الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيستبيحون من صحبوه منهم يرمونه في بطون مغاير [1] . فإذا اتصل الصائح بأحيائهم وركبوا في اتباعهم واعترضوهم على المياه قبل فصولهم من تلك البلاد فلا يكادون يخلصون، ويشتدّ الحرب بينهم فلا يخلص العرب من غوائلهم [2] إلّا بعد جهد، وقد يهلك بعضهم، وللَّه الخلق والأمر. وإذ عرض لنا ملوك السودان فلنذكر ملوكهم لهذا العهد المجاورين لملوك المغرب.
(ملوك السودان)(الخبر عن ملوك السودان المجاورين للمغرب من وراء هؤلاء الملثمين ووصف أحوالهم والإلمام بما اتصل بنا من دولتهم)
هذه الأمم السودان من الآدميين هم أهل الإقليم الثاني وما وراءه إلى آخر الأوّل بل وإلى آخر المعمورة متصلون ما بين المغرب والمشرق، ويجاورون بلاد البربر بالمغرب وإفريقية وبلاد اليمن والحجاز في الوسط، والبصرة وما وراءها من بلاد الهند بالمشرق، وهم أصناف وشعوب وقبائل أشهرهم بالمشرق الزنج والحبشة والنوبة، وأمّا أهل المغرب منهم فنحن ذاكروهم بعد ما ننسبهم، فبنو حام بن نوح بالحبش من ولد حبش بن كوش بن حام، والنوبة من ولد نوبة بن كوش بن كنعان بن حام فيما قاله المسعودي، وقال ابن عبد البر إنهم من ولد نوب بن قوط بن مصر [3] بن حام، والزنج من ولد زنجي بن كوش، وأمّا سائر السودان فمن ولد قوط بن حام فيما قاله ابن عبد البر، ويقال: هو قبط بن حام.
وعدّ ابن سعيد من قبائلهم وأممهم سبعة عشر أمّة، فمنهم في المشرق الزنج على بحر الهند، لهم مدينة فنقية [4] وهم مجوس، وهم الذين غلب رقيقهم بالبصرة على ساداتهم مع دعي الزنج في خلافة المعتمد. قال: ويليهم بربرا، وهم الذين ذكرهم
[1] وفي النسخة التونسية: وينكفون مغزين.
[2]
وفي النسخة التونسية: فلا يخلص العرب بغنائمهم.
[3]
وفي النسخة التونسية: ابن ينصر.
[4]
وفي النسخة التونسية: منبسة.
امرؤ القيس في شعره. والإسلام لهذا العهد فاش فيهم، ولهم يومئذ مقاشن [1] على البحر الهندي يعمرها تجار المسلمين ومن غربيهم وحولهم الدمادم وهم حفاة عراة.
قال: وخرجوا إلى بلاد الحبشة والنوبة عند خروج التتر إلى العراق، فعاثوا فيها ثم رجعوا. قال: ويليهم الحبشة وهم أعظم أمم السودان وهم مجاورون لليمن على شاطئ البحر الغربي ومنه غزو ملك اليمن ذي نواس وكانت دار مملكتهم كفرة [2] ، وكانوا على دين النصرانية، وأخذ بالإسلام واحد منهم زمن الهجرة على ما ثبت في الصحيح، والّذي أسلم منهم لعهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهاجر إليه الصحابة قبل الهجرة إلى المدينة فآواهم ومنعهم، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم عند ما نعي إليه، كان اسمه النجاشيّ وهو بلسانهم: أنكاش بالكاف المشمة بالجيم عرّبتها العرب جيما محضة وألحقتها ياء النسب، شأنها في الأسماء الأعجمية إذا تصرّفت فيها، وليس هذا الاسم سمة لكل من تملّك منهم كما يزعم كثير من الناس ممن لا علم له بهذا، ولو كان كذلك لشهروا اسمه إلى اليوم لأنّ ملكهم لم يتحوّل منهم، وملكهم لهذا العهد اسمه الخطى ما أدري اسم السلطان نفسه، أو اسم العشيرة الذين فيهم الملك. وفي غربيّه مدينة دامون وكان بها ملك من أعاظمهم وله ملك ضخم، وفي شماليه ملك آخر منهم اسمه حقّ الدين محمد بن علي بن واصمع [3] في مدينة أسلم أولوه في تواريخ مجهولة. وكان جدّه واصمع مطيعا لملك دامون، وأدركت الخطى الغيرة من ذلك فغزاه واستولى على بلاده. ثم اتصلت الفتنة وضعف أمر الخطى فاسترجع بنو واصمع بلادهم من الخطى وبنيه، واستولوا على وفاة وخرّبوها.
