الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
افتتحها عنوة وأضرمها نارا واستلحم ازداجة ولحق رياستهم بالأندلس فكانوا بها، وكان منهم خزرون بن محمد من كبار أصحاب المنصور بن أبي عامر وابنه المظفّر وأجاز إلى المغرب وبقي ازداجة بعد ذلك على حال من الهضيمة والمذلّة وانتظموا في عداد المغارم من القبائل.
(وأما العجيسة) وهم من بطون البرانس من ولد عجيسة من برنس ومدلول هذا الاسم البطن، فإنّ البربر يسمّون البطن بلغتهم عدّس بالدال المشدّدة، فلما عرّبتها العرب قلبت دالها جيما مخفّفة، وكان لهم بين البربر كثرة وظهور، وكانوا مجاورين في بطونهم لصنهاجة، وبقاياهم لهذا العهد في ضواحي تونس والجبال المطلّة على المسيلة، وكانت منهم يسكنون جبل القلعة. وكان لهم في فتنة أبي يزيد أثر. ولما هزمهم المنصور لجأ إليهم واعتصم بقلعة كتامة من حصونهم حتى اقتحم عليه. ثم بادر حمّاد بن بلكّين من بعد ذلك مكانا لبناء مدينة فاختطها بينهم. ونزلها ووسّع خطتها واستبحر عمرانها. وكانت حاضرة لملك آل حماد فأخلفت هذه المدينة من جدّة عجيسة لمّا تمرّست بهم، وخضدت من شوكتهم وراموا كيد القلعة مرارا، وأجلبوا على ملوكها بالأعياص منهم فاستلحمهم السيف، ثم هلكوا وهلكت القلعة من بعدهم وورثت مواطنهم بذلك الجبل عياض من أفاريق العرب الهلاليّين وسمّي الجبل بهم، وفي القبائل بالمغرب كثير من عجيسة هؤلاء مفترقون فيهم والله أعلم.
(الخبر عن أوربة من بطون البرانس وما كان لهم من الردّة والثورة وما صار لهم من الدعاء لإدريس الأكبر)
كانت البطون التي فيها الكثرة والغلب من هؤلاء البربر البتر كلهم لعهد الفتح أوربة وهوّارة وصنهاجة من البرانس، ونفوسة وزناتة ومطغرة ونفزاوة من البتر، وكان التقدّم لعهد الفتح لأوربة هؤلاء بما كانوا أكثر عددا وأشدّ بأسا وقوة، وهم من ولد أورب بن برنس، وهم بطون كثيرة، فمنهم بجاية ونفاسة ونعجة وزهكوجة ومزياتة ورغيوتة وديقوسة. وكان أميرهم بين يدي الفتح ستردير بن رومي بن بارزت بن بزريات [1]
[1] وفي نسخة ثانية: الفتح سكرديد بن زوغي بن بارزت بن برزيات.
ولي عليهم مدّة ثلاث وسبعين سنة، وأدرك الفتح الإسلامي ومات سنة إحدى وسبعين، وولي عليهم من بعده كسيلة بن لزم [1] الأوربي فكان أميرا على البرانس كلهم، ولما نزل ابن المهاجر تلمسان سنة خمس وخمسين كان كسيلة بن لزم مرتادا بالمغرب الأقصى في جموعه من أوربة وغيرهم، فظفر به أبو المهاجر وعرض عليه الإسلام فأسلم، واستنقذه وأحسن إليه وصحبه.
وقدم عقبة في الولاية الثانية أيام يزيد سنة اثنتين وستين فاضطغن عليه صحابته لأبي المهاجر وتقدّم أبو المهاجر في اصطناعه فلم يقبل وزحف إلى المغرب وعلى مقدّمته زهير ابن قيس البلويّ فدوّخه. ولقيه ملوك البربر ومن انضم إليه من الفرنجة بالزاب وتاهرت فهزمهم واستباحهم، وأذعن له بليان أمير غمارة ولاطفه وهاداه، ودلّه على عورات البرابرة وردأه بوليلة والسوس وما والاهما من مجالات الملثمين فغنم وسبى، وانتهى إلى ساحل البحر وقفل ظافرا.
وكان في غزاتة تلك يستهين كسيلة ويستخفّ به وهو في اعتقاله. وأمره يوما بسلخ شاة بين يديه فدفعها إلى غلمانه، وأراده عقبة على أن يتولّاها بنفسه، وانتهره فقام إليها كسيلة مغضبا وجعل كلما دسّ يده في الشاة مسح بلحيته والعرب يقولون ما هذا يا بربري؟ فيقول: هو أجير [2] فيقول لهم شيخ منهم: إن البربري يتوعّدكم. وبلغ ذلك أبا المهاجر فنهى عقبة عنه، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب، وأنت تعمد إلى رجل جبّار في قومه بدار عزّه قريب عهد بالشرك فتفسد قلبه وأشار عليه بأن يوثق منه. وخوّفه فتكه فتهاون عقبة بقوله.
