الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(رجع الخبر الى ابن غانية)
ولما وصل علي بن غانية إلى طرابلس ولقي قراقش اتفقا على المظاهرة على الموحّدين واستمال ابن غانية كافة بني سليم من العرب وما جاورهم من مجالاتهم ببرقة وخالطوه في ولايتهم، واجتمع إليه من كان محرفا عن طاعة الموحّدين من قبائل هلال مثل:
جشم ورياح والأبثج، وخالفتهم زغبة إلى الموحّدين، فاحتفلوا [1] بطاعتهم سائر أيامهم. ولحق بابن غانية فلّ قومه من لمتونة ومنونة من أطراف البقاع، فانعقد أمره وتجدّد بذلك القطر سلطان قومه. وجدد رسوم الملك واتخذ الآلة وافتتح كثيرا من بلاد الجريد وأقام فيها الدعوة العبّاسية. ثم بعث ولده وكاتبه عبد المؤمن من فرسان الأندلس إلى الخليفة الناصر بن المستضيء ببغداد مجدّدا ما سلف لقومه من المرابطين بالمغرب من البيعة والطاعة، وطلب المدد والإعانة. فعقد له كما كان لقومه وكتب الكتاب من ديوان الخليفة إلى ملك مصر والشام النائب عن الخليفة بها صلاح الدين يوسف بن أيوب، فجاء إلى مصر فكتب له صلاح الدين إلى قراقش واتصل أمرهما في إقامة الدعوة العبّاسية.
وظاهره ابن غانية على حصار قابس فافتتحها قراقش من يد سعيد بن أبي الحسن، وولّى عليها مولاه وجعل فيها ذخائره. ثم اتصل بها إلى أن وصل قفصة خلعوا طاعة ابن غانية، فظاهره قراقش عليها فافتتحها عنوة. ثم رحل إلى توزر وقراقش في مظاهرته فافتتحها أيضا. ولما اتصل بالمنصور ما نزل بإفريقية من أجلاب ابن غانية وقراقش على بلاد الجريد نهض من مراكش سنة ثمان وثمانين وخمسمائة لحسم هذا الداء واستنقاذ ما غلبوا عليه. ووصل إلى تونس فأراح بها وسرّح في مقدّمته السيد أبا يوسف يعقوب بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن، ومعه عمر بن أبي زيد من أعيان الموحّدين، فلقيهم ابن غانية في جموعه بعهده، فانهزم الموحّدون وقتل ابن أبي زيد وجماعة منهم، وأسر علي بن الزبرتير في آخرين، وامتلأت أملاك العدو من أسلابهم ومتاعهم. ووصل سرعان الناس إلى تونس، وصمد المنصور إليهم فأوقع
[1] وفي نسخة أخرى: فاعتقلوا.
بهم بظاهر الحامة في شعبان من سنته. وأفلت ابن غانية وقراقش بحومة الوفر [1] وبادر أهل قابس وكانت خالصة لقراقش دون ابن غانية، فأتوا طاعتهم وأسلموا من كان عندهم من أصحابه وذويه فاحتلموا الى مراكش، وقصد المنصور إلى توزر فحاصرها فأسلموا إليه من كان فيها من أصحاب ابن غانية. وبادر أهلها بالطاعة.
ثم رجع إلى قفصة فحاصرها حتى نزلوا على حكمه، وقتل من كان بها من الحشود.
وقتل إبراهيم بن قراتكين، وامتنّ على سائر الأعوان وخلّى سبيلهم، وأمّن أهل البلد في أنفسهم وجعل أملاكهم بأيديهم على حكم المساقاة. تم غزا العرب واستباح حللهم وأحياءهم حتى استقاموا على طاعته. وفرّ ذو المراس كثير الخلاف والفتنة منهم إلى المغرب قبل: جشم ورياح والعاصم كما قدّمناه. وقفل إلى المغرب سنة أربع وثمانين وخمسمائة ورجع ابن غانية وقراقش إلى حالهما من الاجلاب على بلاد الجريد إلى أن هلك عليّ في بعض حروبهما مع أهل نفزاوة سنة أربع وثمانين وخمسمائة أصابه سهم غرب كان فيه هلاكه فدفن هنالك، وعفى على قبره، وحمل شلوه إلى ميورقة فدفن بها. وقام بالأمر أخوه يحيى بن إسحاق بن محمد بن غانية وجرى في مظاهرة قراقش وموالاته على سنن أخيه علي.
