الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الخبر عن جشم الموطنين بسائط المغرب وبطونهم من هذه الطبقة)
هؤلاء الأحياء بالمغرب لهذا العهد فيهم بطون من قرة والعاصم، ومقدم والأثبج وجشم والخلط. وغلب عليهم جميعا اسم جشم فعرفوا به. وهم: جشم بن معاوية ابن بكر بن هوازن. وكان أصل دخولهم إلى المغرب أنّ الموحدين لما غلبوا على إفريقية أذعنت لهم هؤلاء القبائل من العرب طوعا وكراهية. ثم كانت فتنة ابن غانية فأجلبوا فيها وانحرفوا عن الموحدين، وراجعوا الطاعة لعهد المنصور فنقل جمهور هؤلاء القبائل إلى المغرب ممن كثرة وشوكة وظواعن ناجعة. فنقل العاصم ومقدّم من بطون الأثبج، ومعهم بطون ونقل جشم هؤلاء الذين غلب اسمهم على من معهم من الأحياء وأنزلهم تامستا. ونقل رياح وأنزلهم الهبط فنزل جشم بتامستا البسيط الأفيح ما بين سلا ومراكش أوسط بلاد المغرب الأقصى، وأبعدها عن الثنايا المفضية إلى القفار لإحاطة جبل درن بها وشموخه بأنفه حذاءها، ووشوج أعراقه حجرا عليها فلم ينتجعوا بعدها قفرا ولا ابعدوا رحلة، وأقاموا بها أحياء حلولا، وافترقت جيوشهم بالمغرب إلى الخلط وسفيان وبني جابر.
وكانت الرئاسة لسفيان من بينهم في أولاد جرمون سائر أيام الموحدين، ولما وهن أمر بني عبد المؤمن وفشلوا وذهبت ريحهم استكثروا بجموعهم، فكانت لهم سورة غلب واعتزاز على الدولة بكثرتهم وقرب عهدهم بالبداوة، وخرّبوا ما بين الأعياص، وظاهروا الخلافة وأكثروا الفساد وسائر آثارهم باقية [1] .
ولما اقتحم بنو مرين بلاد المغرب على الموحدين وملكوا فاس وقريتها لم تكن فيه حامية أشدّ منهم بأسا ومن رياح لقرب العهد بالبداوة، فكانت لهم معهم وقائع وحروب استلحمهم فيها بنو مرين إلى أن حق الغلب واستكانوا لعزّ بني مرين وصولتهم، وأعطوهم صفقة الطاعة وأصهر بنو مرين منهم إلى الخلط في بنت بني مهلهل فكان في جملة مرين، وكانت لهم الجولة للملك. واستقرّت رياسة جشم وكثرهم في الخلط منهم، في بنت مهلهل بعد أن كانت على عهد الموحدين في سفيان.
[1] وفي نسخة ثانية: وساءت أثارهم في البغي.
ثم ضربت الأيام ضرباتها وأخلقت جدّتهم وفشلوا وذهبت ريحهم، ونسوا عهد البداوة والناجعة، وصاروا في عداد القبائل الغارمة للجباية والعسكرة مع السلطان.
(ولنذكر الآن) فرقهم الأربع وأحياء كل واحدة منها ونحق الكلام في أنسابهم، فليست راجعة إلى جشم على ما يتبين. ولكن الشهرة بهذا النسب متصلة والله أعلم بحقائق الأمور.
هذه قبائل معدودة في جشم، وجشم المعهود هو جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن أو لعله جشم آخر من غيرها. وكان شيخهم المشهور لعهد المأمون وبنيه جرمون بن عيسى. ونسبه فيما يزعم بعض المؤرخين أيام الموحدين في بني قرة، وكانت بينهم وبين الخلط شيعة للمأمون وبنيه، فصار سفيان لذلك شيعة يحيى بن الناصر منازعة في الخلافة بمراكش. ثم قتل الرشيد مسعود بن حميدان شيخ الخلط كما نذكر بعد، فصاروا إلى يحيى بن الناصر. وصار سفيان إلى الرشيد. ثم ظهر بنو مرين بالمغرب واتصلت حروبهم مع الموحدين ونزع جرمون سنة ثمان وثلاثين وستمائة عن الرشيد ولحق بمحمد بن عبد الحق أمير بني مرين حياء مما وقع له معه، وذلك سنة ثمان وثلاثين وستمائة. وذلك أنه نادمه ذات ليلة حتى سكر وحمل عليه وهو سكران يرقص طربا. ثم أفاق فندم وفرّ إلى محمد بن عبد الحق، وذلك سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وهلك سنة تسع وثلاثين بعدها. وعلا كعب كانون ابنه من بعده عند السعيد، وخالف عليه عند نهوضه إلى بني مرين سنة ثلاث وأربعين وستمائة ورجع إلى أزمور فملكها.