فلما قفل عن غزاتة وانتهى إلى طبنة صرف العساكر إلى القيروان أفواجا ثقة بما دوّخ من البلاد، وأذلّ من البربر حتى بقي في القليل [3] ، وسار إلى تهودة أو بادس لينزل بها الحامية. فلما نظر إليه الفرنجة طمعوا فيه وراسلوا كسيلة بن لزم ودلّوه على الفرصة فيه فانتهزها، وراسل بني عمّه ومن تبعهم من البربر، واتبعوا عقبة وأصحابه رضي الله عنه حتى إذا غشوه بتهودة ترحّل القوم وكسروا أجفان سيوفهم، ونزل الصبر واستلحم عقبة وأصحابه رضي الله عنهم ولم يفلت منهم أحد. وكانوا زهاء ثلاثمائة من
[1] وفي النسخة الباريسية: لمرم وفي النسخة التونسية لمزم.
[2]
وفي نسخة ثانية: فيقول: هذا جيد للشعر.
[3]
وفي نسخة ثانية: قليل من الناس.
كبار الصحابة والتابعين استشهدوا في مصرع واحد، وفيهم أبو المهاجر كان أصحبه في اعتقاله، فأبلى رضي الله عنه في ذلك اليوم البلاء الحسن، وأجداث الصحابة رضي الله عنهم أولئك الشهداء عقبة وأصحابه بمكانهم ذلك من أرض الزاب لهذا العهد.
وقد جعل على قبر عقبة أسنمة ثم جصّص، واتخذ عليه مسجد عرف باسمه وهو في عداد المزارات ومظان البركة، بل هو أشرف مزور من الأجداث في بقاع الأرض لما توفّر فيه من عدد الشهداء من الصحابة والتابعين الذين لا يبلغ أحد مدّ أحدّهم ولا نصيفه، وأسر من الصحابة يومئذ محمد بن أوس [1] الأنصاري ويزيد بن خلف العبسيّ [2] ونفر معهم ففداهم ابن مصاد صاحب قفصة. وكان زهير بن قيس البلويّ بالقيروان وبلغه الخبر فخرج هاربا وارتحل بالمسلمين ونزل برقة وأقام بها ينتظر المدد من الخلفاء. واجتمع إلى كسيلة جميع أهل المغرب من البربر والفرنجة، وزحف الى القيروان فخرج العرب منها ولحق بزهير بن قيس ولحق بها أصحاب الذراري والأثقال فأمّنهم ودخل القيروان وأقام أميرا على إفريقية ومن بقي بها من العرب خمس سنين وقارن ذلك مهلك يزيد بن معاوية وفتنة الضّحاك بن قيس مع المروانية بمرج راهط وحروب آل الزبير فاضطرب أمر الخلافة بعض الشيء، واضطرم المغرب نارا وفشت الردّة في زناتة والبرانس. ثم استقل عبد الملك بن مروان من بعد ذلك وأذهب بالمشرق آثار الفتنة. وكان زهير بن قيس مقيما ببرقة منذ مهلك عقبة، فبعث إليه بالمدد وولّاه حرب البرابرة والثأر بدم عقبة. فزحف إليها في آلاف من العرب سنة سبع وستين. وجمع كسيلة البرانس وسائل البربر، ولقيه بجيش [3] من نواحي القيروان واشتدّ القتال بين الفريقين، ثم انهزم البربر وقتل كسيلة ومن لا يحصى منهم وأتبعهم العرب إلى مرماجنّة ثم إلى ملوية وذلّ البربر ولجئوا إلى القلاع والحصون وحدّت شوكة أوربة من بينهم واستقرّ جمهورهم بديار المغرب الأقصى فلم يكن بعدها لهم ذكر.
واستولوا على مدينة وليلى بالمغرب كانت ما بين موضع فاس ومكناسة بجانب جبل زرهون وأقاموا على ذلك، والجيوش من القيروان تدوّخ المغرب مرّة بعد أخرى إلى أن خرج محمد بن عبد الله ابن حسن بن الحسن بن علي أيام المنصور وقتل بالمدينة سنة
[1] وفي نسخة أخرى: أويس، وعند ابن الأثير أوس (ج 4 ص 108) .
[2]
وفي نسخة أخرى: القيسي.
[3]
وفي النسخة التونسية ممس (وممس اسم بلد) وفي الكامل ج 4 ص 108 ممش.