الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمرهم أهـ. كلام ابن أبي زرع. وقال غيره: كان من أشهرهم تيزا [1] وابن وانثبق بن بيزا وقيل برويان بن واشنق بن يزار ملك الصحراء بأسرها على عهد عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر في المائة الرابعة. وفي عهد عبيد الله وابنه أبي القاسم من خلفاء الشيعة، كان يركب في مائة ألف نجيب، وعمله مسيرة شهرين في مثلها، ودان له عشرون ملكا من ملوك السودان يعطونه الجزى، وملك من بعده بنوه. ثم افترق أمرهم من بعد ذلك، وصار ملكهم طوائف ورياستهم شيعا. قال ابن أبي زرع: افترق أمرهم بعد تميم بن بلتان مائة وعشرون سنة إلى أن قام فيهم أبو عبيد الله بن تيفاوت المعروف بناشرت اللمتوني، فاجتمعوا عليه وأحبّوه وكان من أهل الدين والصلاح، وحجّ وهلك لثلاثة أعوام من رياسته في بعض غزواته. وقام بأمرهم صهره يحيى بن إبراهيم الكندالي. وبعده يحيى بن عمر بن تلاكاكين أهـ كلامه.
وكان لهذه الطبقة ملك ضخم بالمغرب والأندلس أوّلا، وبإفريقية بعده فنذكره الآن على نسقه.
الخبر عن دولة المرابطين [2] من لمتونة وما كان لهم بالعدوتين من الملك وأولية ذلك ومصايره
كان هؤلاء الملثّمون في صحاريهم كما قلناه، وكانوا على دين المجوسيّة إلى أن ظهر فيهم الإسلام لعهد المائة الثالثة كما ذكرناه، وجاهدوا جيرانهم من السودان عليه فدانوا لهم واستوسق لهم الملك. ثم افترقوا وكانت رياسة كل بطن منهم في بيت مخصوص.
فكانت رياسة لمتونة في بني ورتانطق [3] بن منصور بن وصالة بن المنصور بن مزالت ابن أميت بن رتمال بن ثلميت وهو لمتونة. ولما أفضت الرئاسة إلى يحيى بن إبراهيم الكندالي، وكان له صهر في بني ورتانطق هؤلاء، وتظاهروا على أمرهم. وخرج يحيى بن إبراهيم لقضائه فرصة في رؤساء من قومه في سني أربعين وأربعمائة، فلقوا في
[1] وفي نسخة أخرى: تينزوا.
[2]
علق أحمد أمين في حديثه عن المرابطين والموحدين أنهم «لم يكونوا من سعة الأفق والعراقة في المدنية والحضارة بحيث يستطيعون ان يحكموا الأندلس طويلا. (ظهور الإسلام ج 3 ص 7) .
[3]
ورتنطق: قبائل الغرب/ 332.
منصرفهم بالقيروان شيخ المذهب المالكي أبو عمران الفاسي، واغتنموا ما متعوا به.
من هديه وما شافههم به من فروض أعيانهم من فتاويه.
وسأله الأمير يحيى أن يصحبهم من تلميذه من يرجعون إليه في نوازلهم وقضايا دينهم، فندب تلميذه إلى ذلك حرصا على إيصال الخير إليهم لما رأى من رغبتهم فيه. فاستوعروا مسغبة بلادهم. وكتب لهم الفقيه أبو عمران إلى الفقيه محمد وكاك ابن زلوا اللمطي بسلجماسة من الآخذين عنه، وعهد إليه أن يلتمس لهم من يثق بدينه وفقهه، ويروّض نفسه على مسغبة أرضهم في معاشه، فبعث معهم عبد الله بن ياسين بن مكو الجزولي، ووصل معهم يعلّمهم القرآن ويقيم لهم الدين. ثم هلك يحيى ابن إبراهيم وافترق أمرهم، واطرحوا عبد الله بن ياسين، واستصعبوا عمله وتركوا الأخذ عنه لما تجشّموا فيه من مشاق التكليف، فأعرض عنهم وترهّب وتنسّك معه يحيى بن عمر بن تلاكاكين من رؤساء لمتونة، وأخوه أبو بكر، فنبذوا عن الناس في ربوة يحيط بحر النيل من جهاتها ضحضاحا في المصيف وغمرا في الشتاء، فتعود جزرا منقطعة. فدخلوا في غياضها منفردين للعبادة، وتسامع بهم من في قلبه مثقال حبة من خير، فتسايلوا إليهم ودخلوا في دينهم وغيضتهم.
