الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبناء الفروع على أصولهم الفاسدة. وكان بنواحي البحرين وعمان إلى بلاد حضرموت وشرقي اليمن ونواحي الموصل آثار تفشي وعروق في كل دولة، إلى أن خرج عليّ بن مهدي من خولان باليمن ودعا إلى هذه النحلة. وغلب يومئذ من كان من الملوك باليمن واستلحم بني الصليحيّ القائمين بدعوة العبيديّين من الشيعة وغلبوهم على ما كان بأيديهم من ممالك اليمن، واستولوا أيضا على زبيد ونواحيها من يد موالي بني نجاح ومولى ابن زياد كما نذكر ذلك كله في أخبارهم إن شاء الله سبحانه وتعالى. فلتصفح في أماكنها. ويقال إنّ باليمن لهذا العهد شيعة من هذه الدعوة ببلاد حضرموت، والله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء.
الدولة الإسلامية بعد افتراق الخلافة
لم يزل أمر الإسلام جميعا دولة واحدة أيام الخلفاء الأربعة وبني أمية من بعدهم لاجتماع عصبية العرب. ثم ظهر من بعد ذلك أمر الشيعة، وهم الدعاة لأهل البيت، فغلب دعاة بني العبّاس على الأمر واستقلوا بخلافة الملك، ولحق الفلّ من بني أمية بالأندلس، فقام بأمرهم فيها من كان هنالك من مواليهم، ومن هرب، فلم يدخلوا في دعوة بني العبّاس، وانقسمت لذلك دولة الإسلام بدولتين لافتراق عصبية العرب. ثم ظهر دعاة أهل البيت بالمغرب والعراق من العلويّة ونازعوا خلفاء بني العبّاس واستولوا على القاصية من النواحي كالأدارسة بالمغرب الأقصى، والعبيديّين بالقيروان ومصر، والقرامطة بالبحرين، والدواعي بطبرستان والديلم والأطروش فيها من بعده. وانقسمت دولة الإسلام بذلك دولا متفرّقة نذكرها واحدة بعد واحدة. ونبدأ منها أوّلا بذكر الشيعة ومبادئ دولهم، وكيف انساقت إلى العبّاسية ومن بعدهم إلى آخر دولهم. ثم نرجع إلى دولة بني أمية بالأندلس. ثم نرجع إلى دولة الدعاة للدولة العبّاسية في النواحي من العرب والعجم كما ذكرناه في برنامج الكتاب، والله الموفق للصواب.
مبدأ دولة الشيعة
(أعلم) أن مبدأ هذه الدولة أنّ أهل البيت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون أنهم أحق بالأمر وأنّ الخلافة لرجالهم دون من سواهم من قريش. وفي
الصحيح أنّ العبّاس قال لعليّ في وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الّذي توفي فيه: اذهب بنا إليه نسأله فيمن هذا الأمر، إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا. فقال له عليّ: إن منعناها لا يعطيناها الناس بعده. وفي الصحيح أيضا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الّذي توفي فيه: هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا فاختلفوا عنده في ذلك، وتنازعوا ولم يتم الكتاب. وكان ابن عبّاس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم، حتى لقد ذهب كثير من الشيعة إلى أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أوصى في مرضه ذلك لعليّ، ولم يصح ذلك من وجه يعوّل عليه. وقد أنكرت هذه الوصية عائشة وكفى بإنكارها. وبقي ذلك معروفا من أهل البيت وأشياعهم. وفيما نقله أهل الآثار أنّ عمر قال يوما لابن العبّاس: إنّ قومكم يعني قريشا ما أرادوا أن يجمعوا لكم، يعني بني هاشم بين النبوّة والخلافة فتحموا عليهم، وأنّ ابن عبّاس نكر ذلك، وطلب من عمر إذنه في الكلام فتكلّم بما عصب له. وظهر من محاورتهما أنهم كانوا يعلمون أنّ في نفوس أهل البيت شيئا من أمر الخلافة والعدول عنهم بها. وفي قصّة الشورى: أنّ جماعة من الصحابة كانوا يتشيعون لعليّ ويرون استحقاقه على غيره، ولما عدل به إلى سواه تأفّفوا