخلاصه. وكان الفضل أخاه من الرضاع أرضعت أمّه الرشيد وأرضعته الخيزران وكان يخاطب يحيى يا أبت واستوزر الفضل وجعفرا وولّى جعفرا على مصر وعلى خراسان وبعثه إلى الشام عند ما وقعت الفتنة بين المضريّة واليمانيّة، فسكّن الأمور ورجع. وولّى الفضل أيضا على مصر وعلى خراسان وبعثه لاستنزال يحيى بن عبد الله العلويّ من الديلم ودفع المأمون لما ولّاه العهد إلى كفالة جعفر بن يحيى فحسنت آثارهم في ذلك كله. ثم عظم سلطانهم واستيلاؤهم على الدولة وكثرت السعاية فيهم وعظم حقد الرشيد على جعفر منهم، يقال بسبب أنه دفع إليه يحيى بن عبد الله لما استنزله أخوه الفضل من الديلم، وجعل حبسه عنده فأطلقه استبدادا على السلطان ودالة وأنهى الفضل بن الربيع ذلك إلى الرشيد فسأله فصدّقه الخبر فأظهر له التصويب وحقدها عليه، وكثرت السعاية فيهم فتنكّر لهم الرشيد. ودخل عليه يوما يحيى بن خالد بغير إذن فنكر ذلك منه، وخاطب به طبيبه جبريل بن بختيشوع منصرفا به من مواجهته وكان حاضرا فقال يحيى: هو عادتي يا أمير المؤمنين، وإذ قد نكرت مني فسأكون في الطبقة التي تجعلني فيها! فاستحيى هارون وقال: ما أردت ما يكره. وكان الغلمان يقومون بباب الرشيد ليحيى إذ دخل، فتقدّم لهم مسرور الخادم بالنهي عن ذلك فصاروا يعرضون عنه إذا أقبل، وأقاموا على ذلك زمانا. فلما حجّ الرشيد سنة سبعة وثمانين ورجع من حجّه ونزل الأنبار أرسل مسرورا الخادم في جماعة من الجند ليلا فأحضر جعفرا بباب الفسطاط وأعلم الرشيد فقال: ائتني برأسه فطفق جعفر يتذلّل ويسأله المراجعة في أمره حتى قذفه الرشيد بعصي كانت في يده وتهدّده فخرج وأتاه برأسه وحبس الفضل من ليلته وبعث من احتاط على منازل يحيى وولده وجميع موجودهم وحبسه في منزله وكتب من ليلته إلى سائر النواحي بقبض أموالهم ورقيقهم، وبعث من الغد بشلو جعفر وأمر أن يقسم قطعتين.. وبنصبان على الجسر، وأعفى محمد بن خالد من النكبة ولم يضيّق على يحيى ولابنه الفضل ومحمد
وموسى ثم تجرّدت عنه التهمة بعبد الملك بن صالح بن علي، وكانوا أصدقاء له، فسعى فيه ابنه عبد الرحمن بأنه يطلب الخلافة فحبسه عنه الفضل بن الربيع، ثم أحضره من الغداة وقرّعه ووبّخه فأنكر وحلف واعترف لحقوق الرشيد وسلفه عليه، فأحضر كاتبه شاهدا عليه فكذّبه عبد الملك، فأحضر ابنه عبد الرحمن فقال هو مأمور معذور أو عاق فاجر، فنهض الرشيد من مجلسه وهو يقول سأصبر حتى أعلم ما يرضي الله فيك، فإنه الحكم بيني وبينك، فقال عبد الملك: رضيت باللَّه حكما وبأمير المؤمنين حاكما فإنه لا يؤثر هواه على رضا ربه. ثم أحضره الرشيد يوما آخر فأرعد له وأبرق وجعل عبد الملك يعدّد وسائله ومقاماته في طاعته ومناصحته فقال له الرشيد: لولا إبقائي على بني هاشم لقتلتك وردّه إلى محبسه. وكلّمه عبد الله بن مالك فيه، وشهد له بنصحه فقال: أطلقه إذا، قال: أمّا في هذا القرب فلا ولكن سهّل حبسه ففعل. وأجرى عليه مؤنه حتى مات الرشيد وأطلقه الأمين. وعظم حقده على البرامكة بسبب ذلك، فضيّق عليهم وبعث إلى يحيى يلومه فيما ستر عنه من أمر عبد الملك. فقال: يا أمير المؤمنين كيف يطلعني عبد الملك على ذلك وأنا كنت صاحب الدولة، وهل إذا فعلت ذلك يجازيني بأكثر من فعلك؟ أعيذك باللَّه أن تظنّ هذا الظنّ إلا أنه كان رجلا متجمّلا يسرني أن يكون في بيتك مثله، فوليته ولا خصصته. فعاد إليه الرسول يقول: إن لم تقر قتلت الفضل ابنك. فقال: أنت مسلّط علينا فافعل ما أردت. وجذب الرسول الفضل وأخرجه فودّع أباه وسأله في الرضا عنه فقال: رضي الله عنك، وفرّق بينهما ثلاثة أيام ولم يجد عندهما شيئا فجمعهما واحتفظ [1] إبراهيم بن عثمان بن نهيك لقتل جعفر فكان يبكيه ويبكي قومه حزنا عليهم. ثم انتهى به إلى طلب الثأر بهم فكان يشرب النبيذ مع جواريه ويأخذ سيفه وينادي وا جعفراه وا سيداه والله لأثأرنّ بك ولأقتلنّ قاتلك، فجاء ابنه وحفص كان مولاه إلى الرشيد فأطلعاه على أمره، فأحضر إبراهيم وأظهر له الندم على قتله جعفرا والأسف عليه، فبكى إبراهيم وقال: والله يا سيدي لقد أخطأت في قتله فانتهره الرشيد وأقامه. ثم دخل عليه ابنه بعد ليال قلائل فقتله يقال بأمر الرشيد.
وكان يحيى بن خالد محبوسا بالكوفة ولم يزل بها كذلك إلى أن مات سنة تسعين ومائة ومات بعده ابنه الفضل سنة ثلاث وتسعين. وكانت البرامكة من محاسن العالم ودولتهم من أعظم الدول وهم كانوا نكتة محاسن الملّة وعنوان دولتها.
[1] بمعنى غضب.