ولما كمل معهم ألف من الرجالات، قال لهم شيخهم عبد الله بن ياسين: إن ألفا لن تغلب من قلّة، وقد تعيّن علينا القيام بالحق والدعاء إليه وحمل الكافة عليه، فأخرجوا بنا لذلك، فخرجوا وقتلوا من استعصى عليهم من قبائل لمتونة وكدالة [1] ومهمومة حتى أنابوا الى الحق واستقاموا على الطريقة، وأذن لهم في أخذ الصدقات من أموال المسلمين، وسمّاهم بالمرابطين، وجعل أمرهم في العرب إلى الأمير يحيى بن عمر، فتخطّوا الرمال الصحراوية إلى بلاد درعة وسجلماسة فأعطوهم صدقاتهم وانقلبوا. ثم كتب إليهم وكاك اللمطي بما نال المسلمين فيما إليه من العسف والجور من بني وانودين أمراء سجلماسة من مغراوة، وحرّضهم على تغيير أمرهم، فخرجوا من الصحراء سنة خمس وأربعين وأربعمائة في عدد ضخم ركبانا على المهارى أكثرهم، وعمدوا إلى درعة. لا بل كانت هنالك بالحمى وكانت تناهز خمسين ألفا ونحوها.
ونهض إليهم مسعود بن وانودين أمير مغراوة وصاحب سجلماسة ودرعة لمدافعتهم عنها
[1] هم من القبائل الملثمين/ قبائل المغرب ص 332.
وعن بلاده، فتواقعوا وانهزم ابن وانودين وقتل واستلحم عسكره مع أموالهم، واستلحمهم ودوابهم وإبل الحمى التي كانت ببلد درعة. وقصدوا سجلماسة فدخلوها غلابا وقتلوا من كان بها من أهل مغراوة، وأصلحوا من أحوالها وغيروا المنكرات، وأسقطوا المغارم والمكوس، واقتضوا الصدقات واستعملوا عليها منهم وعادوا إلى صحرائهم، فهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين وقدم مكانه أخاه أبا بكر وندب المرابطين إلى فتح المغرب فغزا بلاد السوس سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وافتتح ماسة وتارودانت سنة تسع وأربعين وأربعمائة وفرّ أميرها لقوط بن يوسف بن عليّ المغراوي إلى تادلّا [1] واستضاف إلى بني يفرن ملوكها وقتل معهم لقوط بن يوسف المغراوي صاحب غمات [2] وتزوّج امرأته زينب بنت إسحاق النفزاويّة، وكانت مشهورة بالجمال والرئاسة، وكانت قبل لقوط عند يوسف بن عليّ بن عبد الرحمن بن واطاس، وكان شيخا على وريكة وهي زوجة هيلانة في دولة امغارن في بلاد المصامدة وهم الشيوخ. وتغلّب بنو يفرن على وريكة، وملكوا غمات فتزوّج لقوط زينب هذه، ثم تزوّجها بعده أبو بكر بن عمر كما ذكرنا. ثم دعا المرابطين الى جهاد برغواطة الذين كانوا بتامستا [3] وإنفا وجهات الريف الغربي، فكانت لهم فيهم وقائع وأيام استشهد عبد الله بن ياسين في بعضها سنة خمسين وأربعمائة وقد أمّ المرابطين بعده سليمان بن حروا [4] ليرجعوا إليه في قضايا دينهم. واستمر أبو بكر بن عمر في إمارة قومه على جهادهم ثم استأصل شأفتهم ومحا أثر دعوتهم من المغرب وهلك في جهادهم سليمان بن عدوّ سنة إحدى وخمسين وأربعمائة لسنة من وفاة عبد الله بن ياسين.
