الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتخلف أبو محمد السفياني في الحبس لم يستحلّ الخروج منه. ولما قدم مروان منهزما من الزاب حل عنه فيمن بقي وقيل إنّ شراحيل بن مسلمة كان محبوسا مع إبراهيم وكانا يتزاوران ويتهاديان، فدسّ في بعض الأيام إلى إبراهيم بن الإمام بلبن مسموم على لسان شراحيل فاستطلق بطنه. وقيل إنّ شراحيل قال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156 احتيل والله عليه، وأصبح ميتا من ليلته.
هزيمة مروان بالزاب ومقتله بمصر
قد ذكرنا أنّ قحطبة أرسل أبا عون عبد الملك بن يزيد الأزدي إلى شهرزور فقتل عثمان بن سفيان وأقام بناحية الموصل وأنّ مروان بن محمد سار إليه من حرّان في مائة وعشرين ألفا وسار أبو عون إلى الزاب ووجه أبو سلمة عيينة بن موسى والمنهال بن قبّان [1] وإسحاق بن طلحة كل واحد في ثلاثة آلاف مددا له. فلما بويع أبو العباس وبعث مسلمة بن محمد في ألفين وعبد الله الطائيّ في ألف وخمسمائة وعبد الحميد بن ربعي الطائي في ألفين ودراس بن فضلة [2] في خمسمائة كلهم مددا لأبي عون، ثم ندب أهل بيته إلى المسير إلى أبي عون، فانتدب عبد الله بن عليّ فسار وقدم على أبي عون فتحوّل له عن سرادقه بما فيه ثم أمر عيينة بن موسى بخمسة آلاف تعبر النهر من الزاب أوّل جمادى الأخير سنة اثنتين وثلاثين وقاتل عساكر مروان إلى المساء ورجع ففقد مروان الجسر من الغد وقدم ابنه عبد الله وعبر فبعث عبد الله بن عليّ المخارق بن غفّار في أربعة نحو عبد الله بن مروان فسرّح ابن مروان الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم، فانهزم أصحاب المخارق وأسر هو وجيء به إلى مروان مع رءوس القتلى، فقال: أنت المخارق؟ قال: لا. قال: فتعرفه في هذه الرءوس؟ قال: نعم. قال: هو ذا فخلّى سبيله وقيل بل أنكر أن يكون في الرءوس فخلّى سبيله وعاجلهم عبد الله بن عليّ بالحرب قبل أن يفشوا الخبر وعلى ميمنته أبو عون وعلى ميسرته الوليد بن معاوية وكان عسكره نحوا من عشرين ألفا، وقيل اثني عشر وأرسل مروان إليه في الموادعة فأبى وحمل الوليد بن معاوية بن مروان
[1] المنهال بن فتّان: ابن الأثير ج 5 ص 416.
[2]
وداس بن نضلة: ابن الأثير ج 5 ص 416.
وهو صهر مروان على ابنته، فقاتل أبا عون حتى انهزم إلى عبد الله بن علي فأمر الناس فارتحلوا ومشى قدما ينادي يا لثارات إبراهيم وبالأشعار يا محمد يا منصور. وأمر مروان القبائل بأن يحملوا فتخاذلوا واعتذروا حتى صاحب شرطته. ثم ظهر له الخلل فأباح الأموال للناس على أن يقاتلوا فأخذوها من غير قتال. فبعث ابنه عبد الله يصدّهم عن ذلك فتبادروا بالفرار وانهزموا وقطع مروان الجسر وكان من غرق أكثر ممن قتل. وغرق إبراهيم بن الوليد المخلوع وقيل بل قتله عبد الله بن علي بالشام وممن قتل يحيى بن علي ابن هشام وكان ذلك في جمادى الأخيرة سنة اثنتين وثلاثين، وأقام عبد الله في عسكره سبعة أيام واجتاز عسكر مروان بما فيه وكتب بالفتح إلى أبي العبّاس السفّاح، وسار مروان منهزما إلى مدينة الموصل وعليها هشام بن عمر الثعلبي وابن خزيمة الأسدي، فقطعا الجسر ومنعاه العبور إليهم وقيل هذا أمير المؤمنين فتجاهلوا وقالوا أمير المؤمنين لا يفرّ. ثم أسمعوه الشتم والقبائح فسار إلى حرّان وبها أبان ابن أخيه، وسار إلى حمص وجاء عبد الله إلى حرّان