ثم نزع قراقش إلى طاعة الموحّدين سنة ست وثمانين وخمسمائة فهاجر إليهم بتونس وتقبّله السيد أبو زيد بن أبي حفص بن عبد المؤمن وأقام معه أياما. ثم فرّ ووصل إلى قابس فدخلها مخادعة وقتل جماعة منهم، واستبدّ على أشياخ دباب والكعوب من بني سليم فقتل سبعين منهم بقصر العروسيين، كان منهم: محمود بن طرق أبو المحاميد وحميد بن جارية أبو الجواري. ونهض إلى طرابلس فافتتحها ورجع إلى بلاد الجريد فاستولى على أكثرها، ثم فسد ما بينه وبين يحيى بن غانية. وسار إليه يحيى فانتهز قراقش ولحق بالجبال وتوغّل فيها، ثم فرّ إلى الصحراء ونزل ودّان ولم يزل بها إلى أن حاصره ابن غانية من بعد ذلك بمدّة وجمع عليه أهل الثأر من دباب، واقتحمها عليه عنوة وقتله ولحق ابنه بالموحّدين. ولم يزل بالحضرة إلى أيام المستنصر. ثم فرّ إلى ودّان وأجلب في الفتنة فبعث إليه ملك كام من قتله لسنة ست وخمسين وخمسمائة.
(رجع الخبر) واستولى ابن غانية على الجريد، واستنزل ياقوت فولّى قراقش من
[1] وفي النسخة التونسية: بجريعة الذقن.
طرده، كذا ذكره التجاني في رحلته. ولحق ياقوت بطرابلس، ونازلة ابن غانية بها، وطال أمر حصاره. وبالغ ياقوت في المدافعة، وبعث يحيى عن أسطول ميورقة فأمدّه أخوه عبد الله بقطعتين منه فاستولى على طرابلس، وأشخص ياقوت إلى ميورقة واعتقل بها إلى أن أخذها الموحّدون. وكان من خبر ميورقة أن عليّ بن غانية لما نهض إلى فتح بجاية ترك أخاه محمدا وعليّ بن الزبرتير في معتقلهما. فلما خلا الجو من أولاد غانية وكثير من الحامية داخل ابن الزبرتير في معتقله نفر من أهل الجزيرة، وثاروا بدعوة محمد وحاصروا القصيبة إلى أن صالحهم أهلها على إطلاق محمد بن إسحاق فأطلق من معتقله، وصار الأمر له فدخل في دعوة الموحّدين، ووفد مع علي بن الزبرتير على يعقوب المنصور. وخالفهم إلى ميورقة عبد الله بن إسحاق، ركب البحر من إفريقية إلى صقلّيّة وأمدّوه بأسطول، ووصل إلى ميورقة عند وفادة أخيه على المنصور فملكها، ولم يزل بها واليا. وبعث إلى أخيه علي بالمدد إلى طرابلس كما ذكرناه، وبعثوا إليه ياقوت فاعتقله عنوة إلى أن غلب عليه الموحّدون سنة تسع وتسعين وخمسمائة فقتل ومضى ياقوت إلى مراكش وبها مات.
(رجع الخبر) ولما فرغ ابن غانية من أمر طرابلس ولّى عليها تاشفين ابن عمّه الغازي، وقصد قابس فوجد بها عامل الموحّدين ابن عمر تافراكين بعثه إليهم صاحب تونس الشيخ أبو سعيد بن أبي حفص، فاستدعاه أهلها لما فرّ عنهم نائب قراقش أخذ ابن غانية لطرابلس فنازل قابس، وضيّق عليها حتى سألوه الأمان على أن يخلّي سبيل ابن بافراس [1] فعقد لهم ذلك وأمكنوه من البلد فملكها سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وأغرمهم ستين ألف دينار، وقصد المهدية سنة سبع وتسعين وخمسمائة فاستولى عليها وقتل الثائر بها محمد بن عبد الكريم الكرابي [2] .