وبلغنا أنّ حق الدين هلك، وملك بعده أخوه سعد الدين وهم مسلمون ويعطون الطاعة للخطى أحيانا وينابذونه أخرى والله مالك الملك. (قال ابن سعيد) : ويليهم البجاوة وهم نصارى ومسلمون، ولهم جزيرة بسواكن في بحر السوس، ويليهم النوبة إخوة الزنج والحبشة ولهم مدينة دنقلة غرب النيل، وأكثرهم مجاورون للديار المصرية، ومنهم رقيق. ويليهم زغاوة وهم مسلمون، ومن شعوبهم تاجرة ويليهم الكانم وهم خلق عظيم، والإسلام غالب عليهم ومدينتهم حميمي [4] ولهم التغلّب
[1] وفي نسخة أخرى: مقدشوا.
[2]
وفي نسخة أخرى: كعبر.
[3]
وفي نسخة أخرى: ولصمع.
[4]
وفي النسخة الباريسية: جنمي وفي النسخة التونسية حيمي.
على بلاد الصحراء إلى فزّان. وكانت لهم مهادنة مع الدولة الحفصيّة مذ أوّلها، ويليهم من غربهم كوكو، وبعدهم نغاله والتكرور ولمى وتميم وجاى [1] وكورى وأفكزار، ويتّصلون بالبحر المحيط إلى غانية في الغرب. أهـ كلام ابن سعيد.
ولما فتحت إفريقية المغرب دخل التجّار بلاد المغرب فلم يجدوا فيهم أعظم من ملوك غانية، كانوا مجاورين للبحر المحيط من جانب الغرب، وكانوا أعظم أمّة ولهم أضخم ملك، وحاضرة ملكهم غانية مدينتان على حافتي النيل من أعظم مدائن العالم وأكثرها معتمرا، ذكرها مؤلف كتاب رجار وصاحب المسالك والممالك.
وكانت تجاورهم من جانب الشرق أمّة أخرى فيما زعم الناقلون تعرف صوصو بصادين مضمومتين أو سينين مهملتين، ثم بعدها أمّة أخرى تعرف مالي ثم بعدها أمّة أخرى تعرف كوكو ويقال كاغو ثم بعدها أمّه أخرى تعرف بالتكرور.
(وأخبرني) الشيخ عثمان فقيه أهل غانية وكبيرهم علما ودينا وشهرة، قدم مصر سنة تسع وتسعين وستمائة حاجا بأهله وولده ولقيته بها فقال: إنهم يسمّون التكرور زغاي ومالي انكاويه أهـ.
ثم أنّ أهل غانية ضعف ملكهم وتلاشى أمرهم واستفحل أمر الملثّمين المجاورين لهم من جانب الشمال مما يلي البربر كما ذكرناه، وعبروا على السودان واستباحوا حماهم وبلادهم واقتضوا منهم الاتاوات والجزى، وحملوا كثيرا منهم على الإسلام فدانوا به. ثم اضمحلّ ملك أصحاب غانية وتغلّب عليهم أهل صوصو المجاورون لهم من أمم السودان واستعبدوهم وأصاروهم في جملتهم. ثم أنّ أهل مالي كثروا أمم السودان في نواحيهم تلك، واستطالوا على الأمم المجاورين لهم فغلبوا على صوصو أو ملكوا جميع ما بأيديهم من ملكهم القديم، وملك أهل غانية إلى البحر المحيط من ناحية الغرب وكانوا مسلمين، يذكرون أن أوّل من أسلم منهم ملك اسمه برمندان [2] هكذا ضبطه الشيخ عثمان. وحج هذا الملك واقتفى سننه في الحج ملوكهم من بعده.
وكان ملكهم الأعظم الّذي تغلّب على صوصو وافتتح بلادهم وانتزع الملك من أيديهم اسمه ماري جاطة، ومعنى ماري عندهم الأمير الّذي يكون نسل السلطان وجاطة الأسد، واسم الحافد عندهم تكن، ولم يتّصل بنا نسب هذا الملك. وملك
[1] وفي نسخة أخرى: تمنم وجالي.
[2]
وفي نسخة أخرى: برمندانة.
