الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قفصة، فسرّح الناصر إليه عساكر الموحّدين فقصدوا جموعه وقتل. وفي أيامه كان فتح ميورقة على ما نقلوا من خبرها.
(فتح افريقية)
وكان من خبرها أن محمد بن إسحاق لمّا فصل إخوته عليّ ويحيى إلى إفريقية، وولّى على ميورقة أخاهم طلحة، داخل محمد بعض الحاشية، وخرج من الاعتقال هو وابن الزبرتير، وقام بدعوة المنصور، وبعث بها مع ابن الزبرتير، فبعث المنصور أسطوله مع أبي العلا بن جامع لتملّك ميورقة، فأبى محمد عن ذلك، راسل طاغية برشلونة في المدد بجند من النصارى يستخدمهم فأجابه، وانتقض عليه أهل ميورقة لذلك، وخشوا عادية المنصور فطردوا محمد بن إسحاق وولّوا عليهم أخاه تاشفين.
وبلغ ذلك عليّا وهو على قسنطينة، فبعث إخوته عبد الله الغازي فداخلوا بعض أهل البلد وعزلوا تاشفين وولوا عبد الله، وبعث المنصور أسطوله مرارا مع أبي العلا بن جامع. ثم مع يحيى ابن الشيخ إبراهيم الهزرجي فامتنعوا عليهم، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وقوي أمره وذلك سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ثم لما هلك المنصور بعث الناصر أسطوله مع عمّه السيد أبي العلا والشيخ أبي سعيد بن أبي حفص فنازلوه وانخذل عنه أخوه تاشفين بالناس، ودخل البلد عنوة، واستفتحت وقتل. وانصرف السيد إلى مراكش وولّى عليها عبد الله بن طاع الله الكومي، ثم ولّى الناصر عليها عمّه السيد أبا زيد، وجعل ابن طاع الله على قيادة البحر. وبعد السيد أبي زيد وليها السيد أبو عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن، ثم أبو يحيى علي بن أبي عمران التينمللي، ومن يده أخذها النصارى سنة سبع وعشرين وستمائة، والله تعالى أعلم.
(خبر إفريقية وتغلب ابن غانية عليها ولاية أبي محمد بن أبي الشيخ أبي حفص)
لما هلك المنصور قوي أمر ابن غانية بإفريقية، وولّى الناصر السيد أبا زيد والشيخ أبا
سعيد بن أبي حفص، ويقال ان المنصور ولّاهما، وكثر الهرج بإفريقية وثار بالمهديّة محمد بن عبد الكريم الرجراجي، ودعا لنفسه، ونازع ابن غانية الموحّدين الأمر، وتسمّى صاحب قبة الأديم محمد بن عبد الكريم الركراكي. ونزل تونس وعاث في قراها سنة ست وتسعين وخمسمائة ونازل ابن غانية بفاس فامتنع عليه، وكان محمد ابن مسعود البلطي شيخ رياح من أشياعه فانتقض عليه، وراجع ابن غانية فأتيح له الظهور على محمد بن عبد الكريم وقصده وهو على قفصة فهزمه. واتبعه إلى المهديّة فنازله بها. وبعث إلى صاحب تونس في المدد بأسطوله فأمدّه، فضاقت حال ابن عبد الكريم، فسأل الأمان من ابن غانية فأمّنه، وخرج إليه فتقبض عليه واستولى على المهديّة سنة تسع وتسعين وخمسمائة وقتله.