(وكان من خبره) أنه نشأ بالمهديّة وصار من جندها المرتدّين، وهو كوفيّ الأصل، وكانت له شجاعة معروفة، فجمع لنفسه خيلا ورجالا وصار يغير على المفسدين من الأعراب بالأطراف فداخلهم هيبة، وبعد في ذلك صيته وأمدّه الناس بالدعاء.
وقدم أبو سعيد بن أبي حفص على إفريقية من قبل المنصور لأوّل ولايته، وولّى على المهدية أخاه يونس، وطالب محمد بن عبد الكريم بالسهمان في المغانم، وامتنع
[1] وفي نسخة أخرى: تافراكين.
[2]
وفي نسخة أخرى: الراكراكي.
فانزل به النكال وعاقبه بالسجن فدبّر ابن عبد الكريم الثورة وداخل فيها بطانته، وتقبّض على يونس سنة خمس وتسعين وخمسمائة واعتقله إلى أن فدّاه أخوه أبو سعيد بخمسمائة دينار من الذهب العتيق، واستبدل ابن عبد الكريم بالمهديّة ودعا لنفسه، وبلغت المتوكّل على الله. ثم وصل السيد أبو زيد بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن واليا على إفريقية فنازل ابن عبد الكريم بتونس سنة ست وتسعين وخمسمائة واضطرب معسكره بحلق الوادي وبرز إليه جيوش الموحّدين فهزمهم وطال حصاره لهم. ثم سألوه الإفراج عنهم فأجاب لذلك، وارتحل عنهم إلى حصار يحيى بن غانية بفاس فنازله مدّة. ثم ارتحل إلى قفصة وخرج ابن غانية في اتباعه فانهزم ابن عبد الكريم أمامه ولحق ارتحل إلى قفصة وخرج ابن غانية في اتباعه فانهزم ابن عبد الكريم أمامه ولحق بالمهديّة، وحاصره ابن غانية بها سنة سبع وتسعين وخمسمائة وأمدّه السيد أبو زيد بقطعتين من الغزاة حتى سأل ابن عبد الكريم النزول على حكمه وخرج إليه فقبض عليه ابن غانية وهلك في اعتقاله، واستولى على المهديّة واستضافها إلى ما كان بيده من طرابلس وقابس وصفاقس والجريد. ثم نهض إلى الجانب الغربي من إفريقية فنازل باجة، ونصب عليها المجانيق وافتتحها عنوة وخرّبها، وقتل عاملها عمر بن غالب، ولحق شريدها بالأربس وشقبناريّة وتركها خالية على عروشها، وبعد مدة تراجع إليها ساكنها بأمن السيد أبي زيد، فزحف إليها ابن غانية ونازلها، وزحف إليه السيد أبو الحسن أخو السيد أبي زيد فلقيه بقسنطينة، وانهزم الموحّدون واستولى على معسكرهم.
ثم نهض إلى بسكرة واستولى عليها وقطع أيدي أهلها، وتقبّض على حافظها أبي الحسن بن أبي يعلى، وتملك بعدها بلنسية [1] والقيروان وبايعه أهل بونة، ورجع إلى المهديّة وقد استفحل ملكه، فأزمع على حصار تونس وارتحل إليها سنة تسع وتسعين وخمسمائة واستعمل على المهديّة علي بن الغازي ويعرف بالكافي بن عبد الله بن محمد بن علي بن غانية، ونزل بالجبل الأحمر من ظاهر تونس ونزل أخوه بحلق الوادي. ثم ضايقوه بمعسكرهم وردموا خندقها ونصبوا المجانيق والآلات، واقتحموها لأربعة أشهر من حصارها في ختام المائة السادسة [2] . وقبض على السيد أبي زيد وابنه ومن كان معه من الموحّدين، وأخذ أهل تونس بغرم مائة ألف دينار، وولّى
[1] وفي النسخة التونسية: تبسه.
[2]
الصحيح في ختام المائة الخامسة.
بقبضها منهم كاتبه ابن عصفور وأبا بكر بن عبد العزيز بن السكاك، فأرهقوا الناس بالطلب حتى لاذ معظمهم بالموت واستعملوا القتل فيما نقل أن إسماعيل بن عبد الرفيع من بيوتاتها ألقى بنفسه في بئر فهلك، فرجع الطلب ببقيتها عنهم.
