الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقصدوا باب الجزيرة فكبّروا قباله [1] . وثار أهل البلد جميعا بهم فحاصروا بساحتهم من البلد [2] بعد عصب الريق، ومضى الجند في اتباعهم فأدرك أحمد بن اليالقي فقتل وسيق رأسه إلى السلطان. وتقبّض على الأمير خالد واعتقل، ونجا العلج منصور سريحة برأس طمرة [3] وخام وذهل عن القتال دون الأحبة. ودخل السلطان القصر واقتعد أريكته، وانطلقت أيدي العيث في ديار أهل الدولة فاكتسحت ما كان الناس يضطغنون عليهم تحاملهم على الرعيّة واغتصاب أموالهم، واضطرمت نار العيث في دورهم ومخلّفهم فلم تكد أن تنطفئ ولحق بعض أهل العافية معرات من ذلك لعموم النهب وشموله حتى أطفأه الله ببركات [4] السلطان وجميل نيّته وسعادة أمره. ولاذ الناس منه بالملك الرحيم والسلطان العادل، وتهافتوا عليه تهافت الفراش على الذبال يلثمون أطرافه، ويجدّون بالدعاء له ويتنافسون في انتقاس مجيده [5] الى أن غشيهم الليل ودخل السلطان قصوره وخلا بما ظفر من ملك آبائه، وبعث بالأمير خالد في الأسطول إلى قسنطينة، فعصفت به الريح وانخرقت السفينة وترادفت الأمواج إلى أن هلك [6] . واستبدّ السلطان بأمره وعقد لأخيه الأمير أبي يحيى زكريا. على حجابته. ورعى لابن تافراكين حق انحياشه إليه ونزوعه فجعله رديفا لأخيه واستمرّ الأمر على ذلك إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى.
(الخبر عن انتقاض منصور بن حمزة واجلابه بالعمّ أبي يحيى زكريا على الحضرة وما كان عقب ذلك من نكبة ابن تافراكين)
كان منصور بن حمزة هذا أمير البلد من بني سليم بما كان سيّد بني كعب. وكان
[1] وفي نسخة ثانية: كسروا أقفاله.
[2]
وفي نسخة ثانية: فخلصوا سلطانهم من البلد.
[3]
وفي النسخة الباريسية: برأس طرة.
[4]
وفي نسخة ثانية: ببركة.
[5]
وفي نسخة ثانية: التماح محيّاه.
[6]
وفي نسخة ثانية: وبعث الأمير خالد وأخيه في الأسطول الى قسنطينة فوصفت بهما الريح وانخرقت السفينة وتقاذفت الأمواج إلى أن هلكا.
السلطان أبو يحيى يؤثره بمزيد العناية، ويجعل له على قومه المزية. وكان بنو حمزة هؤلاء منذ غلبوا على السلطان أبي الحسن على إفريقية وأزعجوه منها قد استطالت أيديهم عليها وتقسموها أوزاعا، وأقطعهم أمراء الحضرة السهمان في جبايتها زيادة لما غلبوا عليه من ضواحيها وأمصارها، استئلافا لهم على المصاهرة وإقامة الدعوة والحماية من أهل الثغور الغربية، فملكوا الأكثر منها، وضعف سهمان السلطان بينهم فيها. فلما استولى هذا السلطان أبو العبّاس على الحضرة واستبدّ بالدعوة الحفصية كبح أعنّتهم عن التغلّب والاستبداد وانتزع ما بأيديهم من الأمصار والعمالات التي كانت من قبل خالصة السلطان وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبونه فأحفظهم ذلك وأهمهم شأنه وتنكّر منصور بن حمزة وقلب ظهر المجنّ ونزع يده من الطاعة وغمسها في الخلاف، وتابعه على خروجه على السلطان أبو معنونة [1] أحمد بن محمد بن عبد الله بن مسكين شيخ حكيم. وارتحل بأحيائه إلى الزواودة صريخا مستجيشا بالأمير أبي يحيى بن السلطان أبي بكر المقيم بين ظهرانيهم من لدن قفلته من المهديّة وانتزائه بها على أخيه المولى أبي إسحاق كما ذكرناه، فنصبوه للأمر وبايعوه. وارتحل معهم وأغذّوا السير إلى تونس، ولقيهم منصور بن حمزة في أحياء بيته فبايعوا له وأوفدوا مشيختهم على يحيى ابن يملول شيطي [2] الغواية المراد على الخلاف يستحثّونه للطاعة والمدد بمداخلة كانت بينهم في ذلك سوّل لهم فيها بالمواعيد، وأملى لهم حتى إذا غمسوا أيديهم في النفاق والاختلاف سوّفهم عن مواعيد حمايته [3] بماله فأسرها منصور في نفسه، واعتزم من يومئذ على الرجوع إلى الطاعة.
ثم رحلوا للإجلاب على الحضرة، وسرّح السلطان أبو العباس أخاه الأمير أبا يحيى زكريا للقيهم في العساكر، وتزاحفوا فأتيح لمنصور وقومه ظهور على عساكر السلطان وأوليائه لم يستكمله، وأجلوا على البلاد أياما. ونمي إلى السلطان أنّ حاجبه أبا عبد الله ابن تافراكين داخلهم في تبييت البلد فتقبّض عليه وأشخصه في البحر إلى قسنطينة فلم يزل بها معتقلا إلى أن هلك سنة ثمان وسبعين وسبعمائة. ثم سرّب السلطان أمواله في العرب فانتقض على المنصور قومه وخشي مغبّة حاله، وسوّغه السلطان جائزته فعاود
[1] وفي نسخة ثانية: أبو صعنونة وهنا أصح.
[2]
وفي نسخة ثانية: شيطان الغواية المارد على الخلاف.
[3]
وفي نسخة ثانية: سوّفهم عن مواعيده ضنانة بماله.