من ذلك وأسفوا له مثل الزبير ومعه عمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود وغيرهم. إلا أنّ القوم لرسوخ قدمهم في الدين وحرصهم على الألفة، لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأفّف والأسف. ثم لما فشا التكبّر على عثمان والطعن في الآفاق كان عبد الله ابن سبإ ويعرف بابن السوداء، من أشدّ الناس خوضا في التشنيع لعليّ بما لا يرضاه من الطعن على عثمان وعلى الجماعة في العدول إليه عن عليّ، وأنه وليّ بغير حق، فأخرجه عبد الله بن عامر من البصرة ولحق بمصر فاجتمع إليه جماعة من أمثاله جنحوا إلى الغلوّ في ذلك وانتحال المذاهب الفاسدة فيه، مثل خالد بن ملجم وسوذان بن حمدان وكنانة بن بشر وغيرهم. ثم كانت بيعة عليّ وفتنة الجمل وصفين، وانحراف الخوارج عنه بما أنكروا عليه من التحكيم في الدين. وتمحّضت شيعته للاستماتة معه في حرب معاوية مع عليّ، وبويع ابنه الحسن وخرج عن الأمر لمعاوية، فسخط ذلك شيعة عليّ منه وأقاموا يتناجون في السرّ باستحقاق أهل البيت والميل إليهم، وسخطوا من الحسن ما كان منه، وكتبوا إلى الحسين بالدعاء له فامتنع، وأوعدهم
إلى هلاك معاوية. فساروا إلى محمد بن الحنفيّة وبايعوه في السرّ على طلب الخلافة متى أمكنه، وولّى على كل بلد رجلا، وأقاموا على ذلك ومعاوية يكف بسياسة من غربهم، ويقتلع الداء إذا تعيّن له منهم، كما فعل بحجر بن عديّ وأصحابه، ويروّض من شماس أهل البيت ويسامحهم في دعوى تقدّمهم واستحقاقهم. ولا يهيّج أحدا منهم بالتثريب عليه في ذلك، إلى أن مات ووليّ يزيد، وكان من خروج الحسين وقتله ما هو معروف، فكانت من أشنع الوقائع في الإسلام. عظمت بها الشحناء، وتوغّل الشيعة في شأنهم، وعظم النكير والطعن على من تولّى ذلك أو قعد عنه ثم تلاوموا على ما أضاعوه من أمر الحسين وأنهم دعوه ثم لم ينصروه فندموا ورأوا أن لا كفّارة في ذلك إلا الاستماتة دون ثأره، وسمّوا أنفسهم التوّابين. وخرجوا لذلك يقدمهم سليمان بن صرد الخزاعيّ، ومعه جماعة من خيار أصحاب عليّ. وكان ابن زياد قد انتقض عليه العراق ولحق بالشام وجمع وزرينج [1] قاصدا العراق فزحفوا إليه وقاتلوه حتى قتل سليمان وكثير من أصحابه كما ذكرنا في خبره وذلك سنة خمس وستين. ثم خرج المختار بن أبي عبيد ودعا لمحمد بن الحنفية كما قدّمناه في خبره، وفشا التعصّب لأهل البيت في الخاصة والعامة بما خرج عن حدود الحق، واختلفت مذاهب الشيعة فيمن هو أحق بالأمر من أهل البيت، وبايعت كل طائفة لصاحبها سرّا ورسخ الملك لبني أمية وطوى هؤلاء الشيعة قلوبهم على عقائدهم فيها، وتستّروا بها مع تعدّد فرقهم وكثرة اختلافهم كما ذكرناه عند نقل مذاهبهم في فصل الإمامة من الكتاب الأوّل. ونشأ زيد بن عليّ بن الحسين وقرأ على واصل بن عطاء إمام المعتزلة في وقته، وكان واصل متردّدا في إصابة عليّ في حرب صفين والجمل، فنقل ذلك عنه وكان أخوه محمد الباقر يعذله في الأخذ عمن يرى سخطيّة جدّه، وكان زيد أيضا مع قوله بأفضلية عليّ على أصحابه، يرى أنّ بيعة الشيخين صحيحة وأنّ إقامة المفضول جائزة خلاف ما عليه الشيعة. ويرى أنهما لم يظلما عليّا. ثم دعته الحال إلى الخروج بالكوفة سنة إحدى وعشرين ومائة، واجتمع له عامّة الشيعة ورجع عنه بعضهم لما سمعوه يثني على الشيخين وأنهما لم يظلما عليّا. وقالوا: لم يظلمك هؤلاء ورفضوا دعوته فسمّوا الرافضة من أجل ذلك. ثم قاتل يوسف بن عمر
[1] العبارة مبتورة وغير واضحة وفي الكامل ج 4 ص 164: «وكان مروان قد سيّر ابن زياد إلى الجزيرة، ثم إذا فرغ منها سار الى العراق» .