عليهم خمسا وعشرين سنة فيما ذكروه. ولما هلك ولي عليهم من بعده منسا ولي، ومعنى منسا السلطان، ومعنى ولي بلسانهم علي، وكان منسا ولي هذا من أعاظم ملوكهم. وحج أيام الظاهر بيبرس، وولي عليهم من بعده أخوه وأتى. ثم بعده أخوهم خليفة وكان محمقا راويا، فكان يرسل السهام على الناس فيقتلهم مجانا، فوثبوا عليه فقتلوه. وولي عليهم من بعده سبط من أسباط ماري جاطة يسمّى أبا بكر، وكان ابن بنته فملّكوه على سنن الأعاجم في تمليك الأخت وابن الاخت. ولم يقع إلينا نسبه ونسب أبيه.
ثم ولي عليهم من بعده مولى من مواليهم تغلّب على ملكهم اسمه ساكورة. وقال الشيخ عثمان: ضبطه بلسانهم أهل غانية سيكرة، وحجّ أيام الملك الناصر وقتل عند مرجعه بتاجورا، وكانت دولته ضخمة اتسع فيها نطاق ملكهم وتغلّبوا على الأمم المجاورة لهم. وافتتح بلاد كوكو وأصارها في ملكة أهل مالي. واتصل ملكهم من البحر المحيط وغانة بالمغرب إلى بلاد التكرور في المشرق، واعتز سلطانهم وهابتهم أمم السودان، وارتحل إلى بلادهم التجّار من بلاد المغرب وإفريقية.
وقال الحاج يونس ترجمان التكروري إن الّذي فتح كوكو هو سغمنجة من قوّاد منسا موسى، وولي من بعده ساكورة وهذا هو ابن السلطان ماري جاطة. ثم من بعده ابنه محمد بن قو، ثم انتقل ملكهم من ولد السلطان ماري جاطة إلى ولد أخيه أبي بكر فولى عليهم منسا موسى بن أبي بكر، وكان رجلا صالحا وملكا عظيما، له في العدل أخبار تؤثر عنه. وحج سنة أربع وعشرين وسبعمائة، لقيه في الموسم شاعر الأندلس أبو إسحاق إبراهيم الساحلي المعروف بالطونجق [1] وصحبه إلى بلاده. وكان له اختصاص وعناية ورثها من بعده ولده إلى الآن، وأوطنوا والاتر من تخوم بلادهم من ناحية المغرب، ولقيه في منصرفه صاحبنا المعمّر أبو عبد الله بن خديجة الكومي من ولد عبد المؤمن، كان داعية بالزاب للفاطمي المنتظر، وأجلب عليهم بعصائب من العرب فمكر به واركلا واعتقله، ثم خلّى سبيله بعد حين، فحاض إلى السلطان منسا موسى مستجيشا به عليهم، وقد كان بلغه توجّهه للحج، فأقام في انتظاره ببلد غدامس يرجو نصرا على عدوّه ومعونة على أمره لما كان عليه منسا موسى من استفحال
[1] وفي نسخة أخرى: الطوبجن.
ملكه بالصحراء الموالية لبلد واركلا وقوّة سلطانه فلقي منه مبرّة وترحبا ووعده بالمظاهرة والقيام بثأره واستصحبه إلى بلدة أخرى وهو الثقة.
(قال: كنا نواكبه أنا وأبو إسحاق الطونجق دون وزرائه ووجوه قومه نأخذ بأطراف الأحاديث، نتمتع وكان متحفا)[1] في كل منزل بطرف المآكل والحلاوات قال:
والّذي تحمل آلته وحربته [2] من الوصائف خاصة اثنا عشر ألفا لابسات أقبية الديباج والحرير اليماني.
(قال الحاج يونس ترجمان هذه الأمّة بمصر) : جاء هذا الملك منسا موسى من بلده بثمانين حملا من التبر، كل حمل ثلاثة قناطير، قال: وإنما يحملون على الوصائف والرجال في أوطانهم فقط، وأمّا السفر البعيد كالحج فعلى المطايا.