ثم نازل أبو بكر مدينة لواتة وافتتحها عنوة وقتل من كان بها من زناتة سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. وبلغه وهو لم يستتم فتح المغرب بعد ما وقع من الخلاف بين لمتونة ومسوفة ببلاد الصحراء، حيث أصل أعياصهم ووشايج أعراقهم ومنيع عددهم، فخشي افتراق الكلمة وانقطاع الوصلة، وتلافى أمره بالرحلة. وأكد ذلك زحف
[1] وفي قبائل المغرب ص 123: وتتبع أميرها لقوط الغماري الى تادلة ففتحها سنة 449.
[2]
وفي قبائل المغرب ص 123: أغمات.
[3]
تامسنا: قبائل المغرب ص 124.
[4]
وفي نسخة أخرى: سليمان بن عدوّ.
بلكّين بن محمد بن حمّاد صاحب القلعة إلى المغرب سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة لقتالهم، فارتحل أبو بكر إلى الصحراء، واستعمل على المغرب ابن عمّه يوسف بن تاشفين [1] ونزل له عن زوجه زينب بنت إسحاق ولحق بقومه. ورفع ما كان بينهم من خرق الفتنة، وفتح بابا من جهاد السودان، فاستولى على نحو تسعين رحلة من بلادهم.
وأقام يوسف بن تاشفين بأطراف المغرب، ونزل بلكّين صاحب القلعة فاس وأخذ رهنها على الطاعة، وانكفأ راجعا. فحينئذ سار يوسف بن تاشفين في عسكره من المرابطين ودوّخ أقطار المغرب. ثم رجع أبو بكر الى المغرب فوجد يوسف بن تاشفين قد استبدّ عليه. وأشارت عليه زينب أن يريه الاستبداد في أحواله وأن يعدّ له متاع الصحراء وما عونها، ففطن لذلك الأمير أبو بكر وتجافى عن المنازعة وسلّم له الأمر، ورجع إلى أرضه فهلك لمرجعه سنة ثمانين وأربعمائة.
واختطّ يوسف مدينة مرّاكش سنة أربع وخمسين وأربعمائة ونزلها بالخيام وأدار سورها على مسجد وقصبة صغيرة لاختزان أمواله وسلاحه، وكمل تشييدها وأسوارها علي [2] ابنه من بعده سنة ست وعشرين وخمسمائة. وجعل يوسف مدينة مراكش لنزله ولعسكره وللتمرّس بقبائل المصامدة المصيفة بمواطنهم بها في جبل درن، فلم يكن في قبائل المغرب أشدّ منهم ولا أكثر جمعا. ثم صرف عزمه إلى مطالبة مغراوة وبني يفرن وقبائل زناتة بالمغرب، وجذب الخيل من أيديهم، وكشف ما نزل بالرعايا من جورهم وعسفهم فقد كانوا من ذلك على ألم (حدث المؤرّخون في أخبار مدينة فاس ودولتهم فيها بكثير منه) فنازل أولا قلعة فازاز وبها مهدي بن توالي من بني يحفش.