فلقيه أبو مسعود فأمنه ولقي الجزيرة. ولما بلغ مروان حمص أقام بها ثلاثا وارتحل فاتبعه أهلها لينهبوه فقاتلهم وهزمهم وأثخن فيهم، وسار إلى دمشق وعليها الوليد ابن عمه فأوصاه بقتال عدوّه. وسار إلى فلسطين فنزل نهر أبي فطرس وقد غلب على فلسطين الحكم بن ضبعان الجذامي، فأرسل إلى عبد الله ابن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي فأجاره، ثم سار عبد الله بن عليّ في أثره من حرّان بعد أن هدم الدار التي حبس فيها أخوه الإمام إبراهيم. وانتهى إلى قنج [1] فأطاعه أهلها وقدم عليه أخوه عبد الصمد بعثه السفاح مددا في ثمانية آلاف وافترق قوّاد الشيعة على أبواب دمشق فحاصروها أياما ثم دخلوها عنوة لخمس من رمضان واقتتلوا بها كثيرا وقتل عاملها الوليد بن معاوية وأقام عبد الله بدمشق خمس عشرة ليلة وارتحل يريد فلسطين فأجفل مروان إلى العريش، وجاء عبد الله فنزل نهر أبي فطرس ووصله هناك كتاب السفّاح بأن يبعث صالح بن عليّ في طلب مروان. فسار صالح في ذي القعدة وعلى مقدمته أبو عون وعامر بن إسماعيل الحارثي فأجفل مروان إلى النيل ثم إلى الصعيد ونزل صالح الفسطاط وتقدّمت عساكره فلقوا خيلا لمروان فهزموهم وأسروا منهم ودلوهم على مكانه ببوصير فسار إليه أبو عون وبيته هنالك خوفا من أن
[1] منبج: ابن الأثير ج 5 ص 425.
يفضحه الصبح فانهزم مروان وطعن فسقط في آخر ذي الحجة الحرام وقطع رأسه، وبعث به طليعة أبي عون إليه. فبعثه إلى السفّاح وهرب عبد الله وعبيد الله ابنا مروان إلى أرض الحبشة وقاتلوهم فقتل عبيد الله ونجا عبد الله وبقي إلى أيام المهدي فأخذه عامل فلسطين وسجنه المهدي. وكان طليعة أبي عون عامر بن إسماعيل الحارثي فوجد نساء مروان وبناته في كنيسة بوصير قد وكل بهنّ خادما يقتلهنّ بعده بهنّ صالح ولما دخلن عليه سألنه في الإبقاء فلامهنّ على قتالهم عند بني أمية. ثم عفا عنهنّ وحملهنّ إلى حرّان يبكين. وكان مروان يلقب بالحمار لحرنه في مواطن الحرب. وكان أعداؤه ويلقبونه الجعديّ نسبة إلى الجعد بن درهم كان يقول بخلق القرآن ويتزندق. وأمر هشام خالد القسري بقتله فقتله. ثم تتبعوا بني أمية بالقتل ودخل أسديف [1] يوما على السفّاح وعنده سليمان بن هشام وقد أمّنه والده فقال:
لا يغرّنك ما ترى من رجال
…
إنّ بين الضلوع داء دويّا
فضع السيف وارفع السوط حتى
…
لا ترى فوق ظهرها أمويّا
فأمر السفاح بسليمان فقتل. ودخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن علي وعنده ثمانون أو تسعون من بني أمية يأكلون على مائدته فقال:
أصبح الملك في ثبات الأساس
…
بالبهاليل من بني العبّاس
طلبوا أمر هاشم فنعونا
…
بعد ميل من الزمان وباس
لا تقيلنّ عبد شمس عثارا
…
فاقطعن كلّ رقلة وغراس
فلنا أظهر التودّد منها
…
وبها منكم كحزّ المواسي
فلقد غاضني وغاض سوائي
…
قربهم من نمارق وكراسي
أنزلوها بحيث أنزلها الله
…
بدار الهوان والإتعاس
واذكروا مصرع الحسين وزيدا
…
وقتيلا بجانب المهراس
والقتيل الّذي بحرّان أضحى
…
ثاويا رهن غربة ونعاس
فأمر بهم عبد الله فشدخوا بالعمد، وبسط من فوقهم الأنطاع فأكل الطعام عليهم وأنينهم يسمع حتى ماتوا، وذلك بنهر أبي فطرس وكان فيمن قتل: محمد بن عبد الملك بن مروان والمعزّ بن يزيد وعبد الواحد بن سليمان وسعيد بن عبد الملك وأبو
[1] سديف: ابن الأثير ج 5 ص 429.