الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه أقبل على مداراتهم إلى أن جنّ الليل. ثم تسرّب في البلد واختفى منتصف ذي الحجة من سنة ثلاث، وبلغ الخبر إلى حميد وعليّ بن هشام، فأقبلوا إلى دار إبراهيم فلم يجدوه، وذلك لسنتين من بيعته. وأقام عليّ بن هشام على شرقي بغداد وحميد على غربيها وأظهر سهل بن سلامة ما كان يدعو إليه فقرّبه حميد ووصله.
قدوم المأمون إلى العراق
لما وقعت هذه الفتن بالعراق بسبب الحسن بن سهل ونفور الناس من استبداده وأخيه على المأمون ثم من العهد لعليّ الرضا بن موسى الكاظم وإخراج الخلافة من بني العبّاس، وكان الفضل بن سهل يطوي ذلك عن المأمون ويبالغ في اخفائه حذرا من أن يتغيّر رأي المأمون فيه وفي أخيه. ولما جاء هرثمة للمأمون وعلم أنه يخبره بذلك وأنّ المأمون يثق بقوله، أحكم السعاية فيه عند المأمون حتى تغيّر له فقتله ولم يصغ إلى كلامه، فازدادت نفرة الشيعة وأهل بغداد وكثرت الفتن وتحدث القوّاد في عسكر المأمون بذلك، ولم يقدروا على إبلاغه، فجاءوا إلى عليّ الرضا وسألوه إنهاء ذلك إلى المأمون، فأخبره بما في العراق من الفتنة والقتال، وأنهم بايعوا إبراهيم بن المهدي فقال المأمون: إنما جعلوه أميرا يقوم بأمرهم! فقال: ليس كذلك وإنّ الحرب الآن قائمة بين ابن سهل وبينه، وإنّ الناس ينقمون عليك مكان الفضل والحسن ومكاني وعهدك لي، فقال له المأمون: ومن يعلم هذا غيرك؟ فقال يحيى بن معاذ وعبد العزيز ابن عمران وغيرهما من وجوه قوّادك. فاستدعاهم فكتموا حتى استأمنوا إليه ثم أخبروه بما أخبره به الرضا، وأنّ الناس بالعراق يتّهمونه بالرفض لعهده لعلي الرضا وأنّ طاهر ابن الحسين مع علم أمير المؤمنين ببلائه قد دفع إلى الرقّة وضعف أمره، والبلاد تفتّقت من كل جانب، وإن لم يتدارك الأمر ذهبت الخلافة منهم. فاستيقن المأمون ذلك وأمر بالرحيل واستخلف على خراسان غسّان بن عبّاد وهو ابن عم الفضل بن سهل، وعلم الفضل بن سهل بذلك فشرع في عقاب أولئك القوّاد فلم يغنه. ولما نزل المأمون شرحبيل وثب بالفضل أربعة نفر فقتلوه في الحمام وهربوا، وجعل المأمون جعلا لمن جاء بهم، فجاء بهم العبّاس بن الهيثم الدينَوَريّ. فلما حضروا عند المأمون قالوا له:
أنت أمرتنا بقتله! وقيل بل اختلفوا في القول فقال بعضهم: أمرنا بقتله ابن أخيه، وقال آخرون بل عبد العزيز بن عمران من القوّاد وعلي وموسى وغيرهم، وأنكر
آخرون. فأمر المأمون بقتلهم وقتل من أقرّوا عليه من القوّاد، وبعث إلى الحسن بن سهل وسار إلى العراق. وجاءه الخبر بأنّ الحسن بن سهل أصابته الماليخوليا واختلط فبعث دينارا مولاه ووكّله بأمور العسكر وكان إبراهيم بن المهدي وعيسى بالمدائن وأبو البطّ وسعيد بالنيل والحرب متصلة بينهم. والمطّلب بن عبد الله بن مالك قد اعتلّ بالمدائن فرجع إلى بغداد وجعل يدعو إلى المأمون سرّا وإلى خلع إبراهيم وأن يكون منصور بن المهدي خليفة للمأمون وداخله في ذلك خزيمة بن خازم وغيره من القوّاد. وكتب إلى عليّ بن هشام وحميد أن يتقدّما فنزل حميد نهر صرصر وعليّ النهروان، وعاد إبراهيم بن المهدي من المدائن إلى بغداد منتصف صفر، وقبض على منصور وخزيمة ومنع المطّلب مواليه، فأمر إبراهيم بنهب داره ولم يظفر، ونزل حميد وعلي بن هشام المدائن وأقاما بها. وزوّج المأمون في طريقه ابنته من علي الرضا وبعث أخاه إبراهيم بن موسى الكاظم على الموسم، وولّاه اليمن وكان به حمدويه بن عليّ ابن عيسى بن ماهان قد غلب عليه. ولما نزل المأمون مدينة طوس مات عليّ الرضا فجأة آخر صفر من سنة ثلاث من عنب أكله، وبعث المأمون إلى الحسن بن سهل بذلك، وإلى أهل بغداد وشيعته يعتذر من عهده إليه، وأنه قد مات ويدعوهم إلى الرجوع لطاعته. ثم سار إلى جرجان وأقام بها أشهرا وعقد على جرجان لرجاء بن أبي الضحّاك قاعدا وراء النهر، ثم عزله سنة أربع وعقد لغسّان بن عبّاد من قرابة الفضل بن سهل على خراسان وجرجان وطبرستان وسجستان وكرمان وروبان ودهارير، ثم عزله بطاهر كما نذكره. ثم سار إلى النهروان فلقيه أهل بيته وشيعته والقوّاد ووجوه الناس وكان قد كتب إلى طاهر أن يوافيه بها، فجاء من الرقّة ولقيه هنالك. وسار المأمون فدخل بغداد منتصف صفر من سنة أربعة فنزل الرصافة ثم نزل قصره بشاطئ دجلة، وبقي القوّاد في العسكر وانقطعت الفتن وبقي الشيعة يتكلّمون في لبس الخضرة، وكان المأمون قد أمر طاهر بن الحسين أن يسأل حوائجه فأوّل شيء سأل لبس السواد فأجابه، وقعد للناس وخلع عليه وعليهم الثياب السود واستقامت الأمور [1] كانت الفتنة قد وقعت بالموصل بين بني شامة وبني ثعلبة وكان علي بن الحسن الهمدانيّ متغلبا عليها في قومه فاستجارت ثعلبة بأخيه محمد فأمرهم بالخروج إلى البرية ففعلوا، وتبعهم بنو شامة في ألف رجل وحاصروهم بالقوجاء
[1] بياض بالأصل وفي الكامل لابن الأثير ج 6 ص 357: وذلك لسبع بقين من صفر.