قال صاحب نظم الجواهر: وهم بطن من زناتة، وكان أبو توالي صاحب تلك القلعة ووليها هو من بعده، فنازله يوسف بن تاشفين. ثم استجاش به على فاس مهدي بن يوسف الكرنامي صاحب مكناسة بما كان عدوا لمعنصر المغراوي صاحب فاس،
[1] تحدث صاحب الأنيس المطرب ابن أبي زرع الفاسي عن حدود المملكة المرابطية فلاحظ ان يوسف بن تاشفين خطب له على 1900 منبر وان ملكه امتدّ من أقصى شرق الأندلس الى اشبونة، ومن جزائر بني فراغة الى طنجة الى آخر السوس الأقصى الى جبل الذهب من بلاد السودان الأنيس المطرب ج 2 ص 37. (المعجم التاريخي/ 64) .
[2]
ذكر لسان الدين الخطيب في كتابه الحلل الموشية في ذكر الاخبار المراكشية ص 69: ان علي بن يوسف بن تاشفين هو أول من استعمل الروم بالمغرب. (المعجم التاريخي/ 64) .
فزحف في عساكر المرابطين إلى فاس، وجمع إليه معنصر ففضّ جموعه، وارتحل يوسف إلى فاس وتقرى منازلها وافتتح جميع الحصون المحيطة بها، وأقام عليها أياما قلائل، وظفر بعاملها بكّار بن إبراهيم فقتله. ثم نهض إلى مغراوة وافتتحها وقتل من كان بها من أولاد وانودين المغراوي ورجع إلى فاس فافتتحها صلحا سنة خمس وخمسين وأربعمائة ثم رجع إلى غمارة ونازلهم وفتح كثيرا من بلادهم. وأشرف على طنجة وبها سكوت البرغواطي الحاجب صاحب سبتة، وبقية الأمراء من موالي الحموديّة وأهل دعوتها. ثم رجع إلى منازلة قلعة فازاز، وخالفه معنصر إلى فاس فاستولى عليها وقتل عاملها.
واستدعى يوسف بن تاشفين مهدي بن يوسف صاحب مكناسة ليستجيش به على فاس فاستعرضه معنصر في طريقه قبل أن تتصل بأيديهما، وناجزه الحرب ففضّ جموعه وقتله، وبعث برأسه إلى وليه ومساهمه في شدّته الحاجب سكوت البرغواطي.
واستصرخ أهل مكناسة بالأمير يوسف بن تاشفين فسرّح عساكر لمتونة إلى حصار فاس فأخذوا بمخنقها وقطعوا المرافق عنها، وألحّوا بالقتال عليها فمسّهم الجهد. وبرز معنصر إلى مناجزة عدوّه لإحدى الراحتين فكانت الدائرة عليه وهلك. واجتمع زناتة من بعده على القاسم بن محمد بن عبد الرحمن من ولد موسى بن أبي العافية، كانوا ملوكا بتازا وتسول، فزحفوا إلى عساكر المرابطين والتقوا بوادي سيمير [1] فكان الظهور لزناتة. واستلحم كثير من المرابطين، واتصل خبرهم بيوسف بن تاشفين وهو محاصر لقلعة مهدي بلاد فازاز [2] فارتحل سنة ست وخمسين وأربعمائة ونزل عليها عسكر من المرابطين وصار يتنقل في بلاد المغرب فافتتح بني مراسن ثم قبولادة [3] ، ثم بلاد ورغة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ثم افتتح بلاد غمارة سنة ستين وأربعمائة. وفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة نازل فاس فحاصرها مدّة ثم افتتحها عنوة قول بمفازتها ثلاثة آلاف من مغراوة وبنى يفرن ومكناسة وقبائل زناتة حتى أعوزت مدافنهم فرادى، فاتخذت لهم الأخاديد وقبروا جماعات منهم، وخلص من نجا منهم من القتل إلى بلاد تلمسان وأمر بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين القرويين والأندلسيين من عدويتها، وصيّرها
[1] وفي نسخة اخرى: صغير.
[2]
هي جبال فازاز (الأطلس المتوسط) قبائل المغرب/ 124.
[3]
وفي نسخة أخرى: فنزلاوة.
