الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراقب عليه. ثم بعث وفده متطارحين على السلطان في الملامة والاتفاق، واتصال اليد على صاحب مراكش طالب الوتر في تلمسان وإفريقية. وان يفرده بالدعوة الموحدية فأجابه إلى ذلك. ووفدت أمّه سوط النساء للاشتراط والقبول فأكرم موصلها وأسنى جائزتها، وأحسن وفادتها ومنقلبها، وسوّغ ليغمراسن في شرطه بعض الأعمال بإفريقية، وأطلق أيدي عماله على جبايته، وارتحل إلى حضرته لسبع عشرة ليلة من نزوله.
وفي أثناء طريقه وسوس إليه الموحدون باستبداد يغمراسن، وأشاروا بإقامة منافسيه من زناتة وأمراء المغرب الأوسط شجى في صدره، ومعترضا عن مرامه، وإلباسهم ما لبس من شارة السلطان وزيّه، فأجابهم وقلّد كلّا من عبد القوي بن عطية التوجيني، والعبّاس بن منديل المغراوي ومنصور المليكشي أمر قومه ووطنه، وعهد إليهم بذلك وأذن لهم في اتخاذ الآلة والمراسم السلطانية على سنن يغمراسن قريعهم، فاتخذوه بحضرته وبمشهد من ملأ الموحدين. وأقاموا مراسمها ببابه. وأغذّ السير إلى تونس قرير العين بامتداد ملكه، وبلوغ وطره والإشراف على إذعان المغرب لطاعته وانقياده لحكمه، وإدالة دعوة بني عبد المؤمن فيه بدعوته، فدخل الحضرة واقتعد أريكته وأنشده الشعراء في الفتح، وأسنى جوائزهم وتطاولت إليه أعناق الآفاق نذكره. الله أعلم.
(الخبر عن دخول أهل الأندلس في الدعوة الحفصية ووصول بيعة إشبيلية وكثير من أمصارها)
كان بأشبيليّة أبو مروان أحمد الباجي من أعقاب أبي الوليد وأبو عمرو بن الجدّ من أعقاب الحافظ أبي بكر الطائر الذكر، ورثا التجلّة عن جدّهما وأجراهما الخلفاء على سننهم. وكانا مسمتين وقورين متبوعين من أهل بلدهما مطاعين في أفقهما. وكان السادة من بني عبد المؤمن يعوّلون على شوراهما في مصرهما. وكان بعدوة الأندلس التياث في الملك منذ وفاة المستنصر، وانتزى بها السادة وافترقوا. وثار بشرق الأندلس ابن هود وزيّان بن مردنيش، وبغربها ابن الأحمر. وغلب ابن هود الموحدين
وأخرجهم عنها. وملك ابن هود إشبيليّة سنة ست وعشرين وستمائة واعتقل من كان بها من الموحدين. ثم انتقضوا عليه سنة تسع وعشرين وستمائة بعدها وأخرجوا أخاه أبا النجاة سالما، وبايعوا الباجي وتسمّى بالمعتضد، واستوزر أبا بكر بن صاحب الرد، ودخلت في بيعته قرمونة، وحاصره ابن هود فوصل الباجي يده بمحمد بن الأحمر الثائر بأرجونة وجيان بعد أن ملك قرطبة.
وزحف ابن هود إليهم فلقوه وهزموه، ورجعوا ظافرين، فدخل الباجي إلى إشبيليّة وعسكر بخارجها، ثم انتهز فرصته في إشبيليّة وبعث قريبه ابن اشقيلولة مع أهل أرجونة والنصارى إلى فسطاط الباجي فتقبّضوا عليه وعلى وزيره وقتلوهما سنة إحدى وثلاثين وستمائة. ودخل ابن الأحمر إشبيليّة، ولشهر من دخوله إليها ثار عليه أهلها ورجعوا إلى طاعة ابن هود، وولى عليهم أخاه أبا النجاة سالما. ولما هلك محمد بن هود سنة خمس وثلاثين وستمائة صرف أهل إشبيليّة طاعتهم إلى الرشيد بمراكش، وولوا على أنفسهم محمد بن السيد أبي عمران الّذي قدّمنا أنه كان واليا بقسنطينة، وأن الأمير أبا زكريا غلبه عليها واعتقله، وبعث ولده إلى الأندلس فربي محمد هذا في كفالة أمه بأشبيليّة. ولما سار أهل إشبيليّة للرشيد قدّموه على أنفسهم، وتولّى كبر ذلك أبو عمرو بن الجد، وبعثوا وفدهم إلى الحضرة فأقرّ السيد أبا عبد الله على ولايتهم. واستمرت في دعوة الرشيد إلى أن هلك سنة أربعين وستمائة. وقد ملك الأمير أبو زكريا تلمسان وأشرف على أعمال المغرب، فاقتدوا بمن تقدّم إلى بيعته من أهل شرق الأندلس ببلنسية ومرسية، وبايعوا للأمير أبي زكريا بن أبي محمد بن أبي حفص واقتدى بهم أهل شريش وطريف، وبعثوا إليه وفدهم ببيعته سنة إحدى وأربعين وستمائة. وسألوا منه ولاية بعض أهل قرابته فولّى عليهم أبا فارس ابن عمه يونس بن الشيخ أبي حفص، فقدم إشبيليّة وقام بأمرها، وسلّم له ابن الجد في نقضها وإبرامها.
ثم انتقض عليه سنة ثلاث وأربعين وستمائة وطرده من البلد إلى سبتة واستبد بأمر إشبيليّة، ووصل يده بالطاغية. وعقد له السلم وضرب على أيدي أهل المغاورة من الجند وأسقطهم من ديوانه فقتلوه بإملاء قائدهم شفاف [1] واستقلّ بأمر إشبيليّة.
[1] كذا، وفي ب: شقاف.