الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوادي بلدتا كاوصت محطّ الرفاق والبضائع بالقبلة، وبها سوق في يوم واحد يقصده التجار من الآفاق، وهو من الشهرة لهذا العهد بمكان. وبلد إيفري بسفح جبال نكيسة بينها وبين تاكاوصت مرحلتان، وأرض السوس مجالات لنزول لمطة [1] ، فلمطه منهم مما يلي درن وكزولة مما يلي الرمل والقفر. ولما تغلّب المعقل على بسائطه اقتسموها مواطن، فكان الشبانات أقرب إلى جبال درن. وصارت قبائل لمطة من أحلافهم، وصارت كزولة من أحلاف ذوي حسّان. والأمر على ذلك لهذا العهد، وبيد الله تصاريف الأمور، لا رب سواه، ولا معبود إلّا إيّاه.
علي عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الرحمن علي بن بدر من بني باداسن
(الخبر عن دولة بني حفص ملوك افريقية من الموحدين ومبدإ أمرهم وتصاريف أحوالهم)
قد قدّمنا أنّ قبائل المصامدة بجبل درن وما حوله كثير مثل: هنتاتة وتين ملّل وهرغة وكنفيسة وسكسيوة وكدميوة وهزرجة ووريكة وهزميرة وركراكة وحاحة وبني ماغوس وكلاوة وغيرهم ممن لا يحصى. وكان منهم قبل الإسلام وبعده رؤساء وملوك. وهنتاتة هؤلاء من أعظم قبائلهم وأكثرها جمعا وأشدّها قوّة، وهم السابقون للقيام بدعوة المهديّ والممهّدون لأمره وأمر عبد المؤمن من بعده، كما ذكرنا في أخباره. واسم هنتات جدّهم بلسان المصامدة حتى كان كبيرهم لعهد الإمام المهديّ الشيخ أبو حفص عمر بن يحيى، ونقل البيذق أنّ اسمه بلسانهم فارصكات [2] .
وهنتاتة لهذا العهد تقول إنه اسم جدّهم، وكان عظيما فيهم متبوع غير مدافع، وهو أوّل من بايع الإمام المهدي من قومه، فجاء يوسف بن وانودين وأبو يحيى بن بكيت
[1] وفي نسخة أخرى: وأرض السوس مجالات لكزولة ولمطة.
[2]
وفي نسخة أخرى: فاصكات.
وابن يغمور وغيرهم منهم على أثره. واختصّ بصحابة المهديّ فانتظم في العشرة السابقين إلى دعوته. وكان تلو عبد المؤمن فيهم، ولم تكن مزية عبد المؤمن عليه إلّا من حيث صحابة المهدي.
وأمّا في المصامدة فكان كبيرهم غير مدافع، وكان يسمى بين الموحّدين بالشيخ كما كان المهديّ يسمى بالإمام، وعبد المؤمن بن يحيى بن محمد بن وانودين بن علي بن أحمد بن والال بن إدريس بن خالد بن اليسع بن إلياس بن عمر بن وافتن بن محمد ابن نجية بن كعب بن محمد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب، هكذا نسبه ابن نخيل وغيره من الموحّدين. ويظهر منه أنّ هذا النسب القرشيّ وقع في المصامدة والتحم بهم، واشتملت عليه عصبيّته شأن الأنساب التي تقع من قوم إلى قوم وتلتحم بهم كما قلناه أوّل الكتاب. ولما هلك الإمام وعهد بأمره الى عبد المؤمن، وكان بعيدا عن عصبية المصامدة إلا ما كان له من أثرة المهديّ واختصاصه فكتم موت المهدي وعهد عبد المؤمن ابتلاء لطاعة المصامدة. وتوقّف عبد المؤمن عن ذلك ثلاث سنين، ثم قال له أبو حفص نقدّمك كما كان الإمام يقدّمك فعلم أنّ أمره منعقد. ثم أعلن ببيعته وأمضى عهد الإمام بتقديمه وحمل المصامدة على طاعته، فلم يختلف عليه اثنان. وكان الحل والعقد في المهمات إليه سائر أيام عبد المؤمن وابنه يوسف، واستكفوا به نوائب الدعوة فكفاهم همّها. وكان عبد المؤمن يقدّمه في المواقف فبلى فيها [1] . وبعثه على مقدّمته حين زحف إلى المغرب الأوسط قبل فتح مراكش سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وزناتة كلّهم مجتمعون بمنداس لحرب الموحّدين مثل بني ومانو وبني عبد الواد وبني ورسيغان وبني توجين وغيرهم، فحمل زناتة على الدعوة بعد أن أثخن فيهم. ولأوّل دخول عبد المؤمن لمراكش خرج عليه الثائر بماسة، وانصرفت إليه وجود الغوغاء وانتشرت ضلالته في النواحي وتفاقم أمره، فدفع لحربه الشيخ أبا حفص فحسم داءه ومحا أثر غوايته.