مصرا واحدا، وأدار عليها الأسوار وحمل أهلها على الاستكثار من المساجد، ورتّب بناءها، وارتحل سنة ثلاث وستين وأربعمائة إلى وادي ملوية، فافتتح بلادها وحصون وطاط من نواحيها. ثم نهض سنة خمس وستين وأربعمائة إلى مدينة الدمنة فافتتحها عنوة، ثم افتتح حصن علودان من حصون غمارة. ثم نهض سنة سبع وستين وأربعمائة إلى جبال غياثة وبني مكود من أحواز تازا فافتتحها ودوّخها، ثم اقتسم المغرب عمالات على بنيه وأمراء قومه وذويه، ثم استدعاه المعتمد بن عبّاد إلى الجهاد فاعتذر له بمكان الحاجب سكوت البرغواطي وقومه من أولياء الدولة الحمّوديّة بسبتة، فأعاد إليه ابن عبّاد الرسل بالمشايعة إليهم، فجهّز إليهم قائده صالح بن عمران في عساكر لمتونة، فلقيه سكوت الحاجب بظاهر طنجة في قومه ومعه ابنه ضياء الدولة، فانكشف وقتل الحاجب سكوت ولحق ابنه العزيز ضياء الدولة. وكتب صالح بن عمران بالفتح إلى يوسف بن تاشفين، ثم أغزى الأمير يوسف بن تاشفين إلى المغرب الأوسط سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة قائده مزدلى بن تبلكان [1] بن محمد بن وركوت من عشيرة في عساكر لمتونة لمحاربة مغراوة ملوك تلمسان، وبها يومئذ الأمير العبّاس بن بختي من ولد يعلى بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر، فدوّخوا المغرب الأوسط وصاروا في بلاد زناتة، وظفروا بيعلى ابن الأمير العبّاسي فقتلوه، وانكفأوا راجعين من غزاتهم.
ثم نهض يوسف بن تاشفين سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بعدها إلى الريف وافتتح كرسيف ومليلة وسائر بلاد الريف وخرّب مدينة نكور فلم تعمّر بعده ثم نهض في عساكره المرابطين إلى بلاد المغرب الأوسط فافتتح مدينة وجده وبلاد بني يزتاسن ثم افتتح مدينة تلمسان واستلحم من كان بها من مغراوة، وقتل العبّاس بن بختي أمير تلمسان وأنزل محمد بن تيغمر المستوفي بها في عساكر المرابطين، فصارت ثغرا لملكه. ونزل بعساكره واختطّ بها مدينة تاكرارت بمكان محلته، وهو اسم المحلّة بلسان البربر. ثم افتتح مدينة تنس ووهران وجبل وانشريس إلى الجزائر، وانكفأ راجعا إلى المغرب فاحتلّ مراكش سنة خمس وسبعين وأربعمائة ولم يزل محمد بن تيغمر واليا بتلمسان إلى أن هلك، وولي بعده أخوه تاشفين
[1] وفي النسخة الباريسية: ملنكان وفي التونسية تيلنكان.
ثم ان الطاغية تكالب على بلاد المسلمين وراء البحر، وانتهز الفرصة فيها بما كان من الفرقة بين ملوك الطوائف فحاصر طليطلة، وبها القادر بن يحيى بن ذي النون حتى نالهم الجهد، وتسلّمها منه صلحا سنة ثمان وسبعين وأربعمائة على أن يملّكه بلنسية، فبعث معه عسكرا من النصرانية فدخل بلنسية وتملّكها على حين مهلك صاحبها أبي بكر بن العزيز بين يدي حصار طليطلة. وسار الطاغية في بلاد الأندلس حتى وقف بفرضة المجاز من صريف، وأعيا أمره أهل الأندلس واقتضى منهم الجزية فأعطوها.
ثم نازل سرقسطة وضيّق على ابن هود بها، وطال مقامه وامتدّ أمله إلى تملّكها، فخاطب المعتمد بن عبّاد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين منجزا وعده في صريخ الإسلام بالعدوة وجهاد الطاغية.