وارتحل إلى نفوسة والسيد أبو زيد معتقل في معسكره ففعل بهم مثل ذلك، وأغرمهم بالناصر بمراكش ما دهم أهل إفريقية منه ومن ابن عبد الكريم قبله، فامتعض لذلك ورحل إليها سنة إحدى وستمائة. وبلغ يحيى بن غانية خبر زحفه إليه، فخرج من تونس إلى القيروان ثم إلى قفصة واجتمع إليه العرب وأعطوه الرهن على المظاهرة والدفاع. ونازل طرة من حصون مغراوة [1] ، فاستباحها، وانتقل إلى حامة مطماطة. ونزل الناصر تونس، ثم قفصة، ثم قابس، وتحصّن منه ابن غانية، في مطماطة. ونزل الناصر تونس، ثم قفصة، ثم قابس، وتحصّن منه ابن غانية، في جبل دمّر، فرجع عنه إلى المهديّة، وعسكر عليها واتخذ الآلة لحصارها.
وسرّح الشيخ أبا محمد عبد الواحد بن أبي حفص لقتال ابن غانية في أربعة آلاف من الموحّدين سنة اثنتين وستمائة فلقيه بجبل تاجورّا من نواحي قابس، وأوقع به وقتل أخاه جبارة بن إسحاق واستنقذ السيد أبا زيد من معتقله، ثم افتتح الناصر المهديّة ودخل إليها عليّ بن الغازي في دعوة فتقبله، ورفع مكانه ووصله بهدية وافق وصولها برسمه إليه على يد واصل [2] مولاه وكان بها ثوبان منسوجان بالجواهر فوصله بذلك كله، ولم يزل معه إلى أن استشهد مجاهدا.
وولىّ الناصر على المهديّة محمد بن يغمور من الموحّدين ورجع إلى تونس. ثم نظر فيمن يولّيه أمر إفريقية لسدّ فرجها والذبّ عنها ومدافعة ابن غانية وجموعه دونها. فوقع اختياره على الشيخ أبي محمد بن أبي حفص، فعقد له على ذلك سنة ثلاث كما ذكرناه في أخباره. ورجع الناصر إلى المغرب وأجمع ابن غانية النهوض لقتال الموحّدين بتونس، وجمع ذؤبان العرب من الزواودة وغيرهم، وأوفد الزواودة يومئذ محمد بن مسعود بن سلطف [3] وتحيّز بنو عوف بن سليم إلى الموحّدين، والتقوا بشبور [4] من نواحي تبسّة [5] فانهزمت جموع ابن غانية، ولجأ إلى جهة طرابلس.
[1] وفي النسخة التونسية: نغزاوة.
[2]
وفي النسخة التونسية: من سبته إليه على يد ناصح.
[3]
وفي نسخة أخرى: بن سلطان.
[4]
وفي نسخة أخرى: بشبرو.
[5]
تبسّة: بالفتح ثم الكسر، وتشديد السين المهملة: بلد مشهور من أرض افريقية، بينه وبين قفصة ست مراحل في قفر سبيبة، وهو بلد قديم به آثار الملوك، وقد خرّ الآن أكثرها
…
(معجم البلدان) .
ثم نهض إلى المغرب في جموعه من العرب والملثّمين فانتهى إلى سجلماسة وامتلأت أيدي اتباعه من النهاب، وخرقوا الأرض بالعيث والفساد. وانتهى إلى المغرب الأوسط وداخله المفسدون من زناتة، وأغزوا به صاحب تلمسان السيد أبا عمران موسى بن يوسف بن عبد المؤمن فلقيه بتاهرت فهزمه ابن غانية، وقتله وأسروا وافده [1] ، وكرّ راجعا إلى إفريقية، فاعترضه الشيخ أبو محمد صاحب إفريقية في جموع الموحّدين، واستنقذ الغنائم من أيديهم. ولجأ [2] ابن غانية إلى جبال طرابلس، وهاجر أخوه مسير بن إسحاق إلى مرّاكش فقبله الناصر وأكرمه. ثم اجتمع إلى ابن غانية طوائف العرب من رياح وعوف وهيث [3] ومن معهم من قبائل البربر، وعزم على دخول إفريقية. ونهض إليهم الشيخ أبو محمد سنة ست وستمائة ولقيهم بجبل نفوسة، ففلّ عسكرهم واستلحم أمرهم، وغنم ما كان معهم من الظهر والكراع والأسلحة. وقتل يومئذ محمد بن الغازي وجوار بن يفرن، وقتل معه ابن عمّه من كتّاب ابن أبي الشيخ ابن عساكر بن سلطان، وهلك يومئذ من العرب الهلاليّين أمير قرّة سمّاد بن نخيل.