وبعث الناصر أسطوله في البحر مع عمه أبي العلا وعساكر الموحّدين مع السيد أبي الحسن بن أبي حفص بن عبد المؤمن. ونازلوا ابن عبد الكريم قبل استيلاء ابن غانية عليها، فادعى ابن عبد الكريم بأنه حافظ للحصن من العدو، ولا يمكنه إلّا لثقة الخليفة. وانصرف السيد أبو الحسن إلى بجاية موضع عمله، وقسّم العسكر بينه وبين أخيه السيد أبي زيد صاحب تونس وصلحت الأحوال. ثم أن ابن غانية لمّا تغلّب على المهديّة وعلى قراقش الغزّيّ صاحب طرابلس، وقد مرّت أخباره في أخبار ابن غانية. ثم تغلّب على بلاد الجريد، ثم نزل تونس تسع وتسعين وخمسمائة وافتتحها عنوة، وتقبّض على السيد أبي زيد، وطالب أهل تونس بالنفقة التي أنفق وبسط عليهم العذاب. وتولى ذلك فيهم كاتبه ابن عصفور حتى هلك في الامتحان كثير من بيوتاتهم. ثم دخل في دعوته أهل بونه وبنزرت وشقبناريّة والاربص والقيروان وسبتة وصفاقس وقابس وطرابلس. وانتظمت له أعمال إفريقية وفرّق العمّال وخطب للعبّاسي كما ذكرناه في أخباره. ثم ولّى على تونس أخاه الغازي ونهض إلى جبال طرابلس فأغرمهم ألف ألف دينار مكرّرة مرّتين ورجع إلى تونس. واتصل بالناصر كثرة الهرج بإفريقية واستيلاء ابن غانية عليها وحصول السيد أبي زيد في قبضته، فشاور الموحّدين في أمره، فأشاروا بمسالة ابن غانية. وأشار أبو محمد بن الشيخ أبي حفص بالنهوض إليها والمدافعة عنها فعمل على رأيه، ونهض من مراكش سنة إحدى وستمائة، وبعث الأسطول في البحر لنظر أبي يحيى بن أبي زكريا الهزرجيّ، فبعث ابن غانية ذخيرته وحرمه إلى المهديّة مع عليّ بن الغازي بن محمد بن علي. وانتقض
أهل طرابلس على ابن غانية وأخرجوا عاملهم تاشفين بن الغازي بن محمد بن علي ابن غانية، وقصدهم ابن غانية فافتتحها وخرّبها.
ووصل أسطول الناصر إلى تونس فدخلوها وقتلوا من كان بها من أتباع ابن غانية، ونهض الناصر في أتباع ابن غانية فأعجزه ونازل المهديّة، وبعث أبا محمد بن الشيخ أبي حفص للقاء ابن غانية فلقيه بتاجرا فأوقع به وقتل أخاه جبارة. وكاتبه ابن اللمطي وعامله الفتح بن محمد. قال ابن نخيل: وكانت الغنائم من عسكره يومئذ ثمانية عشر ألفا من أحمال المال والمتاع والخرثيّ والآلة. ونجا بأهله وولده فأطلق السيد أبا زيد من الاعتقال بعد أن همّ حرسه بقتله عند الهزيمة. ثم تسلّم الناصر المهديّة من يد علي بن الغازي المعروف بالحاج الكافي على أن يلحق بابن عمّه فقبل شرطه ومضى لوجهه. ثم رجع من طريقه واختار التوحيد فناله من الكرامة والتقريب ما لا فوقه.
وهلك في يوم العقاب الآتي ذكره. ثم فرض الناصر على المهديّة، واستعمل عليها محمد بن يغمور الهرغي، وعلى طرابلس عبد الله بن إبراهيم بن جامع، ورجع إلى تونس فأقام إلى سنة ثلاث وستمائة. وسرّح أخاه السيد أبا إسحاق في عسكر من الموحّدين لاتباع العدوّ فدوّخوا ما وراء طرابلس. واستأصلوا بني دمّر ومطماطة وجبال نفوسة وتجاوزوها إلى سويقة بني مذكور. وقفل السيد أبو إسحاق بهم إلى أخيه الناصر بتونس وقد كمل الفتح. ثم اعتزم على الرحيل إلى المغرب وأجمع رأيه على تولية أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص، وكان شيخ دولته وصاحب رأيه فامتنع إلى أن بعث إليه الناصر في ذلك بابنه يوسف، فأكبر مجيئه وأناب لذلك على أن يقيم بإفريقية ثلاث سنين خاصة خلاف ما يستحكم صلاحها، وأن يحكم فيمن يقيم معه من العسكر فتقبّل شرطه.
ورجع الناصر إلى مراكش فدخلها في ربيع سنة أربع وستمائة، وقدم عبد العزيز بن أبي زيد الهنتاتي على الأشغال بالعدوتين وكان على الوزارة أبو سعيد بن جامع، وكان صديقا لابن عبد العزيز. وعند مرجعه من إفريقية توفي السيد أبو الربيع بن عبد الله ابن عبد المؤمن صاحب بجاية، وقد كان أبو الربيع هذا ولي بجاية من قبل، وهو الّذي جدّد للربيع [1] . وكان بنو حمّاد شيّدوها من قبل، فأصابها الحريق وجدّدها
[1] وفي نسخة أخرى: جدّد الرفيع والبديع من رياضها.