وكاتبه أهل الأندلس كافة من العلماء والخاصّة فاهتز للجهاد وبعث ابنه المعز في عساكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز، فنازلها برّا، وأحاطت بها أساطيل ابن عبّاد بحرا فاقتحموها عنوة في ربيع الآخر سنة ست وسبعين وأربعمائة وتقبّض على ضياء الدولة وقيد إلى المغرب فقتله صبرا، وكتب إلى أبيه بالفتح. ثم أجاز ابن عبّاد البحر في جماعته والمرابطين، ولقيه بفاس مستنفرا للجهاد، وأنزل له ابنه الراضي عن الجزيرة الخضراء لتكون رباطا لجهاده فأجاز البحر في عساكر المرابطين وقبائل المغرب ونزل الجزيرة سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ولقيه المعتمد بن عبّاد وابن الأفطس صاحب بطليوس. وجمع ابن أدفونس [1] ملك الجلالقة أمم النصرانية لقتاله، ولقي المرابطين بالزلّاقة من نواحي بطليوس فكان للمسلمين عليه اليوم المشهور سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ثم رجع إلى مراكش وخلف عسكرا بالإشبيلية لنظر محمد ومجون بن سيمونن بن محمد بن وركوت من عشيرة، ويعرف أبوه بالحاج، وكان محمد من بطانته وأعاظم قوّاد تكاليب الطاغية على شرق الأندلس، ولم يغن فيه أمراء الطوائف شيئا، فزحف إليه من سبتة ابن الحاج قائد يوسف بن تاشفين في عساكر المرابطين فهزموا جميع النصارى هزيمة شنيعة. وخلع ابن رشيق صاحب مرسية، وتمادى إلى دانية ففرّ عليّ بن مجاهد أمامه إلى بجاية ونزل على الناصر بن علناس فأكرمه ووصل ابن جحاف قاضي بلنسية إلى محمد بن الحاج مغريا بالقادر بن ذي النون، فأنفذ معه
[1] ألفونس: قبائل المغرب/ 124. وأذفونش عند ابن الأثير ج 10/ 152.
عسكرا وملك بلنسية، وقتل ابن ذي النون وذلك سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وانتهى الخبر إلى الطاغية فنازل بلنسية واتصل حصاره إيّاها إلى أن ملكها سنة خمس وثمانين وأربعمائة، ثم استخلصتها عساكر المرابطين، وولّى عليها يوسف بن تاشفين الأمير مزدلي، وأجاز يوسف بن تاشفين ثانية سنة ست وثمانين وأربعمائة وتثاقل أمراء الطوائف عن لقائه لما أحسّوا من نكيره عليهم لما يسمون به عليهم من الظلامات والمكوس وتلاحق المغارم، فوجد عليهم، وعهد برفع المكوس وتحرّى المعدلة، فلما أجاز انقبضوا عنه إلّا ابن عبّاد فإنه بادر إلى لقائه وأغراه بالكثير منهم، فتقبّض على ابن رشيق فأمكن ابن عبّاد منه العداوة التي بينهما. وبعث جيشا إلى المريّة ففرّ عنها ابن صمادح ونزل على المنصور بن الناصر ببجاية، وتوافق ملوك الطوائف على قطع المدد عن عساكره ومحلاته فساء نظره، وأفتاه الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والأندلس بخلعهم وانتزاع الأمر من أيديهم، وصارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الأعلام مثل: الغزالي والطرطوشي، فعهد إلى غرناطة واستنزل صاحبها عبيد الله بن بلكّين بن باديس وأخاه تميما من مالقة بعد أن كان منهما مداخلة الطاغية في عداوة يوسف بن تاشفين، وبعث بهما إلى المغرب فخاف ابن عبّاد عند ذلك منه وانقبض عن لقائه وفشت السعايات بينهما. ونهض يوسف بن تاشفين إلى سبتة فاستقر بها، وعقد للأمير سير بن أبي بكر بن محمد وركوت على الأندلس وأجازه فقدم عليها، وقعد ابن عبّاد عن تلقّيه ومبرّته فأحفظه ذلك، وطالبه بالطاعة للأمير يوسف والنزول عن الأمر، ففسد ذات بينهما، وغلبه على جميع عمله.