حكى ابن نخيل أن مغانم الموحّدين يومئذ من عساكر الملثّمين كانت ثمانية عشر ألفا من الظهر، فكان ذلك مما أوهن من شدّته ووطّى من بأسه. وثارت قبائل نفوسة بكاتبه ابن عصفور فقتلوا ولديه، وكان ابن غانية يبعثه عليهم للمغرم. وسار أبو محمد في نواحي إفريقية ودفع سلبهم واستثار أشياخهم بأهلهم، وأسكنهم بتونس حسما لفسادهم. وصلحت أحوال إفريقية إلى أن هلك الشيخ أبو محمد سنة ثمان عشرة وستمائة وولي أبو محمد السيد أبو العلا إدريس بن يونس بن عبد المؤمن، ويقال بل وليها قبيل مهلك الشيخ أبي محمد، فاستطار بعد مهلكه سور بن عبابة، ولخم فعابه رعيته [4] ، ونهض إليه السيد أبو العلا ونزل قابس وأقام بقصر العروسيّين، وسرّح ولده السيد أبا زيد بعسكر من الموحّدين إلى درج وغدامس، وسرّح عسكرا آخر إلى ودان لحصار ابن غانية، فأرجف بهم العرب ونهضوا وهمّ بهم السيد أبو
[1] وفي النسخة التونسية: ولده.
[2]
وفي النسخة التونسية: ونجا.
[3]
وفي النسخة التونسية: ونفاث.
[4]
وفي نسخة أخرى: ثور بن غانية، ونجم نفاقه وعيثه.
العلا. وفرّ ابن غانية إلى الزاب، واتبعه السيد أبو زيد فنازل ببسكرة واقتحمها عليه.
ونجا ابن غانية وجمع أوباشا من العرب والبربر، واتبعه السيد أبو زيد في الموحّدين وقبائل هوّارة، وتزاحفوا بظاهر تونس سنة إحدى وعشرين وستمائة فانهزم ابن غانية وجموعه، وقتل كثير من الملثّمين وامتلأت أيدي الموحّدين من الغنائم.
وكان طرأ له يومئذ حماس من بعد ما سعى [1] في هذا الزحف أثر مذكور وبلاء حسن. وبلغ السيد أبا زيد إثر هذه الوقيعة خبر مهلك أبيه بتونس، فانكفّ راجعا، وأعيد بنو أبي حفص إلى مكان أبيهم الشيخ أبي محمد بن أثال بإفريقية. واستقلّ الأمير أبو زكريا منهم بأمرها، واقتلعها عن ملكه إلى عبد المؤمن [2] وتناولها من يد أخيه أبي محمد عبد الله. وهذا الأمير أبو زكريا هو جدّ الخلفاء الحفصيّين وماهد أمرهم بإفريقية، فأحسن دفاع ابن غانية عنها وشرّده في أقطارها. ورفع يده شيئا فشيئا عن النيل من أهلها ورعاياها. ولم يزل شريدا مع العرب بالقفار، فبلغ سجلماسة من أقصى المغرب والعقبة الكبرى من تخوم الديار المصرية. واستولى على ابن مذكور صاحب السويقة من تخوم برقة، وأوقع بمغراوة بواجر ما بين متيجة ومليانه، وقتل أميرهم منديل بن عبد الرحمن وصلب شلوه بسور الجزائر. وكان يستخدم الجند فإذا سئموا الخدمة تركهم لسبيلهم إلى أن هلك لخمسين سنة من إمارته سنة إحدى وثلاثين وستمائة وقيل ثلاث وثلاثين، ودفن وعفى أثر مدفنه. يقال بوادي الرجوان قتله الأريس يقال بجهة مليانة من وادي شلف، ويقال بصحراء باديس ومديد [3] من بلاد الزاب. وانقرض أمر الملثّمين من مسوقة ولمتونة ومن جميع بلاد إفريقية والمغرب والأندلس بمهلكه. وذهب ملك صنهاجة من الأرض بذهاب ملكه وانقطاع أمره. وقد خلّف بنات بعثهن [4] زعموا إلى الأمير أبي زكريا لعهده بذلك إلى علجه جابر [5] فوضعن في يده. وبلغه وفاة أبيهن وحسن ظنه في كفالته إياهنّ، فأحسن الأمير أبو زكريا كفالتهنّ، وبنى لهنّ بحضرته دارا لصونهنّ معروفة لهذا العهد
[1] هكذا بالأصل وفي نسخة أخرى: وكان لهوارة يومئذ، وأميرهم حناش بن بعرة بن ونيفن في هذا الزحف اثر مذكور وبلاء حسن.