ولما اعتزم عبد المؤمن على الرحلة إلى إفريقية حركته الأولى لم يقدّم شيئا على استشارة أبي حفص. ولما رجع منها وعهد إلى ابنه محمد خالفه الموحّدون، ونكروا ولاية ابنه، فاستدعى أبا حفص من مكانه بالأندلس، وحمل الموحّدين على البيعة له.
[1] وفي نسخة أخرى: فيجلي فيهم.
وأشار بقتل يصلاتي الهرغي رأس المخالفين في شأنه فقتله، وتمّ أمر العهد لابنه محمد. ولما اعتزم عبد المؤمن على الرحلة إلى إفريقية سنة أربع وخمسين وخمسمائة وحركة الثانية لفتح المهديّة استخلف الشيخ أبا حفص على المغرب، وينقل من وصاة عبد المؤمن على الرحلة إلى إفريقية لبنيه أنه لم يبق من أصحاب الإمام إلّا عمر بن يحيى ويوسف بن سليمان، فأما عمر فإنه من أوليائكم، وأما يوسف فجهزه بعسكره إلى الأندلس تستريح منه. وكذلك فافعل بكل من تكرهه من المصامدة. وأما ابن مردنيش فأتركه ما تركك وتربّص به ريب المنون، وأخل إفريقية من العرب وأجلهم إلى بلاد المغرب، وأدّخرهم لحرب ابن مردنيش إن احتجت إلى ذلك.
ولما ولي يوسف بن عبد المؤمن تخلّف الشيخ أبو حفص عن بيعته، ووجم الموحّدون لتخلّفه حتى استنبل غرضه في حكم أمضاه بمقعد سلطانه، وأعجب بفضله وأعطاه صفقة يمينه، وأعلن بالرضا بخلافته فكانت عند يوسف وقومه من أعظم البشائر، وتسمّى بأمير المؤمنين سنة ثلاث وستين وخمسمائة. ولما ولي يوسف بن عبد المؤمن وتحرّكت الفتنة بجبال غمارة وصنهاجة التي تولى كبرها سبع بن منقفاد سنة اثنتين وستين وخمسمائة عقد للشيخ أبي حفص على حربهم فجلى في ذلك. ثم خرج بنفسه فأثخن فيهم وكمل الفتح كما ذكرناه. ولمّا بلغه سنة أربع وستين وخمسمائة تكالب الطاغية على الأندلس وغدره بمدينة بطليوس، واعتزم على الإجازة لحمايتها قدم عساكر الموحدين إليها لنظر الشيخ أبي حفص، ونزل قرطبة وأمر من كان بالأندلس من السادة أن يرجعوا إلى رأيه، فاستنفذ بطليوس من هذا الحصار، وكانت له في الجهاد هنالك مقامات مشهورة. ولما انصرف من قرطبة إلى الحضرة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة هلك عفا الله عنه في طريقه بسلا ودفن بها، وكان ابناؤه من بعده يتداولون الإمارة بالأندلس والمغرب وإفريقية مع السادة من بني عبد المؤمن، فولّى المنصور ابنه أبا سعيد على إفريقية لأوّل ولايته، وكان من خبره مع عبد الكريم المنتزي بالمهديّة ما ذكرناه في أخباره. واستوزر أبا يحيى بن أبي محمد بن عبد الواحد، وكان في مقدّمته يوم المعركة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة فجلى عن المسلمين، وكان له في ذلك الموقف من النصرة والثبات ما طار له به ذكر. واستشهد في ذلك الموقف، وعرف أعقابه ببني الشهيد آخر الدهر، وهم لهذا العهد بتونس.
ولما نهض الناصر إلى إفريقية سنة إحدى وستمائة، لما بلغه من تغلّب ابن غانية على