واستنزل أولاد المأمون من قرطبة ويزيد الرائض من رندة وقرمونة واستولى على جميعها وقتلهم. وصمد إلى إشبيليّة فحاصر المعتمد بها وضيّق عليه، واستنجد الطاغية فعمد الى استنقاذه من هذا الحصار، فلم يغن عنه شيئا، وكان دفاع لمتونة مما فتّ في عضده، واقتحم والمرابطون إشبيليّة عليه عنوة سنة أربع وثمانين وأربعمائة وتقبّض على المعتمد وقاده أسيرا إلى مراكش، فلم يزل في اعتقال يوسف بن تاشفين إلى أن هلك في محبسه بأغمات سنة سبعين وأربعمائة [1] ثم عمد إلى بطليوس وتقبّض على صاحبها
[1] قبض على المعتمد بن عباد سنة 484 وحبس في مراكش فكيف يكون توفي سنة 470 ولعل هذا الخطأ خطأ الناسخ والصحيح أنه توفي سنة 490 كما هو معروف في كتب التاريخ. وفي النسخة التونسية 490.
عمر بن الأفطس فقتله وابنيه يوم الأضحى سنة تسع وثمانين بما صحّ عنده من مداخلتهم الطاغية، وأن يملّكوه مدينة بطليوس، ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الثالث سنة تسعين وأربعمائة وزحف إليه الطاغية فبعث عساكر المرابطين لنظر محمد بن الحاج فانهزم النصارى أمامه، وكان الظهور للمسلمين.
ثم أجاز الأمير يحيى بن أبي بكر بن يوسف بن تاشفين سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وانضمّ إليه محمد بن الحاج وسير بن أبي بكر واقتحموا عامّة الأندلس من أيدي ملوك الطوائف، ولم يبق منها إلّا سرقسطة في يد المستعين بن هود معتصما بالنصارى.
وغزا الأمير مزدلي صاحب بلنسية إلى بلد برشلونة فأثخن بها وبلغ إلى حيث لم يبلغ أحد قبله ورجع. وانتظمت بلاد الأندلس في ملكة يوسف بن تاشفين، وانقرض ملك الطوائف منها أجمع كأن لم يكن، واستولى على العدوتين، واتصلت هزائم المرابطين مرارا وتسمى بأمير المسلمين، وخاطب المستنصر العباسي [1] الخليفة لعهده ببغداد، وبعث إليه عبد الله بن محمد بن العرب على يد المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبا بكر، فتلطّفا في القول وأحسنا في الإبلاغ، وطلبا من الخليفة أن يعقد له على المغرب والأندلس، فعقد له وتضمّن ذلك مكتوب الخليفة بذلك منقولا في أيدي الناس، وانقلبا إليه بتقليد الخليفة وعهده على ما إلى نظره من الأقطار والأقاليم. وخاطبه الإمام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي يحضّانه على العدل والتمسّك بالخير، ويفتيانه في شأن ملوك الطوائف بحكم الله.
ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الرابع إلى الأندلس سنة سبع وتسعين وأربعمائة وقد كان ما قدّمناه في أخبار بني حمّاد من زحف المنصور بن الناصر إلى تلمسان سنة سبع وتسعين وأربعمائة للفتنة التي وقعت بينه وبين تاشفين بن تيغمر وافتتاحه أكثر بلادهم، فصالحه يوسف بن تاشفين واسترضاه بعدول تاشفين عن تلمسان سنة سبع وتسعين وأربعمائة وبعث إليهما مزدلي من بلنسية، وولي بلنسية عوضا منه أبا محمد بن فاطمة، وكثرت غزواته في بلاد النصرانية. وهلك يوسف على رأس المائة الخامسة، وقام بالأمر من بعده ابنه علي بن يوسف فكان خير ملك. وكانت أيامه صدرا منها وداعة ولدولته على الكفر وأهله ظهور وعزة، وأجاز إلى العدوة فأثخن في بلاد العدوّ
[1] وفي النسخة التونسية: المستظهر العباسي.
قتلا وسبيا؟، وولّى على الأندلس الأمير تميم بن [1] وجمع الطاغية للأمير تميم فهزمه تميم، ثم أجاز علي بن يوسف سنة ثلاث ونازل طليطلة وأثخن في بلاد النصارى ورجع، وعلى أثر ذلك قصد ابن ردمير سرقسطة وخرج ابن هود للقائه فانهزم المسلمون ومات ابن هود شهيدا وحاصر ابن ردمير البلد حتى نزلوا على حكمه.
ثم كانت سنة تسع وخمسمائة شأن برقة [2] وتغلّب أهل جنوة عليها وأخلوها. ثم رجع العمران إليها على يد مرتانا قرطست [3] من قوّاد المرابطين كما مرّ في ذكرها عند ذكر الطوائف. ثم استمرّت حال عليّ بن يوسف في ملكه، وعظم شأنه، وعقد لولده تاشفين على غرب الأندلس سنة ست وعشرين وخمسمائة وأنزله قرطبة واشبيلية، وأجاز معه الزبير بن عمر، وحشد قومه وعقد لأبي بكر بن إبراهيم المسوقي على شرق الأندلس وأنزله بلنسية، وهو ممدوح بن خفّاجة ومخدوم أبي بكر بن باجة الحكيم المعروف بابن الصائغ. وعقد لابن غانية المسوقي على الجزائر الشرقيّة دانية وميورقة، واستقامت أيامه، ولأربع عشرة سنة من دولته كان ظهور الإمام المهدي صاحب واستقامت أيامه، ولأربع عشرة سنة من دولته كان ظهور الإمام المهدي صاحب دعوة الموحّدين، فقيها منتحلا للعلم والفتيا والتدريس، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، متعرّضا بذلك للمكروه في نفسه.
ونالته بجاية وتلمسان ومكناسة أذايات من الفسقة ومن الظالمين، وأحضره الأمير عليّ بن يوسف للمناظرة ففلج عليّ خصومه من الفقهاء بمجلسه، ولحق بقومه هرغة من المصامدة، واستدرك عليّ بن يوسف رأيه فتفقّده وطالب هرغة بإحضاره فأبوا عليه فسرّح إليهم البعث فأوقعوا به، وتقاسم معهم هنتاتة وتين ملّل على إجارته والوفاء بما عاهدهم عليه من القيام بالحق والدعاء إليه حسبما يذكر ذلك كله بعد دولتهم.
وهلك المهدي في سنة أربع وعشرين وخمسمائة وقام بأمرهم عبد المؤمن بن عليّ الكومي كبير أصحابه بعهده إليه، وانتظمت كلمة المصامدة وأغزوا مراكش مرارا.
وفشل ريح لمتونة بالعدوة الأندلسية، وظهر أمر الموحّدين وفشت كلمتهم في برابرة المغرب. وهلك عليّ بن يوسف سنة سبع وثلاثين وخمسمائة وقام بالأمر من بعده ولده تاشفين وولي عهده، وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين كما كانوا على حين استغلظ
[1] بياض في جميع النسخ ولم نهتد الى اسم والد تميم هذا في المراجع التي بين أيدينا.
[2]
وفي النسخة التونسية: ميورقة.
[3]
وفي نسخة أخرى: بن تامرظست.