وفت ذلك في عضد السعيد فرجع عن حركته، وقصد كانون بن جرمون ففر أمامه، وحضر حركته إلى تامزردكت، وقتل قبل مهلكه بيوم قتله الخلط في فتنة وقعت بينهم في محلة السعيد، وهي التي جرت عليها تلك الواقعة. وأقام بأمر سفيان من بعده أخوه يعقوب بن جرمون، وقتل محمد ابن أخيه كانون. وقام بأمر سفيان، وحضر مع المرتضى حركة أمان ايملولين سنة تسع وأربعين وستمائة فرحل عن السلطان واختل عسكره فرجع فاتبعه بنو مرين وكانت الهزيمة. ثم رجع المرتضى وعفا له عنها، ثم قتله سنة تسع وخمسين وستمائة مسعود وعلي ابنا أخيه كانون بثأر أبيهما، ولحقا بيعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين، وقدم المرتضى ابنه عبد الرحمن فعجز عن القيام بأمره، فقدم عمه عبيد الله بن جرمون فعجز، فقدم مسعود بن كانون ولحق عبد
الرحمن ببني مرين. ثم تقبّض المرتضى على يعقوب بن قيطون شيخ بني جابر وقدّم عوضا منه يعقوب بن كانون السفياني. ثم راجع عبد الرحمن بن يعقوب سنة أربع وخمسين وستمائة فتقبض عليه واعتقل. وأقام مسعود بن كانون شيخا على سفيان.
وكان لابني عمه معه ظهور وهما: حطوش وعيسى أبناء يعقوب بن جرمون. ونزع مسعود عن يعقوب مقامه إلى أن هلك سنة ست وستين [1] وستمائة ابن عبد الحق ولحق بمسكورة وشب نار الفتنة والحرب، وأقيم حطوش بن يعقوب مقامه إلى أن هلك سنة تسع وستين وستمائة فولي مكانه أخوه عيسى وهلك مسعود بمسكورة [2] سنة ثمانين وستمائة ولحق ابنه منصور بن مسعود بالسكسيوي إلى أن راجع الخدمة أيام يوسف بن يعقوب. ووفد عليه بعسكره من حصار تلمسان سنة ست وسبعمائة فتقبله.
واتصلت الرئاسة على سفيان في بني جرمون هؤلاء إلى عهدنا. وأدركت شيخا لعهد السلطان أبي عنان يعقوب بن علي بن منصور بن عيسى بن يعقوب بن جرمون بن عيسى. وكان سفيان هؤلاء حيا حلولا بأطراف تامستا مما يلي أسفى، وملك بسائطها الفسيحة عليهم الخلط. وبقي من أحيائهم الحرث والكلابية ينتجعون أرض السوس وقفاره، ويطلبون ضواحي بلا دجاجة [3] من المصامدة فبقيت فيهم لذلك شدّة وبأس، ورياستهم في أولاد مطاوع من الحرث. وطال عيثهم في ضواحي مراكش وإفسادهم. فلما استبدّ سلطان مراكش الأمير عبد الرحمن بن أبي فلفوس [4] علي ابن السلطان أبي على سنة ست وسبعين وسبعمائة كما نذكر استخلصهم ورفع منزلتهم. واستقدمهم بعض أيامه للعرض بفرسانهم ورجلهم على العادة، وشيخهم منصور بن يعيش من أولاد مطاع، وتقبض عليهم أجمعين، وقتل من قتل منهم وأودع الآخرين سجونه فذهبوا مثلا في الأيام، وحصدت شوكتهم والله قادر على ما يشاء.
[1] وفي نسخة أخرى سبع وستين.
[2]
وفي نسخة أخرى سكورة ولم نجد لها ذكر في معجم البلدان.
[3]
وفي النسخة التونسية خاصة. وفي معجم البلدان حاجة موضع في قول لبيد: فذكرها مناهل آحنات بحاجة، لا تنزح بالدوالي وفي كتاب قبائل المغرب حاجة قبائل ص 134 وارض خاصة بلاد من المصامدة، ص 420.
[4]
وفي نسخة أخرى: يفلّوسن.