الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرو ومعه ملك بخارى وأهل سمرقند وكشّ ونسف في عشرين ألفا. وجاء إلى نهر الشاش فحال بينه وبين عبوره كورصول، عسكر نصر في ليلة ظلماء، ونادى نصر لا يخرج أحد وخرج عاصم بن عمير في جند سمرقند، فجاولته خيل الترك ليلا وفيهم كورصول فأسره عاصم وجاء به إلى نصر فقتله وصلبه على شاطئ النهر فحزنت الترك لقتله وأحرقوا أبنيته وقطعوا آذانهم وشعورهم وأذناب خيولهم. وأمر نصر بإحراق عظامه لئلا يحملوها بعد رجوعه. ثم سار إلى فرغانة فسبى منها ألف رأس، وكتب إليه يوسف بن عمران ليسير إلى الحرث بن شريح في الشاش ويخرّب بلادهم ويسبيهم. فسار لذلك وجعل على مقدّمته يحيى بن حصين وجاء بهم إلى الحرث وقاتلهم وقتل عظيما من عظماء الترك وانهزموا. وجاء ملك الشاش في الصلح والهدنة والرهن واشترط نصر عليه إخراج الحرث بن شريح من بلده فأخرجه إلى فاراب.
واستعمل على الشاش ينزل ابن صالح مولى عمرو بن العاص. ثم سار إلى أرض فرغانة وبعث أمّه في إتمام الصلح، فجاءت لذلك وأكرمها نصر وعقد لها ورجعت. وكان الصغد لما قتل خاقان طمعوا في الرجعة إلى بلادهم، فلما ولي نصر بعث إليهم في ذلك وأعطوه ما سألوه من الشروط، وكان أهل خراسان قد نكروا شروطهم، وكان منها أن لا يعاقب من ارتدّ عن الإسلام إليهم ولا يؤخذ منهم أسرى إلا ببينة وحكم وعاب الناس ذلك على نصر لما أمضاه لهم. فقال: لو عاينتم شكوتهم في المسلمين مثل ما عاينت ما أنكرتم. وأرسل إلى هشام في ذلك فأمضاه وذلك سنة ثلاث وعشرين.
ظهور زيد بن على ومقتله
ظهر زيد بن عليّ بالكوفة خارجا على هشام داعيا للكتاب والسنّة وإلى جهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، والعدل في قسمة الفيء وردّ المظالم وأفعال الخير ونصر أهل البيت. واختلف في سبب خروجه فقيل: إنّ يوسف ابن عمران لما كتب في خالد القسريّ كتب إلى هشام أنه شيعة لأهل البيت، وأنه ابتاع من زيد أرضا بالمدينة بعشرة آلاف دينار وردّ عليه الأمن، وأنه أودع زيدا وأصحابه الوافدين عليه مالا، فكان زيد قد قدم على خالد بالعراق هو ومحمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب، وداود بن علي بن عبد الله بن عبّاس فأجازهم ورجعوا إلى المدينة
فبعث هشام عنهم وسألهم فأقرّوا بالجائزة وحلفوا على ما سوى ذلك وأنّ خالدا لم يودعهم شيئا فصدّقهم هشام وبعثهم إلى يوسف فقاتلوا خالدا وصدّقهم الآخر، وعادوا إلى المدينة ونزلوا القادسية. وراسل أهل الكوفة زيدا فعاد إليهم، وقيل في سبب ذلك، إنّ زيدا اختصهم مع ابن عمه جعفر ابن الحسن المثنّى في وقف عليّ، ثم مات جعفر فخاصم أخوه عبد الله زيدا وكانا يحضران عند عامل خالد بن عبد الملك بن الحرث، فوقعت بينهما في مجلسه مشاتمة وأنكر زيد من خالد إطالته للخصومة وأن يستمع لمثل هذا فأغلظ له زيد وسار إلى هشام فحجبه، ثم أذن له بعد حين فحاوره طويلا ثم عرض له بأنه ينكر الخلاف وتنقصه. ثم قال له: أخرج؟ قال: نعم ثم لا أكون إلا بحيث تكره! فسار إلى الكوفة وقال له محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: ناشدتك الله الحق بأهلك ولا تأت الكوفة وذكّره بفعلهم مع جدّه وجدّه يستعظم ما وقع به. وأقبل الكوفة فأقام بها مستخفيا ينتقل في المنازل واختلف إليه الشيعة وبايعه جماعة منهم: مسلمة بن كهيل ونصر بن خزيمة العبسيّ ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري وناس من وجوه أهل الكوفة يذكر لهم دعوته. ثم يقول: أتبايعون على ذلك؟ فيقولون: نعم فيضع يده على أيديهم ويقول عهد الله عليك وميثاقه وذمّته وذمّة نبيه بيقين تتبعني ولا تقاتلني مع عدوّي ولتنصحنّ لي في السر والعلانية. فإذا قال نعم وضع يده على يده ثم قال: اللَّهمّ اشهد فبايعه خمسة عشر ألفا وقيل أربعون. وأمرهم بالاستعداد وشاع أمره في الناس وقيل: إنه أقام في الكوفة ظاهرا ومعه داود بن عليّ ابن عبد الله بن عبّاس لما جاءوا لمقاتلة خالد فاختلف إليه الشيعة، وكانت البيعة. وبلغ الخبر إلى يوسف بن عمران فأخرجه من الكوفة ولحق الشيعة بالقادسية أو الغلبية وعذله داود بن عليّ في الرجوع معه وذكره حال جدّه الحسين فقالت الشيعة لزيد: هذا إنما يريد الأمر لنفسه ولأهل بيته فرجع معهم ومضى داود إلى المدينة. ولما أتى الكوفة جاءه مسلمة بن كهيل فصدّه عن ذلك وقال أهل الكوفة لا يعوّلون لك. وقد كان مع جدّك منهم أضعاف من معك ولم تعاوله، وكان أعزّ عليهم منك على هؤلاء فقال له: قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وعنقهم. قال: فتأذن لي أن أخرج من هذا البلد فلا آمن أن يحدث حدث وأنا لا أهلك نفسي، فخرج لليمامة وكتب عبد الله بن الحسن المثنّى إلى زيد يعذله ويصدّه فلم يصغ إليه وتزوّج نساء بالكوفة وكان يختلف إليهنّ والناس يبايعونه، ثم أمر
أصحابه يتجهّزون. ونمى الخبر إلى يوسف بن عمر فطلبه وخاف فتعجّل الخروج وكان يوسف بالحيرة وعلى الكوفة الحكم بن الصلت وعلى شرطته عمر بن عبد الرحمن من القاهرة ومعه عبيد الله بن عبّاس الكندي في ناس من أهل الشام. ولما علم الشيعة أنّ يوسف يبحث عن زيد جاء إليه جماعة منهم فقالوا: ما تقول في الشيخين؟
فقال زيد: رحمهما الله وغفر لهما، وما سمعت أهل بيتي يذكرونهما إلا بخير. وغاية ما أقول أنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس فدفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك الكفر، وقد عدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنّة. قال: فإذا كان أولئك لم يظلموك فلم تدعو إلى قتالهم؟ فقال: إنّ هؤلاء ظلموا المسلمين أجمعين فإنا ندعوهم إلى الكتاب والسنّة وأن نحيي السنن ونطفئ البدع، فإن أجبتم سعدتم وإن أبيتم فلست عليكم بوكيل. ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا: سبق الإمام الحق يعنون محمدا الباقر، وأنّ جعفرا ابنه إمامنا بعده، فسمّاهم زيد الرافضة ويقال إنما سمّاهم الرافضة حيث فارقوه ثم بعث يوسف بن عمر إلى الحكم بأن يجمع أهل الكوفة في المسجد فجمعوا وطلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة فخرج منها ليلا واجتمع إليه ناس من الشيعة وأشعلوا النيران ونادوا يا منصور حتى طلع الفجر، وأصبح جعفر بن أبي العباس الكندي فلقى اثنين من أصحاب زيد يناديان بشعاره فقتل واحدا وأتى بالآخر إلى الحكم فقتله، وأغلق أبواب المسجد على الناس وبعث إلى يوسف بالخبر فسار من الحيرة وقدم الريّاف بن سلمة الأراثيني في ألفين خيالة وثلاثمائة ماشية. وافتقد زيد الناس فقيل إنهم في الجامع محصورون، ولم يجد معه إلا مائتين وعشرين. وخرج صاحب الشرطة في خيله فلقي نصر بن خزيمة العبسيّ من أصحاب زيد ذاهبا إليه فحمل عليه نصر وأصحابه فقتلوه وحمل زيد على أهل الشام فهزمهم وانتهى إلى دار أنس بن عمر الأزدي ممن بايعه وناداه فلم يخرج إليه.
ثم سار زيد إلى الكناسة فحمل على أهل الشام فهزمهم ثم دخل الكوفة، والريات في اتباعه فلما رأى زيد خذلان الناس قال لنصر بن خزيمة: أفعلتموها حسينية؟ قال:
أمّا أنا فو الله لأموتنّ معك وإنّ الناس بالمسجد فامض بنا إليهم فجاء إلى المسجد ينادي بالناس بالخروج إليه فرماه أهل الشام بالحجارة من فوق المسجد فانصرفوا عند المساء. وأرسل يوسف بن عمر من الغد العبّاس ابن سعد المزني في أهل الشام فجاءه في دار الزرق وقد كان أوى إليها عند المساء، فلقيه زيد بن ثابت فاقتتلوا فقتل نصر.