(قال أبو خديجة) : ورجعنا معه إلى حضرة ملكه فأراد أن يتخذ بيتا بمقعد [3] سلطانه محكم البناء مجللا لغرابته بأرضهم، فأطرفه أبو إسحاق الطونجق ببناء قبّة مربّعة الشكل استفرغ فيها إجادته. وكان صناع اليدين واضفى عليها من الكلس ووالي عليها بالأصباغ المشبّعة [4] فجاءت من أتقن المباني، ووقعت من السلطان موقع الاستغراب لفقدان صنعة البناء بأرضهم، ووصله باثني عشر ألفا من مثاقيل التبر مثوبة عليها، إلى ما كان له من الاثرة والميل إليه والصلات السنية. وكان بين هذا السلطان منسا موسى وبين ملك المغرب لعهده من بني مرين السلطان أبي الحسن مواصلة ومهاداة سفرت بينهما فيها الأعلام من رجال الدولتين، واستجاد صاحب المغرب من متاع وطنه وتحت ممالكة ممّا تحدّث عنه الناس على ما نذكره عند موضعه، بعث بها مع عليّ بن غانم المغفل وأعيان من رجال دولته. وتوارثت تلك الوصلة أعقابهما كما سيأتي واتصلت أيام منسا موسى هذا خمسا وعشرين سنة. ولمّا هلك ولي أمر مالي من بعده ابنه منسا مغا، ومغا عندهم محمد، وهلك لأربع سنين من ولايته، وولي أمرهم من بعده منسا سليمان بن أبي بكر وهو أخو موسى، واتصلت أيامه أربعا وعشرين سنة. ثم هلك فولي بعده ابنه منسا بن سليمان وهلك لتسعة من ولايته،
[1] وفي نسخة أخرى: حيث يتسع المقام، وكان يتحفنا.
[2]
وفي النسخة التونسية: وخرثية.
[3]
وفي نسخة أخرى: في قاعدة.
[4]
وفي النسخة التونسية: وعالى عليها بالأصباغ المنمقة.
فولي عليهم من بعده ماري جاطه بن منسا مغا بن منسا موسى واتصلت أيامه أربعة عشر عاما وكان أشر وال عليهم بما سامهم من النكال والعسف وإفساد الحرم. وأتحف ملك المغرب لعهده السلطان أبا سالم ابن السلطان أبي الحسن بالهدية المذكورة سنة اثنتين وستين وسبعمائة وكان فيها الحيوان العظيم الهيكل المستغرب بأرض المغرب المعروف بالزرافة، تحدث الناس بما اجتمع فيه من مفترق الجلي والشبه في جثمانه ونعوته دهرا.
(وأخبرني القاضي الثقة أبو عبد الله محمد بن وانسول من أهل سجلماسة. وكان أوطن بأرض كوكو من بلادهم واستعملوه في خطّة القضاء بما لقية منذ سنة ست وسبعين وسبعمائة، فأخبرني عن ملوكهم بالكثير مما كتبته وذكر لي عن هذا السلطان جاطه أنه أفسد ملكهم وأتلف ذخيرتهم، وكاد أن ينتقض شأن سلطانهم. (قال) : ولقد انتهى الحال به في سرفه وتبذيره أن باع حجر الذهب الّذي كان في جملة الذخيرة عن أبيهم، وهو حجر يزن عشرين قنطارا منقولا من المعدن من غير علاج بالصناعة ولا تصفية بالنار، كانوا يرونه من أنفس الذخائر والغرائب لندور مثله في المعدن، فعرضه جاطه هذا الملك المسرف على تجّار مصر المتردّدين إلى بلده وابتاعوه منه بأبخس ثمن إذ استهلك من ذخائر ملوكهم سرفا وتبذيرا في سبيل الفسوق والتخلّف.
(قال) : وأصابته علّة النوم، وهو مرض كثيرا ما يطرق أهل ذلك الإقليم وخصوصا الرؤساء منهم يعتاده غشي النوم عامّة أزمانه حتى يكاد أن لا يفيق ولا يستيقظ إلّا في القليل من أوقاته، ويضرّ صاحبه ويتصل سقمه إلى أن يهلك. (قال) : ودامت هذه العلّة بخلطه مدّة عامين اثنين وهلك سنة خمس وسبعين [وسبعمائة] وولّوا من بعده ابنه موسى فأقبل على مذاهب العدل والنظر لهم، ونكب عن طرق أبيه جملة وهو الآن مرجو الهداية ويغلب على دولته وزيره ماري جاطه، ومعنى ماري عندهم الوزير وجاطه تقدّم وهو الآن قد حجر السلطان واستبد بالأمر عليه، ونظر في تجهيز العساكر وتجهيز الكتائب، ودوّخ أقطار الشرق من بلادهم وتجاوز تخوم كوكو وجهّز إلى منازلة تكرت بما وراءها من بلاد الملثّمين، كتائب نازلتها الأوّل الدولة، وأخذت بمخنقها، ثم أفرجت عنها وحاطهم الآن هدنة.
وتكرت هذه على سبعين مرحلة من بلد واركلا في الجانب القبلي الغربي وفيها من الملثّمين يعرف بالسلطان، وعليهم طريق الحاج من السودان، وبينه وبين أمير الزاب