[2]
وفي النسخة التونسية: من ملكة آل عبد المؤمن.
[3]
وفي النسخة الباريسية: وتنومة. وفي النسخة التونسية: وبنومة.
[4]
العبارة تكون أصح لو قال: وقد خلّف بنات زعموا بأنه بعثهن الى الأمير أبي زكريا.
[5]
وفي النسخة التونسية صابر.
بقصر البنات. وأقمن تحت حراسته وفي سعة من رزقه موصولات لوصاة أبيهنّ بذلك منهنّ وحفظهنّ لوصاته. ولقد يقال أن ابن عم لهنّ خطب إحداهنّ، فبعث إليها الأمير أبو زكريا فقال لها: هذا ابن عمك وأحقّ بك، فقالت لو كان ابن عمّنا ما كفلنا الأجانب، إلى أن هلكن عوانس بعد أن متعن من العمر بحظ.
أخبرني والدي رحمه الله أنه أدرك واحدة منهنّ أيام حياته في سني العشر والسبعمائة تناهز التسعين من السنين. (قال) : ولقيتها وكانت من أشرف النساء نفسا وأسراهنّ خلقا وأزكاهنّ خلالا والله وارث الأرض ومن عليها.
ومضى هؤلاء الملثّمون وقبائلهم لهذا العهد بمجالاتهم من جوار السواد ان حجزا بينهم وبين الرمال التي هي تخوم بلاد البربر من المغربين وإفريقية، وهم لهذا العهد متّصلون من ساحل البحر المحيط في المغرب إلى ساحل النيل بالمشرق. وهلك من قام بالملك منهم بالعدوتين، وهم قليل من مسوقة ولمتونة كما ذكرناه، أكلتهم الدولة وابتلعتهم الآفاق والأقطار، وأفناهم الرقّ [1] واستلحمهم أمراء الموحدين [2] وبقي من أقام بالصحراء منهم على حالهم الأوّل من افتراق الكلمة واختلاف البين، وهم الآن يعطون طاعة لملوك السودان، يجبون إليهم خراجهم وينفرون في معسكرهم.
واتصل بنيانهم على بلاد السودان إلى المشرق مناظر السلع العرب على بلاد المغربين وإفريقية [3] فكدالة منهم في مقابلة ذوي حسّان بن المعقل عرب السوس الأقصى، ولمتونة وتريكة في مقابلة ذوي منصور وذوي عبد الله بن المعقل أيضا عرب المغرب الأقصى، ومسوقة في مقابلة زغبة عرب المغرب الأوسط، ولمطة في مقابلة رياح عرب الزاب وبجاية وقسنطينة، وتاركا في مقابلة سليم عرب إفريقية. وأكثر ما عندهم من المواشي الإبل لمعاشهم وحمل أثقالهم وركوبهم، والخيل قليلة لديهم أو معدومة. ويركبون من الإبل الفارهة ويسمّونها النجيب، ويقاتلون عليها إذا كانت بينهم حرب، وسيرها هملجة، وتكاد تلحق بالركض [4] وربما يغزوهم أهل القفر من العرب وخصوصا بنو سعيد من بادية رياح، فهم أكثر العرب غزوا إلى بلادهم
[1] وفي النسخة التونسية: الترف.
[2]
وفي النسخة التونسية: واستلحمهم آخرا الموحّدون.
[3]
وفي النسخة التونسية: واتصل سياجهم على بلاد السودان الى المشرق، مناظرا لسياج العرب على بلاد المغربين وإفريقية.
[4]
مقتضى السياق: وتكاد لا تلحق بالركض.